وصدقت توقعاتنا عن تظاهرات 11 نوفمبر 2022 المزعومة التي دعت إليها جماعة الإخوان المجرمين, حيث انتصر وعي الشعب المصري على محاولات التخريب المتعمدة التي أرادتها الجماعة المجرمة, فمنذ الإطاحة بالجماعة من سدة الحكم في 3 يوليو 2013 وهى تحاول جاهدة زعزعة الأمن والاستقرار بالداخل المصري, مستغلة في كثير من الأحيان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية لدى قطاعات واسعة من المصريين, معتقدة بذلك أنها يمكن أن تستثمر سوء الأحوال المعيشية لتقلب الجماهير الفقيرة على قيادتها السياسية كما فعلت ذلك ونجحت فيه قبل أحدث 25 يناير 2011 معتقدة أن التاريخ يعيد نفسه, لكن من الغباء الاعتقاد أن حالة الوعي ثابتة والظرف التاريخي ثابت, فالجماهير المصرية اليوم ليست هى نفس الجماهير قبل يناير 2011 ووعيها بمجتمعها والعالم المحيط بها قد تغير وتبدل دون شك, فالغالبية العظمى من المصريين اليوم أصبحت مطلعة على الأحداث المحلية والإقليمية والدولية نتيجة التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات, فكل مواطن الآن يحمل تليفون محمول ولديه باقة انترنت يستطيع من خلالها التعرف على كل ما يحدث حول العالم, وبالطبع شاهد المصريون ما حدث لمجتمعهم من حالة فوضى بعد أحداث يناير 2011 واستمرت حالة الفوضى حتى 3 يوليو 2013, عانى خلالها الشعب على كافة المستويات وفقد الأمن والأمان والاستقرار, ولا شك أنه قد رأى ما حدث في ليبيا واليمن وسورية من تدمير ممنهج بفعل المؤامرة الكونية عليهم, ولازال يرى ما يحدث حول العالم من أزمات اقتصادية بفعل الصراع العالمي على سيادة العالم عبر الحرب الروسية – الأوكرانية.
فالمواطن المصري الذي خرج على مبارك ونظامه في يناير 2011 ليس هو بالطبع ذات المواطن الذي تدعوه الجماعة المجرمة للخروج اليوم, فقبل يناير 2011 استخدم العدو الأمريكي عدد من الآليات لتأجيج الصراع بين المواطن والدولة, ففي الوقت الذي ورطت فيه الولايات المتحدة الأنظمة السياسية المصرية منذ مطلع السبعينيات في سياسات اقتصادية رأسمالية تابعة تعمل لصالح الشرائح الطبقية العليا, وبالتالي تضر بمصالح الغالبية العظمى من المصريين الذين ينتمون للشرائح الطبقية الوسطى والدنيا, مما أدى مع مرور الوقت إلى أن أصبحت نسبة 41 % من المصريين يعيشون تحت خط الفقر ( وفقا لتقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عام 2010 ), هذا بخلاف 25 % يعيشون في حزام الفقر ومعرضون في أي وقت للهبوط تحت خط الفقر, وهو ما يعني أن ثلثي الشعب المصري كان يعاني من الفقر بشكل أو أخر, وفي ذات الوقت كانت منظمات حقوق الإنسان الممولة أجنبيا قد انتشرت في السنوات الأخيرة لحكم مبارك وتقوم بتدريب بعض الشباب على الثورات الملونة بإشراف ودعم أمريكي, وقامت بعدد من التجارب في الفترة من 2005 حتى 2010 عبر عدد من التظاهرات والإضرابات والإعتصامات الفئوية استعدادا للحدث الأكبر في يناير 2011, وفي تلك الفترة تشكلت تنظيمات مثل 6( أبريل - الاشتراكيون الثوريون - جماعات الألتراس ) التي مارست العنف والتخريب بجوار جماعة الإخوان المجرمين أثناء أحداث 25 يناير 2011, ومن بين الآليات المستخدمة هي وسائل الإعلام الجديد وفي مقدمتها الفيسبوك الذي تمت الدعوة للتظاهر من خلاله وظل الوسيلة الأساسية للتواصل بين الجماعات والتنظيمات المشاركة في أحداث يناير 2011, واكتشفنا فيما بعد أنه أحد أهم وسائل الإعلام التي تستخدمها الجماعة المجرمة في نشر الأكاذيب والفبركات ضد الدولة المصرية, وتمتلك الجماعة كتائب إلكترونية على هذه الوسيلة الإعلامية الجديدة, وبالطبع تعد جماعة الإخوان المجرمين أحد أهم الأدوات التي استخدمها العدو الأمريكي لتنفيذ مخططه التقسيمي والتفتيتي عبر آلية الفتنة الطائفية والمذهبية والعرقية, لكن المصريين الآن اكتشفوا كل هذه الآليات والأدوات التي ترغب في التخريب عبر دعوات التظاهر الكاذبة التي لازالت تدعو إليها الجماعة بدعم أمريكي.
واليوم وعلى الرغم من استمرار نفس السياسات الاقتصادية الرأسمالية التابعة التي تزيد من معاناة الغالبية العظمى من المصريين إلا أن هؤلاء الفقراء والكادحين لازالوا رافضين للاستجابة لدعوات الجماعة المجرمة للتظاهر ضد النظام السياسي المصري, نظرا لامتلاكهم الوعي الكافي الذي كان غائبا في يناير 2011, فخروجهم لم يحل مشكلاتهم الاجتماعية والاقتصادية بل عمق منها وزادها, هذا إلى جانب ما أحدثته الفوضى من فقدان للأمن والأمان والاستقرار, وهى الحالة التي استغلتها الجماعة المجرمة للصعود لسدة الحكم, لذلك لن يسمح الشعب مرة أخرى بتمكين هذه الجماعة المجرمة من مقدرات البلاد والعباد, وهذا المواطن المصري الذي راهنا على وعيه في مواجهة دعوات الجماعة المجرمة للتظاهر يستحق من نظامه السياسي وحكومته أن تنحاز إليه لتخرجه من عثراته الاقتصادية عبر سياسات اقتصادية مغايرة للسياسات التي أفقرته على مدار النصف قرن الماضي, فقروض صندوق النقد الدولي لم تحقق أي نجاح للدول التي اعتمدت عليه لإحداث اصلاح اقتصادي يكون مقدمة لتنمية اقتصادية حقيقية تعود نتائجها على الغالبية العظمى من المواطنين, فوعي الشعب الذي انتصر على دعوات التظاهر الكاذبة, يجب أن يقابله وعي مماثل من النظام السياسي لينتصر على السياسات الرأسمالية التابعة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم/ د. محمد سيد أحمد