تداهمنا على مدار الأسبوع أخبار وأحداث كثيرة نختار من بينها الأبرز ليكون موضوع مقالنا الاسبوعي, وهذا الاسبوع داهمنا خبر غريب وعجيب في آن واحد وهو بالطبع ليس غريبا ولا عجيبا من حيث الفعل فهو منتظر ومتوقع ولكن الغرابة والعجب جاءت من طريقة صياغة الخبر عبر وسائل الإعلام سواء التقليدية أو الحديثة, والخبر جاء من واشنطن وتحت عنوان ( إنجاز تاريخي ) يقول:
" نجحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عقد اتفاق سلام جديد بين مملكة البحرين وإسرائيل يتضمن إقامة علاقات دبلوماسية واسعة وفتح سفارتين في البلدين, في خطوة تعزز من قدرة الولايات المتحدة على تعزيز رؤيتها لتحقيق التقارب بين الدول العربية والدولة العبرية ".
ثم قام ترامب كعادته بنشر تغريدة على تويتر تقول:
" إنجاز تاريخي تحقق اليوم باتفاق مملكة البحرين وإسرائيل على إبرام اتفاق سلام .. ثاني اتفاق سلام بين إسرائيل ودولة عربية في أقل من 30 يوما ".
وتتوالى التصريحات فتقول:
" أنه قد صدر بيان مشترك قبلت من خلاله البحرين دعوة ترامب للانضمام إلى إسرائيل والإمارات في مراسم توقيع الاتفاق بينهما يوم الثلاثاء 15 سبتمبر/ أيلول في البيت الأبيض .. وأن البحرين وإسرائيل سيواصلان جهودهما للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني ".
وقبل أن أذهب للحديث عن الغرابة والعجب نتحدث أولا عن المتوقع والمنتظر فتطبيع دويلة البحرين مع العدو الصهيوني ليس بجديد وله مقدمات منذ عام 1994 في أعقاب توقيع الفلسطينيين والأردنيين لاتفاقيتي أوسلو ووادي عربة حيث زار وزير بيئة الاحتلال يوسي سريد المنامة, وهو ما فتح بوابة العلاقات الثنائية, واستمرت تلك العلاقة سرا حتى العام 2005 عندما ألغت البحرين مشاركاتها في لجنة المقاطعة العربية للاحتلال بشكل رسمي.
وتجلت ذروة العلاقات السرية في لقاء جمع الرئيس الصهيوني السابق شمعون بيريز وملك البحرين عام 2009 , واستمر تبادل الوفود الرسمية وغير الرسمية بشكل سري حتى شاركت المنامة بوفد لها في عزاء بيريز.
وفي عام 2011 كشف موقع ويكيليكس عن أن وفدا من الموساد يتخذ من المنامة مقرا دائما له منذ سنوات عدة, ويتحرك الوفد بسرية وحرية مطلقة لتكوين علاقات مع شخصيات بحرينية وخليجية بارزة.
وبعد ذلك أدان ملك البحرين مقاطعة الاحتلال, وأعلن رفع الحظر عن الإسرائيليين في زيارة بلاده, ولم تكتفي البحرين بذلك بل أنها لم تر مشكلة في قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس, وامتنعت لأول مرة عن التصويت لإدانة جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين في مجلس حقوق الإنسان الدولي.
لذلك لم يكن هناك غرابة أو عجب من إعلان البحرين التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني, لكن الغريب والعجيب وصف الخطوة من قبل واشنطن وعلى لسان رئيسها ترامب بالإنجاز التاريخي في محاولة منه لكسب نقاط لدى الرأى العام الأمريكي الغاضب على سياساته قبل الانتخابات الرئاسية القادمة بعد شهرين وهو يعلم أن إجبار الدويلات العربية الخليجية على التطبيع مع العدو الصهيوني يضمن له دعم اللوبي الصهيوني بالداخل, لكن حقيقة الأمر الخطوة لا تمثل أي إنجاز تاريخي, فهذه الدويلات الخليجية لا وزن لها في الصراع العربي – الإسرائيلي.
فالبحرين ومن قبلها الإمارات - ومن سيأتي بعدهما - بهذه الخطوة التطبيعية لم تتوقف معاركهما مع العدو الصهيوني, ولم تصدر التعليمات من القيادة السياسية في كلا البلدين بانسحاب جيشيهما الزاحف نحو القدس لتحريرها, وبهذه الخطوة لن يعود الأمن والأمان للمستوطنين الصهاينة في فلسطين المحتلة الذين عاشوا لسنوات طويلة في الخنادق وتحت الأرض خوفا ورعبا من الصواريخ بعيدة المدى القادمة من المنامة وأبو ظبي والتي حصدت أرواح الكثيرين من الصهاينة الذين يفكرون مرارا وتكرارا في ترك الأراضي المحتلة والبحث عن مكان آخر للعيش خوفا ورعبا من القذائف اليومية التي تسقط على رؤوسهم.
وما يثير السخرية وليس الغرابة والعجب فقط أن البحرين وإسرائيل سيواصلان جهودهما للتوصل إلى حل عادل وشامل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني, ما عجز عنه العالم أجمع وعلى مدار ما يزيد عن السبعة عقود ستحله دويلة البحرين مع العدو الصهيوني, وسوف يعود الشعب العربي الفلسطيني لينعم بالعيش في وطنه بعد إنهاء البحرين لكل معاناته التي لم تنتهي رغم الحروب والنضال والتضحيات التي قاموا بتقديمها.
من المؤكد أن هذه الخطوة التطبيعية المعلنة مع البحرين اليوم ومن قبلها خطوة الإمارات وما سيأتي بعدها هى انتصارات للعدو الصهيوني, لكن عليه أن يدرك أن التطبيع مع الحكومات لا يتبعه بالضرورة تطبيعا مع الشعوب فاتفاقية كامب ديفيد التي تجاوزت الأربع عقود اليوم لم تزد الشعب المصري إلا صمودا في مواجهة العدو الصهيوني, ونفس الأمر بالنسبة للشعبين الفلسطيني والأردني بعد توقيع اتفاقيتي أوسلو ووادي عربة, وهو حتما سيكون موقف شعبي البحرين والإمارات, وعلى العدو الصهيوني أن يدرك أن معركته الحقيقية مع المقاومة العربية الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي, تلك المقاومة التي لا يمكن أن تقبل إلا بزوال العدو الصهيوني وعودة الشعب العربي الفلسطيني لأرضه كاملة من النهر إلى البحر, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد