جرس انذار وناقوس الخطر يدق أبواب تونس
روائح زمن الربيع العربي تفوح من جديد في تونس
الحقيقة الكاملة لموت الشاب التونسي المختنق بالغاز
كتبت/سها البغدادي
في أول اختبار للحكومة التونسية التي عينها الرئيس قيس سعيد، شهدت بلدية عقارب في صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية مواجهات أمنية يوم الاثنين الماضي ، انسحبت على أثرها الوحدات الأمنية بعد تجدد المواجهات صباح الثلاثاء، احتجاجاً على قرار بإعادة فتح مكب للنفايات، في وقت دعا "الاتحاد التونسي للشغل" إلى إضراب عام الأربعاء، في المدينة.
وشهدت البلدة احتجاجات الاثنين، على قرار السلطات إعادة فتح مكب نفايات على بعد 20 كيلومتراً من صفاقس ، بعد أن كان قد أغلق العام الجاري نتيجة شكوى سكان البلدة، الذين قالوا إن الأمراض انتشرت، وإنهم يعانون من كارثة بيئية بسبب المكب الذي بلغ طاقته القصوى.
ونقلا عن شهود، أن محتجين أضرموا النار الثلاثاء في مركز للحرس الوطني، في نفس الوقت أشارت الإذاعة التونسية إلى أن المركز احترق بالكامل.
"عاصمة الثقافة العربية "
تقع صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية شرقي البلاد، وتعرف بنشاطها الثقافي الذي جعلها مؤهلة لتكون عاصمة للثقافة العربيّة لسنة 2016.
وتعتمد صفاقس على النشاط الزراعي وتم تلقيبها بـ"العاصمة الاقتصادية"، وبالتحديد إنتاج زيت الزيتون واللوز،بالإضافة إلى الصناعات المختلفة ومنها صناعة الأقمشة والملابس الجاهـزة، والصناعات الكهربائيـة، وتحويل الفوسفات.
وتعرف صفاقس منذ القدم بأنها مدينة صناعية وأقدم صناعاتها هي الغزل والنسيج، إضافة إلى الأنسجة الملابس والأغطية الصوفية والبطانيات والفرش، وبسبب هذه الأهمية الاقتصادية أصبحت المدينة قبلة للمهاجرين من الولايات التونسية الأخرى.
وتعد صفاقس قطباً جامعياً هاماً حيث تضم 20 مؤسسة للتعليم العالي في مختلف الاختصاصات وفي شتى مجالات التدريب، وتستقطب قرابة 40 ألف طالب، كما تضم 105 مراكز للبحث حول العلوم الأساسيّة والعلوم التطبيقيّة والتكنولوجية.
حقيقة وفاة شاب بغاز الشرطة
أثارت وفاة الشاب عبد الرزاق لشهب، بعد أنباء عن تنشقه غازاً مسيلاً للدموع استعملته قوات الأمن لتفريق محتجين ليلة الاثنين،في منطقة عقارب التابعة لمحافظة صفاقس، غضباً أجج الاحتجاجات الجارية منذ أيام بسبب أزمة النفايات،يأتي التصعيد بعد يوم من وفاة شاب قال شهود وعائلته إنه توفي اختناقاً بالغاز الذي أطلقته الشرطة التونسية بالبلدة.
ولكن وزارة الداخلية نفت حصول هذا الأمر، مؤكدة أنه "قضى إثر وعكة صحية"، وفتحت تحقيقاً لمعرفة الأسباب الحقيقية، في حين رجحت تقارير الطب الشرعي أن الوفاة "طبيعية من جرّاء انسداد تام بشريان تسبب في قصور حاد بوظائف القلب"، وفقاً لبيان صادر عن المتحدث الرسمي لمحكمة صفاقس.
كما قالت وزارة الداخلية إن الشخص لا علاقة له بالاحتجاجات توفي في منزله على بعد ستة كيلومترات من الاحتجاج، بسبب أزمة صحية طارئة.
غير أن أفراد عائلة لشهب يؤكدون أن سبب الوفاة، هو الاختناق بالغاز المسيل للدموع.
وندد الاتحاد العام للشغل بما وصفه بـ"التدخل الأمني الوحشي" تجاه "الأهالي العُزل"، وأكد في بيان الثلاثاء، أن وفاة الشاب جاءت "إثر إصابته المباشرة بقذيفة غاز مسيل للدموع، خلافاً لما ورد في بيان الداخلية وما تضمنه من مغالطات".
تظاهر الآلاف ضد السلطات
تسبب إغلاق مكب النفايات في تراكم آلاف الأطنان من النفايات المنزلية منذ نحو شهر في الشوارع والأسواق، وحتى أمام مستشفيات صفاقس. ما أثار غضباً واسعاً في شوارع صفاقس، وتظاهر الآلاف الأسبوع الماضي، قائلين إن السلطات "تتعمد قتلهم وانتهاك حقهم في الحياة".
وطالب الرئيس قيس سعيد وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، ورئيسة الوزراء نجلاء بودن، بإيجاد حل فوري لتكدس النفايات في صفاقس. وعقب ذلك أعادت وزارة البيئة، في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، فتح المكب المغلق، رغم صدور قرار قضائي بمنع إعادة فتحه.
وقوبل القرار برفض من السكان المجاورين له وأشعل احتجاجات أدت لمواجهات أمنية مع السلطات.
"إضراب عام"
وفي الإطار، حمّل الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر أقوى حركة نقابية في تونس
، وزارة الداخلية مسؤولية التدخل الأمني "الوحشي" في عقارب، الذي لم "يستثن الأطفال والنساء والمرفق العام" وفقاً لبيان صادر عنه.
ودعا الاتحاد ، إلى إضراب عام في القطاعين العام والخاص الأربعاء في المدينة، احتجاجاً على الأحداث.
نفذ أهالي بلدة عقارب، في وسط شرق تونس، الأربعاء، إضراباً عاماً ومسيرة احتجاجية على "العنف المفرط" للقوى الأمنية مع تظاهرات رافضة لإعادة فتح مكب للنفايات بالمنطقة.
وتجمع الآلاف من النساء والشباب وسط المدينة، وتوجهوا في مسيرة إلى مكان مكب النفايات للمطالبة بإغلاقه نهائياً، ورددوا شعارات من قبيل "أغلق المصب"، و"يا مواطن يا ضحية"، و"مسيرة سلمية لا للعنف"، رافعين أعلاماً تونسية، ولم تسجل أعمال عنف من المتظاهرين أو الشرطة خلال المسيرة.
شهود عيان من المتظاهرين
قال نعمان مزيد رئيس فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن الدولة واجهت المتظاهرين بالحلول الأمنية رغم الطابع السلمي للاحتجاجات، مضيفاً ، أن "الدولة من الواضح أنها اختارت اسهل الحلول وهو حل مواجهة المواطنين، وفتح هذا المصب رغماعن إرادتهم، ومن جهة اخرى تثبت الدولة أنها ليست عند تعهداتها".
ووصف المتظاهرين بأنهم "مواطنون شعروا بالضيم، وقفوا من أجل الدفاع عن حقهم في الحياة، والحق في بيئة سليمة".
وقال أحد المتظاهرين يدعى ماجد : "نحن أناس بسطاء ولسنا تابعين لأي حزب، نريد أن نتنفس هواء نقياً، لماذا يقتلون مواطناً منا عمر ابنته 8 أشهر؟ كل عام يقتلون منا شخصاً، وقبل ثلاث سنوات قتلوا مواطناً يحتج.. لم كل هذا الظلم؟".
وتقول الناشطة بالمجتمع المدني سمية سالم، إن طفلها توفي عن عمر 4 سنوات، بسبب جلطة رئوية، أتلفت رئته تماماً خلال 3 أيام، بعد معاناة من السعال والجفاف في جهازه التنفسي، وأرجعت ذلك إلى التلوث بسبب مكب النفايات.
وأضافت : "من يتحدث باسمنا؟ من دافع عنا؟ أنا مواطنة عادية من يتكلم عنا، من قال هدا تلوث؟ يأتون فقط لضربنا وإهانتها وتشويهنا، يأتون لتهميشنا ليتحدثوا عنا بشكل مشين".
وأكد سائق سيارة أجرة من سكان المدينة: "لا مشكل لنا غير المصب، والتلوث البيئي في عقارب، لم يعد يمكننا التنفس من جميع النواحي، في الليل يطلقون علينا الغاز، يطلقون غازات المصانع ليلاً ونحن نيام كي لا نشعر به".
وأوضح المدون محمد القارصي أن المتظاهرين أتوا "للترحم على شهيد مدينة عقارب عبد الرزاق الأشهب"، مضيفاً: "نحن أناس لا تقودنا لا أحزاب ولا منظمات ولا غيرها، نحن أناس نريد هواء نظيفاً يأتون لقمعنا ولقتلنا، يلفقون لنا التهم.. لماذا؟".
وأغلقت غالبية المؤسسات الحكومية والمحلات التجارية الخاصة في البلدة أبوابها ، بينما انتشرت قوات من الجيش لحماية المنشآت العامة وقصر البلدية.
واصطفت قوات الأمن أمام مكب "القنّة" في عقارب، ومنعت المحتجين من الدخول، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
إطلاق حراك 2016
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الإضراب في المدينة، وقال كاتب عام الاتحاد المحلي للشغل بعقارب سمير بن حمودة ، إن الاتحاد أعلن الإضراب العام، الأربعاء، نتيجة تراكمات ممتدة لسنوات.
وأوضح أن مكب النفايات تم افتتاحه عام 2008، وكان من المفترض أن يعمل لمدة 5 سنوات فقط، مضيفاً: "لكن مع كل الحكومات المتعاقبة سواء خلال عشرية حكم حركة النهضة أو حتى ما قبل 2011، لم يفكر أحد في حل جذري لهذه المعضلة، ألا وهو مركز تثمين النفايات".
وأشار إلى أنه منذ عام 2016 تم إطلاق حراك "مانيش مصب" (لست مكب نفايات)، مؤكداً أن ذلك أدى إلى "حكم قضائي لإغلاق هذا المصب، مسيرة الاتحاد المحلي للشغل اليوم تطالب بتنفيذ هذا الحكم".
وكان المتظاهرون يطالبون، الاثنين، السلطات بالتراجع عن قرار إعادة فتح مكب النفايات في المنطقة، الذي أغلق نهاية سبتمبر الماضي.
اندلاع الاحتجاجات
واندلعت الاحتجاجات في بلدة عقارب الاثنين، ضد قرار السلطات إعادة فتح مكب نفايات "قنّة"، الذي يقع على بعد 20 كيلومتراً من صفاقس ثاني أكبر مدن تونس، بعد أن كان قد أغلق العام الجاري نتيجة شكوى سكان البلدة، الذين قالوا إن الأمراض انتشرت، وإنهم يعانون من كارثة بيئية بسبب المكب الذي بلغ طاقته القصوى.
لكن إغلاق مكب النفايات تسبب في تراكم آلاف الأطنان من النفايات المنزلية منذ نحو شهر في الشوارع والأسواق، وحتى أمام مستشفيات صفاقس، ما أثار غضباً واسعاً في شوارع صفاقس. وتظاهر الآلاف الأسبوع الماضي، قائلين إن السلطات "تتعمد قتلهم وانتهاك حقهم في الحياة".
توضيح الرؤية السياسية
دعا "الاتحاد العام التونسي للشغل"، الأربعاء، الحكومة إلى توضيح رؤيتها السياسية، التي ستقود إلى إنهاء المرحلة الاستثنائية، مشيراً في بيان إلى أنه يرفض بشكل مطلق "التدخل الأجنبي" في الشأن التونسي.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، أعلن في أكتوبر الماضي تشكيل حكومة جديدة، بعد 78 يوماً من الإجراءات الاستثنائية التي علق فيها أعمال البرلمان، وأقال رئيس الوزراء السابق هشام المشيشي.
وقال الاتحاد، وهو أكبر نقابة عمالية ويحظى بنفوذ سياسي كبير في البلاد، في بيان عقب اجتماع أعضاء هيئته الإدارية الوطنية: "إننا ندعو إلى توضيح الرؤية السياسية، وضبط مسار تصحيح حقيقي".
كما دعا الاتحاد إلى "الإسراع بإنهاء الغموض المخيم على الوضع العام، ووضع خارطة طريق تنهي المرحلة الاستثنائية، وتحدد الآفاق بما يوفّر شروط الاستقرار، ومواصلة بناء الديمقراطية".
وجاء في البيان، الذي وقعه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، إن الاتحاد يجدد "رفضه المطلق للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي التونسي".
وأضاف البيان أن الاتحاد يدين "تحريض البعض ضد بلادنا، ويجدد التعبير عن قناعتنا بضرورة إجراء حوار وطني حقيقي، وفق شروط وضوابط تنبني على خدمة الوطن دون غيره، وعلى نظافة اليد".
حوار وطني
يأتي ذلك، في ظل سعي الرئيس التونسي قيس سعيد إلى إطلاق "حوار وطني" يشمل إصلاح النظام السياسي وقانون الانتخابات، إذ شدد سعيد أخيراً على أن الحوار "سيتم في إطار سقف زمني متفق عليه، وضمن آليات وصيغ وتصورات جديدة، تفضي إلى بلورة مقترحات تأليفية في إطار مؤتمر وطني".
وأثار إعلان سعيّد التحضير لإطلاق الحوار، تساؤلات بشأن جدوى هذه الخطوة، في ظل عدم وضوح هوية القوى السياسية المشاركة في هذا الحوار، في حين لا تزال التدابير الاستثنائية سارية المفعول.
تجدر الإشارة إلى أن دعوة الرئيس التونسي للحوار، التي لم توضح حقيقة مشاركة الأحزاب التونسية من عدمها، أثارت حفيظة قوى سياسية وازنة في البلاد، إذ دعا الاتحاد العام للشغل إلى إشراك الأحزاب والمنظمات في الحوار الوطني المزمع.
وكانت الجريدة التونسية الرسمية "رائد"، نشرت في سبتمبر الماضي، التدابير التونسية الاستثنائية الجديدة لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية، بعد نحو شهرين من إعلان الرئيس التونسي تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتولي السلطات في البلاد.
وعلى إثر ذلك، قال الأمين العام المساعد في الاتحاد العام التونسي للشغل، أنور بن قدور، إن "الاتحاد تفاجأ بالقرارات التي أصدرها سعيد من خلال الأمر الرئاسي المتعلق بالتدابير الاستثنائية"، مشيراً إلى "استياء النقابيين من عدم استشارة اتحاد الشغل وعدم التطرق إلى القضايا الاجتماعية والاقتصادية، خصوصاً وأن البلاد تتجه نحو الهاوية".
لقاء مرتقب مع الحكومة
ومن المقرر أن يلتقي الاتحاد العام التونسي مع وفد من أعضاء الحكومة التونسية برئاسة نجلاء بودن، في 15 نوفمبر الجاري، بهدف حلحلة الملفات العالقة.
ووصف الاتحاد في بيانه اللقاء بـ"المهم"، قائلاً إنها ستكون "مناسبة لاستئناف الحوار الاجتماعي وفتح مفاوضات في الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومعالجة الملفّات الأساسية بصفة تشاركية".
ولفت الاتحاد إلى أنه سيناقش مع الحكومة تحديد "آجال تنفيذ التعهدات، ومنها مراجعة الأجر الأدنى وتطبيق الاتفاقيات القطاعية المبرمة، ونشر الأوامر المتعلّقة بها، وإنهاء كل أشكال العمل الهش".
كما أشار إلى أنه سيطالب الحكومة باتخاذ "إجراءات عاجلة لوقف التهاب الأسعار، ومنع الاحتكار وإنقاذ المقدرة الشرائية للتونسيات والتونسيين".