لا يمكن لمحتل أن يدرك معنى العدالة وقضية الحقوق رغم أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 1947م والذي قضى بانهاء الانتداب البريطاني بتقسيم فلسطين بين دولة عربية على مساحة 42،3% ودولة يهودية على مساحة 57،7% من أرض فلسطين التاريخية واعلان ما يسمى دولة "اسرائيل" التي ظلت تتمدد على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية واضعة شعارها على الكنيست من النيل الى الفرات، ورغم دخول العرب لاحقا فيما سمي بمفاوضات السلام واتفاقيات السلام مع أكثر من دولة عربية وانفرط عقد رفقاء السلاح والبندقية عندما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو برعاية امريكية عام 1993م على أن يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومعالجة القضايا الرئيسية (اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والترتيبات الامنية) ولم تجن السلطة من مفاوضات الاستسلام سوى خيبات الأمل لأنه سلام الضعفاء وليس سلام الشجعان الذي يتكئ على القوة .
عرف الشعب الفلسطيني أن عودة الحقوق لن يتم إلا بالقوة فما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة والعودة الى ساحة النضال التي بدأها الرعيل الاول أمثال الشيخ عز الدين القسام الذي استشهد عام 1935م والحاج أمين الحسيني وبقية المناضلين الابطال في ذاكرة الحركة الوطنية الفلسطينية لذا أفرزت الساحة الفلسطينية مجددا أبطالا كانواةعلى الوعد أمثال المهندس يحيى عياش والعديد من الأبطال الآخرين ليعيد الشعب الفلسطيني رسم ملحمة التحرير بعد أربع سنوات من توقيع اتفاقية اوسلو عندما أيقنوا أن الصهيوني لا يعرف معنى السلام فكانت الانطلاقة المقدسة التي بدأت بانتفاضة الحجارة عام 1987م وتوالى النضال الفلسطيني لتقوم انتفاضة الاقصى المباركة عندم دنس أرييل شارون باحات السجد الأقصى في 28 سبتمبر عام 2000م واستمرت الانتفاضة خمس سنوات تؤكد للشعب الفلسطيني أن مشروع التحرير لن يتحقق إلا من خلال هذا الكفاح المقدس لنيل حقوقه وتقرير مصيرة وكان من نتائج انتفاضة الاقصى انسحاب الاحتلال من قطاع غزة لتنمو شجرة المقاومة في غزة وتصمد في عدة حروب لاحقا 08/09م و2012م 2014م الاكثر دموية و2018 و 2021م في معركة سيف القدس التي سارع العدو الى طلب الهدنة ووقف اطلاق النار وهذه المواجهات كانت المقاومة تسجل حالة تصاعدية في تطور وقوة المقاومة الفلسطينية كما ونوعا وقد قيل ما قبل سيف القدس ليس كما بعده فكانت معادلة القدس - غزة نموذجا للمقاومة بالدفاع عن المرابطين في الاقصى ومناصرة اهالي حي الشيخ جراح وحي سلوان الذي قررت بلدية القدس هدم منازلهم وهي تنم عن بلطجية النظام الصهيوني، ولكن منذ سيف القدس تأكد للعالم أن هذه المقاومة التي تأسست منذ انتفاضة الحجارة ماضية تشق طريق التحرير لاستعادة الحقوق بالقوة حتى جاءت المفاجأة أخيرا والتي أذهلت العالم في السابع من أكتوبر 2023م عندما انطلق أبطال المقاومة من قطاع غزة تطبيقا لتعليمات إلهية كما قال تعالى في محكم كتابه العزيز: "ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" وقد تحقق في هذه المعركة تحولا نوعيا استراتيجيا في اطار الصراع وتمرغت هيبة جيش الاحتلال وقد فاق ضحايا العدو خلال ثلاثة أيام 1000 قتيل وما يقرب من نصف هذا الرقم من الأسرى وأكثر من ألفي مصاب بعضهم في حالات حرجة وهو ما لم يحدث طوال تاريخ الصراع، هذا المعادلة الجديدة في حرب التحرير كرسها رجال الله من أبطال غزة يساندهم أشقاءهم في الضفة الغربية ومناوشات على الحدود الشمالية لفسطين مع حزب الله لم تصل بعد الى فتح الجبهة الشمالية في حرب مفتوحة لكنها أكدت على وحدة الساحات وأن وعد الله يقترب على يد هؤلاء الابطال المتمسكين بقضيتهم ومشروعهم العظيم أملا في تحقيق الفتح المبين، فالله أكبر ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .
قال تعالى: "مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا " هذه الفئة الصادقة الصابرة المتمسكة بأوامر الله تسير على درب العزة والكرامة هدفهم الاسمى تحقيق مشروع التحرير العظيم، ماضون بعون الله لا يضرهم من خذلهم، ولن تخبوا عزائمهم فما تحقق من اهداف يستحق التضحية والفذاء، هذه حرب تحرير مشروعة من قبل أبطال المقاومة .
العدو الصهيوني اليوم أمامه خيار وحيد باستهداف الابرياء العزل وممارسة عربدته وفق سياسة الارض المحروقة بعد تمريغ كرامته يهدف الى اسقاط مزيدا من الضحايا لترميم هيبته التي كسرت، وهنا يجب على الدول العربية والاسلامية أن تقف وقفة صادقة وعدم الاكتفاء ببيانات التنديد والادانة بل تقدم كل أشكال الدعم والمساندة، فهذه الفئة القليلة الصابرة المجاهدة اليوم تمسح عن الامة غبار الذل والمهانة وتلقن العدو دروسا في الكرامة وتمرغ انفه في التراب، وكما أعلنت دول اوروبا صراحة مساندة كيان الاحتلال ننتظر موقفا مشرفا واضحا من قبل الاشقاء العرب والمسلمين في معركة طوفان الاقصى لاسيما وأن العالم اليوم يعيش حالة تحولات كبرى ينبغي استثمارها في تحقيق العدالة الدولية وانهاء الاحتلال وعودة الحقوق لاصحابها .