ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الإعلام في العصر الحديث كأحد أهم أدوات تشكيل الوعى لدى الرأى العام, وعملية تشكيل الوعى بواسطة وسائل الإعلام ليست بريئة على الإطلاق, فدائما ما تتحكم فيها مصالح القوى المسيطرة على هذه الوسائل سواء كانت قوى سياسية أو اقتصادية, وغالبا ما تنحرف هذه القوى بوظيفة الإعلام الرئيسية فبدلا من أن تسعى إلى تشكيل وعي حقيقي للرأى العام من خلال تصوير الواقع كما هو عليه ونقل الحقائق والمعلومات بموضوعية وشفافية, فإن ما يحدث هو العكس حيث تسعى هذه القوى إلى تزييف وعي الرأى العام بحقيقة ما يحدث حوله سواء في مجتمعه أو إقليمه أو العالم.
وخلال المرحلة الأخيرة ظهر الدور الخطير للجنرال إعلام, حيث أصبح أحد أهم الأسلحة التي استخدمها المشروع الأمريكى - الصهيونى لتنفيذ مخطط تقسيم وتفتيت المجتمعات العربي في إطار ما عرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد أو الربيع العربي المزعوم, وتم استخدام الجنرال إعلام للتلاعب بأمن واستقرار المنطقة العربية, وخلال هذه الحرب سقطت سريعا العديد من الاقطار العربية بفضل الجنرال إعلام الذي قام بتزييف وعي الجماهير وإيهامها بأن ما يحدث داخل بلدانهم هى ثورة ستحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, وبالطبع لم تجني هذه الجماهير أى مكاسب من تصديقها للجنرال إعلام بل فازت أمريكا وكيانها الصهيوني فقط عبر العشر سنوات الماضية.
ومنذ قررت أمريكا خوض حربها الجديدة الخبيثة في إطار ما يطلق عليه الجيل الرابع للحروب, قامت باستخدام الجنرال إعلام حيث سعت لتزييف وعي الرأى العام العربي والعالمي وغسل الأدمغة من خلال الشاشات بأن ما يحدث داخل مجتمعاتنا هو ثورة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأن الهدف هو إحداث تغيير جذري في بنية المجتمعات العربية لكى تلحق بقطار النهضة والتقدم, وزاد الإعلام في تضليله حين حاول تغييب الواقع الفعلي ورسم صورة وهمية لما يحدث على أرض الواقع, وفي ظل الامكانيات المحدودة للإعلام الوطني فلم يستطع مواجهة الآلة الإعلامية الأمريكية - الصهيونية الجبارة وكشف زيفها وتضليلها بل قامت العديد من وسائل الاعلام الوطنية بالدوران في فلك الأعلام الغربي الذي يهيمن عليه اللوبي الصهيونى ويضخ به مليارات الدولارات, ورغم مرور ما يقرب من عشر سنوات على هذه المواجهة إلا أن الجنرال إعلام مازال يلعب دوره دون كلل أو ملل, وعلى الرغم من فشل المشروع في تحقيق أهدافه إلا أنه حتى اللحظة يسعى لتزييف وعي الجماهير بحقيقة ما يحدث على أرض الواقع - وللآسف مازالت الجماهير العربية تسمع له وتشاهده وتصدقه - خاصة على الساحات العربية التي مازالت مستهدفة لزعزعة أمنها واستقرارها بهدف الوصول لمرحلة تقسيمها وتفتيتها.
ولم يكتفي الجنرال إعلام بوسائله التقليدية المتمثلة في الصحافة والإذاعة والتليفزيون بل قام بتطوير آلته الإعلامية الجهنمية الجبارة, فأستحدث أسلحة جديدة تمثلت في ما يطلق عليه وسائل الإعلام الجديدة المرتبطة بالسلاح السحرى الجديد المعروف بالشبكة العنكبوتية – الإنترنت – حيث المواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك الأكثر شيوعا وانتشارا فى العالم اليوم وتويتر واليوتيوب وغيرها, وبذلك أصبحت وسائل الإعلام ليست عامة بل خاصة حيث أصبح لكل مواطن وسيلته الإعلامية الخاصة, وعبر هذا الإعلام الجديد بدأت عمليات تزييف الوعي للمواطن العربي الشغوف بهذه الوسائل التكنولوجية الجديدة والتي يقضي عليها معظم وقته ولا يتركها طوال الوقت, ففي كل مكان وزمان تجده متمسكا بجهازه السحري الذي يستقي منه كل معلوماته, حيث تتشكل رؤيته للعالم عبر هذا الجهاز السحري الصغير, وأدرك العدو الأمريكي - الصهيوني أهمية الجنرال إعلام الجديد وتأكد أنه قد نجح في ربط المواطن العربي بهذا الساحر الجديد فبدأ في إطلاق جيوشه الإلكترونية لتنشر بذور الفتنة وتشعل نيرانها داخل مجتمعاتنا, وبما أن طبيعة التعليم داخل مجتمعاتنا قائمة على الحفظ والتلقين دون إعمال للعقل والنقد فإن أى معلومات تبث عبر وسائل الإعلام الجديد يتم استقبالها وهضمها على أنها حقائق مطلقة ومن هنا ينتصر الجنرال إعلام وجيوشه الإلكترونية على المواطن العربي.
فالجنرال إعلام صنيعة أمريكية - صهيونية, يجب أن نحترس منه وندرك دوره التدميري حيث يقوم بعملية تجريف للعقل الجمعي العربي, فالمعركة الجديدة بيننا وبين الغرب الاستعمارى لاستمرار وتكريس تخلفنا قد تجاوزت الأسلحة التقليدية فلم يعد الاحتلال العسكري ممكناً دائماً كما كان في الماضي, ولم يعد الاحتلال الاقتصادي وسيلة وحيدة قادرة على إخضاعنا وإذلالنا, ولم يعد الاحتلال الثقافي التقليدي كافيا بل تم تطوير أسلحته ومنها وسائل الإعلام الحديثة التي أصبحت جنرالا أساسيا في زمن الجيل الرابع للحروب, وإن لم نلتفت للجنرال إعلام ونواجهه فسوف يستمر في تجريف العقل الجمعي العربي, وبالتالي يتم تدمير مجتمعاتنا من الداخل, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم/ د. محمد سيد أحمد