لا شك أن موقف الدولة المصرية غير المعلن بوضوح للرأى العام من الأزمة السورية, جعل هناك العديد من المزايدات على موقفها حيث تراوحت المزايدات بين التعبير عن عدم الرضا سواء بالغمز أو اللمز أو الهمس الخافت أحياناً, والمجاهرة والصراخ والتشنج أحياناً أخرى, ولم يتوقف الهجوم عند هذا الحد بل تطرف في بعض الأحيان ليصل إلى حد الاتهام بالخوف من بعض دول أطراف المؤامرة الدولية والإقليمية على سورية ومشاركتهم في الحرب الكونية عليها حتى ولو بالصمت العاجز المتخاذل قليل الحيلة.
وفي كثير من الأحيان يتغافل المزايدون عن دور القوة الناعمة المصرية خاصة من الناصريين والقوميين الذين وقفوا منذ اليوم الأول مدافعين بشراسة عبر كل المنابر الإعلامية المتاحة عن سورية قلب العروبة النابض, سواء من داخل مصر أو عبر زياراتهم المتكررة والمنتظمة لسورية والتي لم تنقطع على مدار سنوات الأزمة التي تدخل عامها العاشر, وكأن هذه القوة الناعمة ليست مصرية أو أنها تتحرك في فضاء بعيدا عن الدولة, وهو ما يوحي بأن الدولة المصرية بكل أجهزتها عاجزة عن منع مواطنيها – حتى ولو كانوا من النخبة - عن لعب هذا الدور المدافع بشراسة عن سورية, لذلك حاولت وكثير من زملائي خلال السنوات الماضية توضيح بعض الحقائق حول طبيعة العلاقة بين البلدين من خلال ما أملكه من معلومات أو استنتاجات للرأى العام السوري الذي يثق إلى حد ما في مواقفي تجاه سورية دون جدوى, خاصة وأنني لا أملك تصريحاً بالبوح بكل ما لدي من معلومات حصلت عليها بشكل شخصي من بعض المصادر القريبة من دوائر صنع القرار, أو من صناع القرار بشكل مباشر.
أما الآن وبعد أن أعلنت الدكتورة بثينة شعبان المستشار الإعلامي برئاسة الجمهورية العربية السورية وعبر برنامج لعبة الأمم على قناة الميادين عن زيارة الوفد المصري رفيع المستوى برئاسة اللواء عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة المصرية ولقائه بالمسؤولين السوريين فيمكنني الحديث بحرية عن بعض المسكوت عنه في العلاقات المصرية – السورية عبر سنوات الأزمة, وكنت قد أوضحت في مقالي الاسبوع الماضي كيف تعاملت مصر مع أمنها القومي بوعي وهدوء وسرية تامة, وأشرت في عجالة عن موقفها من سورية وهو ما يمكنني الآن التوسع فيه ليغطي باقي المساحة المتاحة في هذا المقال.
وفي إطار التأكيد على وجود العلاقة والتنسيق والتعاون والتشاور المستمر الذي لم ينقطع قط بين البلدين وفي أصعب لحظات الأزمة أذكر ثلاثة مواقف في هذا الصدد الأول كان في الشهر السابع من عام 2012 وكان محمد مرسي قد تولى السلطة في مصر لتوه وكنت ضمن وفد سياسي وإعلامي مصري يزور سورية, وأثناء الزيارة علمنا أن الرئيس بشار الأسد سوف يلتقي الوفد المصري وخلال اللقاء سألت السيد الرئيس سؤالاً مباشراً هل هناك قنوات اتصال مع مصر خلال الفترة الماضية ؟ وجاءني الرد صريحاً مباشراً بأن قنوات الاتصال موجودة ولم تنقطع.
أما الموقف الثاني فقد جاء بعد صعود الإخوان المسلمين لسدة الحكم حيث اعتقد الجميع أن العلاقة بين البلدين قد انتهت لكن ومن خلال الزيارات المكثفة للقوة الناعمة المصرية سواء الوفود السياسية أو الإعلامية أثناء تولي محمد مرسي الحكم والتى لم أتخلف عن أى وفد منها خلال عام كامل ممتد من منتصف العام 2012 وحتى منتصف العام 2013 دون أن تمنعنا السلطات الأمنية المصرية من الذهاب لسورية ولم يتم توقيفنا أو حتى مسائلتنا رغم مهاجمتنا الشرسة لمحمد مرسي وجماعته عبر وسائل الإعلام السورية, وهو ما يعني رضا الدولة المصرية بأجهزتها السيادية عن ما نقوم به من دور في الدفاع عن سورية صمام الأمان للأمن القومي المصري.
وجاء الموقف الثالث بعد 30 يونيو 2013 وعقب الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من سدة الحكم حيث نظمت وزارة الإعلام السورية ورشة عمل بعنوان ( الإعلام الوطني والتحديات الراهنة ) خلال الفترة من 1-3 أكتوبر وتمت دعوتي والأستاذ أسامة الدليل من مصر للمشاركة, وبعد انتهاء أعمال الورشة التقينا السيد الرئيس بشار الأسد ضمن لقاء ضم بعض المشاركين في الورشة من بعض الدول العربية, وعندما جاء دوري في الحديث سألت السيد الرئيس سؤالاً مباشر هل هناك الآن قنوات اتصال مع مصر الرسمية ؟ فكانت الإجابة واضحة بأن هناك قنوات اتصال مفتوحة, وزاد السيد الرئيس بأنه في الوقت الذي نزور فيه سورية الآن هناك وفد مصري أمني رفيع المستوى يزور دمشق.
هذه المواقف الثلاثة جاءت في وقت مبكر من عمر الأزمة أذكر بعدها بعض التصريحات للسيد الرئيس بشار الأسد يظهر منها وجود علاقة وأنه يقدر دور مصر وما تمر به من ظرف لا يسمح لها بإعلان دعمها لسورية بشكل علني مثل لقائه مع الإعلامي المصري عمرو ناصف على قناة المنار في الشهر الثامن من عام 2015 ثم الإعلان عن الزيارات المتكررة للسيد اللواء علي المملوك لمصر وهو ما يعني أن العلاقة بين البلدين موجودة.
وبالطبع لا يمكن إغفال المساحة الممنوحة للقوة الناعمة المصرية والمعروفة بمواقفها المدافعة عن سورية على وسائل الإعلام الرسمية, فلم أغب أنا وزملائي عن شاشة التليفزيون المصري وعبر قناة النيل للأخبار على مدار السنوات التسع الماضية, ولو كانت الدولة غير راضية عن ما نقوم به لكان من السهل عليها منعنا من السفر إلى سورية ومنعنا من الكتابة والنشر والخروج على شاشات الإعلام الرسمي مدافعين عن سورية شعباً وجيشاً وقائداً, لذلك كله يمكنني القول وبقلب وضمير مستريح أن دفاع القوة الناعمة المصرية عن سورية على مدار سنوات الأزمة كان بدعم من الدولة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر, فهناك الكثير من الأسرار حول طبيعة العلاقة بين مصر وسورية خلال الأزمة مازالت مستترة ولا يعلم حقيقتها إلا عدد قليل من المسؤولين, لكن قناعتي الشخصية تؤكد أن العلاقة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي لم تنقطع يوما وسوف تكشف الأيام صدق ما أذهب إليه, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد