تواجه الدول العربية، خلال العقد الأخير، هجمة شرسة من القوى الإمبريالية العالمية تستهدف القضاء على أي محاولة لإحياء المشروع القومى العربى، والتخلص نهائيا من بقايا القوى الصلبة داخل هذه المجتمعات والمتمثلة في الجيوش الوطنية في مصر وسورية بشكل خاص، بعد أن تمكنوا من تفكيك الجيش الوطنى العراقى بغزو عسكري مباشر في 2003..
وطمس المعالم الحضارية لهذه البلدان الضاربة حضارتها في أعماق التاريخ، وآثارها خير شاهد على ذلك، فقد حاولوا مرارا وتكرارا سرقة هذه الآثار، سواء بشكل مباشر حين كانوا يحتلون هذه البلدان، خاصة مصر وسورية والعراق واليمن، ثم بواسطة بعض الأنظمة الحاكمة والتي كانت تعتبر التجارة في الآثار أحد أهم مصادر تشكيل ثرواتهم الحرام، ومتاحف الدول الاستعمارية الغربية خير شاهد على هذه السرقات.
إذًا المشروع الإمبريالى الغربي، الذي تقوده وتسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها الصهيونية، يسعى أولا إلى القضاء على المقاومة الشعبية العربية، بعد أن نجحت في استمالة غالبية الأنظمة الحاكمة والسيطرة عليها وإخضاعها لتنفيذ أجندتها، وثانيا إلى التخلص من الجيوش العربية الحقيقية، وهنا لا يمكن أن ننسى مقولة "بن جوريون"، مؤسس الكيان الصهيوني، حين قال: "لا يمكن لإسرائيل أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هي: الجيش المصرى والجيش العراقى والجيش السورى"..
وثالثا إلى طمس المعالم الحضارية لهذه البلدان بهدم وتدمير آثارها بعد الفشل في سرقتها ونهبها. ولتحقيق هذه الأهداف كان عليهم أن يضعوا مخططًا محكمًا لتنفيذ ما يسعون إليه، فكانت محاولات التدخل المباشر لتقسيم وتفتيت المنطقة من خلال التدخل العسكري في العراق، وفشل المخطط في الانتقال إلى دول أخرى.
رغم أنه قد حقق ما أراده، ولو جزئيا، حيث تمكن من تحطيم القدرات العسكرية للجيش العراقى، وتحطيم الآثار العراقية، ومحاولة القضاء على المقاومة الشعبية العراقية، وهو ما لم ينجحوا فيه بشكل كامل، حيث ظلت المقاومة الشعبية العراقية، ومازالت، شوكة قوية في حلق القوى الأمريكية المعتدية على العراق الشقيق، لكن يظل شبح التقسيم يسيطر على الواقع الاجتماعى في العراق.
ثم جاء الربيع العربي المزعوم، وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها الصهيونية لتحوله إلى ربيع عبرى بامتياز، واستمرت في تنفيذ مشروع التقسيم والتفتيت، ولكن بآليات جديدة غير مباشرة في إطار الجيل الرابع والخامس للحروب، فبدلا من المواجهة المباشرة مع العالم العربي فقد قامت باستخدام ثلاث آليات غير مباشرة جديدة وكلها من قلب العالم العربي.
حيث سخرت، أولا، الجنرال إعلام العميل والمأجور لتزييف وعى الجماهير الشعبية العربية وتجريف عقلها الجمعى، ثم استخدمت، ثانيا، الجنرال فتنة طائفية وعرقية ومذهبية لتفجير هذه المجتمعات من الداخل، وإشعال نيران الحروب الأهلية، ثم استخدمت، ثالثا، الجنرال إرهاب من خلال تحالف مع الجماعات التكفيرية المتدثرة برداء الدين حيث قامت بمدها بالمال والسلاح لخوض حرب داخلية مع الجيوش الوطنية..
وبواسطة هذه الجماعات يتم تحقيق ما يريده العدو الأمريكى والصهيونى، حيث تم تدمير قوى المقاومة الشعبية وإنهاك واستنزاف الجيوش الوطنية، وأخيرًا تدمير التراث الحضارى الإنسانى لهذه المجتمعات بهدم آثارها بواسطة فتاوى مشايخ الجماعات الإرهابية، وبأيدى عناصرهم المرتزقة. وما حدث في العراق يتكرر الآن في سورية وليبيا واليمن بواسطة داعش، الوجه الأحدث للتنظيمات الإرهابية، التي تصنعها أمريكا وربيبتها الصهيونية على أعينهم وتحت مظلتهم الخليجية الداعمة بالمال والسلاح.
لكن في ظل النجاحات التي يحققها المشروع الأمريكى الصهيونى، حيث التمكن من إلهاء الجماهير الشعبية العربية عن مقاومة العدو الصهيونى، والانكفاء على مواجهة الجماعات الإرهابية بالداخل والتناحر الطائفى والعرقى والمذهبى، وفى نفس الوقت سحب الجيوش لمعركة داخلية طويلة الأمد مع الجماعات الإرهابية لتنسى بذلك المواجهة مع العدو الصهيونى المغتصب للتراب العربي..
إلا أن هناك بوادر أمل حقيقية، حيث مازالت مصر وسورية تقاومان المشروع الذي يستهدف تقسيم وتفتيت الأمة العربية، وذلك بمواجهة عسكرية وشعبية للجماعات الإرهابية التي يستخدمها الأمريكان والصهاينة لتحقيق أهدافهم التدميرية..
فخلال العقد الأخير تمكن جيش الجمهورية العربية المتحدة السورى في الإقليم الشمالى، والمصرى في الإقليم الجنوبى، ومن خلفهما الشعب العربي في سورية ومصر من إجهاض أحلام الأمريكان والصهاينة، حيث تصدى الجيش والشعب للجماعات الإرهابية المسلحة، وتمكنوا من تجفيف الكثير من منابع الإرهاب، ونجحوا في التصدى لمحاولات هدم الآثار الذي يهدف في النهاية إلى طمس الحضارة العربية لنتحول لبقعة جغرافية بدون تاريخ مثل هذه الحضارة الأمريكية والصهيونية اللقيطة عديمة التاريخ.
لذلك يجب على كل الشعب العربي أن يصطف الآن لمواجهة هذا المشروع الإمبريالى الغربي ومخالبه الخائنة والعميلة بالداخل العربي، وعليهم أن يدركوا أن الإرهاب العميل والمأجور لن يستثني أحدًا، وعلى من قاموا بتشكيل جيش عربي، وفقًا لاتفاقية الدفاع العربي المشترك، أن يتوجهوا بهذا الجيش، ليس لضرب دولة عربية شقيقة كاليمن، بل يتوجهوا لمحاربة الإرهاب.
وعليهم أن يدركوا أن هناك جيشًا عربيًّا معزولًا، على الرغم من أنه يخوض معركة الدفاع عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها، وهو جيشنا الأول في سورية، وعليهم أن يدركوا أيضا أن المنطقة العربية لا توجد بها جيوش حقيقية غير الجيش المصرى والسورى والجزائرى وبقايا الجيش العراقى، هذه الجيوش هي العقبة الحقيقية في سبيل تحقيق المشروع الأمريكى الصهيونى لأحلامه في تقسيم وتفتيت المنطقة، فلنعض عليها بالنواجذ وندعمها في معركتها الشرسة، فالمقاومة هي الحل، اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق