تعد مرحلة المراهقة من المراحل الحرجة التي يمر بها الفرد ضمن مراحل حياته المختلفة، وهي توصيف لفترة انتقالية بين عالم الطفولة بما فيها من بساطة واعتماد على الآخرين وعالم الرشد الذي يحقق الإنسان فيه فهمه الخاص للحياة والأشياء ويكون فردًا مستقلًا معتمدًا على ذاته؛ ولذا هي بمثابة الاختبار الأول في حياة الفرد في مجال رؤيته الذاتية للأمور.
كما تعد مرحلة المراهقة من أخطر مراحل الحياة حيث يمر المراهق بأطوار من النمو والتغيرات العقلية والفكرية والنفسية والانفعالية والجسمية والسلوكية، وما يتبعها من صراعات داخلية وخارجية وما يعقبها من صعوبات ومشكلات، فهي مرحلة حرجة وحساسة في حياة الأبناء فيكون فيها المراهق مُتقلب المزاج، حاد الطباع، ويكون التمرد والعناد سمة ملازمة له؛ لذا تحتاج هذه المرحلة
المزيد من الاهتمام، فإذا لم يجد المراهق في هذا السن مَنْ يأخذ بيده ويعاونه في تخطي هذه العقبات ويوجهه للتعامل معها فمن الممكن أن ينجرف إلى سلوكيات غير مرغوبة؛ ومن ثم فإن الأسلوب الذي يتخذه الوالدان في التعامل مع المراهق له دور مهم في بزوغ شخصيته وجعلها سوية خالية من الصراعات ومتخطية للعقبات.
وتوجد العديد من الأساليب والاستراتيجيات والوسائل التي تضمن للوالدين أن يلبي الابن المراهق أوامرهما حتى وإن لم يرغب في تنفيذها، وتقاس هذه الأساليب من خلال عدة أبعاد منها: الحب والاهتمام والرعاية والدفء والتقبل والتقارب والمشاركة واستخدام أساليب الضبط الدافئة والفهم والاستيعاب والحوار والتواصل الفعال؛ ومن أهم الوسائل والأساليب التي يمكن للوالدين استخدامها لإقناع المراهق والتعامل معه ودفعه للامتثال للسلوكيات الحسنة ما يلي:
- بناء الثقة المتبادلة: والتي تعد بمثابة سفينة النجاة لعلاقة الوالدين بالأبناء، حيث تساعد هذه الاستراتيجية على بناء جسر من الثقة وكسر أي حواجز نفسية لدى المراهق ليستطيع مصارحة والديه بأي مشكلة يتعرض لها، كما تساعد هذه الاستراتيجية على تعزيز الثقة بالنفس لدى المراهق وجعله قادرًا على استغلال طاقاته الذاتية بصورة أفضل.
- التواصل باستخدام العاطفة: والتي تعد من اكثر الاستراتيجيات تأثيرًا في إقناع المراهق بأي فكرة، حيث يتم فيها استخدام الأساليب والوسائل التي تؤثر في عاطفته لإقناعه بالرأي الأفضل من بين جميع الآراء المقترحة؛ كاستخدام الكلمات العاطفية المؤثرة مثل كلمات الاستعطاف، وكذلك لغة الجسد مثل تعبيرات الوجه والابتسامة ونظرة العيون واستخدام نبرة الصوت الحانية.
- إكساب المهارات: وتتمثل في إكساب المراهق المهارات التي يحتاجها للدخول إلى عالم الرشد بثقة واقتدار؛ كمهارة وعي وفهم الذات وإدارتها، ومهارة السيطرة على الانفعالات والمشاعر، ومهارة مواجهة الضغوطات والإحباط، ومهارة حل المشكلات والتفكير الإيجابي والفعال، ومهارة اتخاذ القرار، ومهارة تحمل المسؤولية والاستقلالية، ومهارة التواصل والتكيف مع الآخرين في المجتمع، ومهارة المبادرة وحب المساعدة للغير واحترام حقوق الآخرين والتعاون والإيثار.
- الحوار الدافئ: ويساعد هذا الأسلوب على سد الفجوة التي قد تنشأ بين الوالدين والأبناء بما يعرف بــ (صراع الأجيال)؛ فيساعد على بناء تربية حوارية مع الأبناء المراهقين تتسم بالرفق واللين والاستماع الدافئ لهم، والتفهم الكامل لما يعاني منه المراهق من عصبية وتمرد وامتصاص غضبه، ومن ثم إقناعهم بأمور قد لا تُقبل عند اتباع الوالدين أسلوب القسوة والعنف.
- التحفيز والتشجيع: ويتمثل في تشجيع الأبناء المراهقين ومدحهم على آرائهم الصائبة، وإشعال روح التفوق والإنجاز فيهم، وعدم التقليل من إنجازاتهم حتى وإن كانت ناقصة أو قليلة، والبعد عن أساليب اللوم والتأنيب والنبذ والإهمال والتناقض في المعاملة، مع ضرورة السماح لهم بالتعبير عما يجول في صدورهم من اعترافات وانتقادات، وتشجيعهم على الصراحة الدائمة في طرح أي مواضيع خاصة بهم والإصغاء إليهم باهتمام.
- عرض جميع البدائل: وتتمثل في عرض جميع البدائل والآراء والخيارات المتاحة أمام المراهق بكل وضوح وبدون أي غموض مع مساعدته في فهم إيجابيات وسلبيات كل بديل من البدائل، والعمل على تأهيليه للإقناع بالرأي الذي نريد أن نقنعه به.
- صياغة خطط مشتركة: وتتمثل في قدرة الوالدين على ابتكار موضوعات ومواقف وخطط مشتركة مع الأبن المراهق لتفعيل قدرتهم على الإقناع لديه.
- إشاعة روح الشورى داخل الأسرة: لأن تطبيقها بين جميع أفراد الأسرة يجعل المراهق يدرك أن هناك رأيًا ورأيًا آخر متبادلًا لابد أن يُحترم، كما يتعلم كيفية عرض رأيه بصورة عقلانية منطقية، ويجعله يدرك أن هناك أمورًا وقيمًا لا يمكن المساس بها من كل أفراد الأسرة.
الدكتور/ أحمد متولي سعد
الأستاذ بكلية التربية جامعة الأزهر