ليست المرة الأولى التي نكتب فيها عن تنظيم داعش, وهو التنظيم الذي ولد من رحم الربيع العربي المزعوم الذي انطلق في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011, والمصطلح في أصله يشير إلى ذلك التنظيم الإرهابي الذي يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي حل في السنوات الأخيرة محل تنظيم القاعدة الذي كان يتصدر المشهد الإرهابي العالمي قبل بداية انطلاق موجة الربيع المزعوم الذي جاءت نتائجه كلها في صالح العدو الصهيونى.
وعلى الرغم من وجود العديد من التنظيمات الإرهابية التي اكتسبت شهرة كبيرة بين سكان كوكب الأرض إلا أن تنظيم داعش يعد هو الأكثر شراسة ووحشية ودموية على مدار تاريخ البشرية فالعمليات الإرهابية التي أقدم عليها هذا التنظيم لم يرتكبها غيره من قبل خاصة القتل والتمثيل بجثث الأطفال والنساء والشيوخ وفي العلن وأمام الكاميرات, في عالم تطورت فيه وسائل الإعلام بشكل مذهل حيث أصبح كل مواطن إعلامي يحمل وسيلته الإعلامية في يده, وهى هاتفه المحمول المتصل بشبكة الإنترنت الذي يمكنه من التواصل والتفاعل مع الأحداث في كل بقاع المعمورة وعبر مواقع تبث عليها ملايين الأخبار والصور والفيديوهات في الدقيقة الواحدة مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وغيرها.
لذلك أصبح مصطلح داعش يستخدم للإشارة إلى كل ما هو غير إنسانى ومضاد للإنسانية, فتداول المصطلح من خلال الحياة اليومية للمواطنين يشير إلى السلوكيات الإنسانية السلبية, لذلك لا عجب أن يصف مواطن سلوك مواطن آخر قام باستغلاله أو ظلمه أو قهره بأنه داعشي, ولم يعد استخدام المصطلح يدعو للغرابة عند استخدامه فى حياتنا اليومية كمؤشر على الشراسة والوحشية والدموية في معاملاتنا اليومية مع بعضنا البعض.
وبالطبع الجميع يعلم دور الولايات المتحدة الأمريكية في رعاية التنظيمات الإرهابية حول العالم على أقل تقدير في النصف قرن الأخير, ذلك لأن هذه التنظيمات تلعب دورا وظيفيا لتحقيق المصالح الأمريكية سواء في منطقتنا العربية أو حول العالم, وعندما ظهر تنظيم داعش في السنوات الأخيرة تحت رعاية العدو الأمريكي في العراق ثم انتقل إلى سورية وبعدها بدأ يتمدد ليشكل خطرا داهما على مصر.
حيث تسلل عبر الحدود الشرقية المتاخمة لفلسطين المحتلة بمساعدة العدو الصهيوني وبدأ الجيش المصري معركته مع الدواعش في سيناء وهى المعركة المستمرة منذ ما يزيد على السبع سنوات حتى الآن, ثم تسلله إلى ليبيا وهو ما شكل خطرا على الحدود الغربية لمصر دفعت الجيش المصري للوقوف بقوة وحزم لدعم الجيش الوطني الليبي لإيقاف تمدده حتى لا يصل للأراضي المصرية, هذا بالطبع إلى جانب تحركات الجيش المصري على الحدود الجنوبية مع السودان حتى لا يتسلل عبرها الدواعش للداخل المصري.
وإذا كنا قد أدركنا حجم الخطر الذي يشكله تنظيم داعش باعتباره تنظيما خارجيا تحركه أمريكا يمتلك أفكارا معادية للإنسانية, فإن نفس الأفكار الداعشية التي تحارب الإنسانية تمتلكها وتؤمن بها وتنفذها العديد من القوى الاجتماعية الموجودة داخل مجتمعاتنا العربية, وهى وإن لم تدخل فعليا ضمن هذا التنظيم الإرهابي الدولي لكنها تنفذ ضد مواطنيها أفكاره وممارساته الشرسة والوحشية والدموية.
فالتجار والسماسرة الذين يطلقون على أنفسهم لقب رجال الأعمال والذين يتلاعبون بقوت الشعب ويسرقون وينهبون ثرواته أليسوا دواعش وأكثر شراسة ووحشية ودموية مع الفقراء داخل مجتمعاتنا العربية, والموظفين الكبار والصغار الفاسدين والمرتشين والمزورين الذين يضربون بالقانون عرض الحائط ولا يطبقوه إلا على الغلابة أليسوا دواعش, والمسؤولين العاجزين عن حماية المواطنين من شراسة ووحشية ودموية التجار والسماسرة والموظفين الفاسدين أليسوا دواعش.
فعلى الرغم من نجاح الجيش المصري من تجفيف منابع الإرهاب على الأرض المصرية, إلا أننا لم نتمكن من العودة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للغالبية العظمى من المصريين إلى ما كانت عليه قبل موجة الربيع العربي المزعوم رغم أنها لم تكن مرضية بل كانت المشاركة الشعبية في أحداث 25 يناير دافعها الأول هو تحسين هذه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية البائسة, وما وصلنا إليه الآن هو أكثر بؤسا بكل تأكيد ويرجع السبب إلى أننا ورغم هزيمتنا للمشروع الأمريكى - الصهيونى الذي يمثل دواعش الخارج إلا أننا لم نتمكن حتى الآن من تحقيق أى انتصار على دواعش الداخل.
نفس المعركة تشهدها الآن سورية العربية التى حققت انتصارا مدويا على المشروع الأمريكى – الصهيونى عبر تجفيف منابع الإرهاب على كامل الجغرافيا العربية السورية, والتصدى عبر الدفاعات الجوية للاعتداءات الصهيونية المتكررة, إلا أن دواعش الداخل يحاولون إفساد هذه الانتصارات بتعميق أوجاع المواطن السوري فما يشهده المواطن اليوم من معاناة فى توفير ضروريات الحياة لم يشهده أثناء الحرب الكونية مع دواعش الخارج, والحرائق التي تلتهم المحاصيل الزراعية في الساحل السوري اليوم من المؤكد أنها مفتعلة بيد دواعش الداخل, وهدفها هو النيل من استقرار السوريين في هذه المناطق, ومن هنا يتضح أن معركتنا مع دواعش الداخل أكثر شراسة, وهى التحدي الحقيقي الذى يواجه مجتمعاتنا العربية في اللحظة الراهنة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد