عندما بدأ العدوان التركي على شمال شرق سوريا منذ عدة أيام، كانت كلمتي الأولى هي "أن ثقتي بالجيش العربي السوري والرئيس بشار الأسد بلا حدود"، ثم توالت الدعوات من العديد من المنابر الإعلامية لتحليل الموقف من العدوان ووضع سيناريوهات لما هو قادم، فكان التأكيد على أن "المتغطي بالأمريكي عريان، ومن يستقوى على وطنه بالخارج، مصيره الهزيمة، وعلى الاخوة الأكراد الابتعاد عن قوات "قسد" والعودة لحضن الوطن"..
ثم التأكيد على أننا لا يجب أن نضيع البوصلة حيث أن "ما تقوم به تركيا من عدوان لا يمكن أن يكون من تلقاء نفسها، ولا تهورا من "أردوغان"، بل هي تعليمات تلقاها من سيده الأمريكي الأصيل في هذه الحرب الكونية على سورية "، وأن الأمريكي "عندما شعر بقرب حل الأزمة السورية وتشكيل اللجنة الدستورية لمناقشة الدستور، ومع إصرار القيادة والجيش والحلفاء على تحرير كامل التراب الوطني المحتل، قرر أن يبدأ فصل جديد من العدوان لإطالة أمد الحرب".
ولأن الأمريكي يعلم علم اليقين بفشل مشروعه التقسيمي والتفتيتي لسورية، فقد راهن أولا على قوات "قسد" الكردية لاقتطاع جزء من الأرض العربية السورية تحت مسمي "سورية الديمقراطية" سيطرت على الشمال الشرقى لسورية، واستولت على ثروات النفط والغاز التي تشتهر بها هذه المنطقة، وتم تسليح قوات "قسد" الكردية من قبل أمريكا وإسرائيل، وتواجدت القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية في هذه المنطقة للسيطرة عليها، ومنع الجيش العربي السوري من الوصول إليها..
وعندما وصلنا لمحطة إدلب الأخيرة في مواجهة بقايا الجماعات التكفيرية الإرهابية التي استجلبتها أمريكا من كل أصقاع الأرض لمواجهة الجيش العربي السوري، شعر الأمريكي بضعف موقفه، وتأكد أنه في حال الانتهاء من معركة إدلب سيتفرغ الجيش العربي السوري وحلفاؤه مباشرة لتحرير الشمال الشرقي المحتل من مليشيات "قسد" وتقليم أظافرهم، وإعادة الإخوة الأكراد مرة أخرى لحضن الدولة.
هنا جاء الرهان الأمريكي الثاني والمتمثل في حليفه التركي، فأعطى له إشارة البدء بالعدوان على الشمال الشرقي السوري بعد تخليه عن القوات الكردية، فتم العدوان تحت زعم مضحك ومثير للغثيان وهو مكافحة الإرهاب، وأطلق "أردوغان" على العملية العدوانية الإرهابية مسمى "نبع السلام"، ولم يتذكر "أردوغان" وهو يتحدث عن عدوانه تحت هذا المسمى أنه هو من فتح حدود بلاده منذ اللحظة الأولى للحرب الكونية على سورية للجماعات التكفيرية الإرهابية، بأوامر من سيده الأمريكي ضاربا بحق الجوار عرض الحائط، وناقضا لكل الاتفاقيات والعهود مع الدولة العربية السورية ومنها اتفاقية "أضنة" الموقعة بين البلدين في نهاية عام 1998..
والتي على أثرها عاشت تركيا آمنة ومطمئنة على مدار ثلاثة عشر عاما، وهو الذي ما زال يماطل على طاولة المفاوضات من أجل حماية الإرهابيين في إدلب، لكنه لا يملك من أمره شيئا فهو عبد لدى سيده يأمره فينفذ دون تفكير.
وبالطبع يرغب الأمريكي بهذا الحل استبدال المشروع الانفصالي الكردي بمشروع انفصالي عربي، حيث يقوم "أردوغان" بعد انتهاء عدوانه بتوطين بعض السوريين العرب الموالين له، والذين احتضنتهم تركيا منذ بداية الحرب الكونية على سورية، وهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، لتضمن أمريكا بذلك تحقيق جزء من مشروعها وهو تقسيم سورية والاستيلاء على ثرواتها من النفط والغاز الذي تشتهر به هذه المنطقة، والذي قامت بسرقته ونهبه عبر السنوات الماضية.
وعندما بدأ العدوان التركي شعر الأكراد بالخطر فقامت ميليشيات قسد المسلحة بالاستغاثة بسيدهم الأمريكي في محاولة لإنقاذهم من "أردوغان"، وسمعنا في بياناتهم الرسمية وعبر متحدثهم العسكري المثير للسخرية يطالب الأمريكي بمنع الطيران التركي من دخول المجال الجوي، لكن لا حياة لمن تنادي، هنا فقط تأكد للأكراد حجم الخديعة التي تعرضوا لها من قبل الأمريكان، وفى الوقت الذي أدان فيه المجتمع الدولي عدوان "أردوغان" اجتمعت الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب في ظل غياب سورية عن مقعدها بالجامعة، وأسفرت اجتماعاتهم عن بيان هزيل لا يرقى لمستوى الحدث، في الوقت الذي كان وفدا من قوات "قسد" في القاهرة ينتظرون العون من الجامعة العربية فعادوا مخذولين.
هنا وفى تلك اللحظة كان القرار الحاسم من الرئيس "بشار الأسد" حيث قرر التصدي للعدوان التركي على الأراضي العربية السورية، وأبلغ الحليفين الروسي والإيراني بالقرار فكان التحرك الفوري وإبلاغ "قسد" بالقرار، مع التأكيد على أن من سيقف في وجه الجيش العربي السورى سوف يتم التعامل معه عسكريا، وأسفرت هذه المساعي الروسية والإيرانية السريعة مع "قسد" عن إفساح المجال للجيش العربي السوري في الشمال الشرقي لمواجهة العدوان، وخلال ساعات كانت قوات الجيش العربي السوري قد اقتربت من الحدود السورية التركية..
بعد أن تم التحذير من عواقب التصادم مع الجيش العربي السوري، ومطالبة قيادات "قسد" وتركيا بالذهاب لطاولة المفاوضات مع الدولة العربية السورية، وكما يعلم الجميع فالجيش العربي السوري وبدعم الحلفاء في محور المقاومة وروسيا لم يدخلوا معركة إلا وانتصروا فيها، ومعارك "حلب" و"دير الزور" و"البادية" و"الغوطة" و"درعا" خير شاهد وخير دليل، لذلك كان تأكيدنا الدائم أن سورية ستنتصر على كل الجبهات الميدانية والسياسية رغم أنف الأمريكان والصهاينة أصحاب المشروع الأصلي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد