لا يمكن أن أنسي كلمات الرئيس البطل بشار الأسد في أول لقاء معه في بداية الحرب الكونية على سورية، وعلى الرغم من أن هناك وفودا عربية كثيرة تدفقت على دمشق منذ اليوم الأول للمؤامرة إلا أن الرئيس لم يكن يلتقى بالوفود التي حضرت متضامنة ومدافعة عن سورية، وفى زيارتنا الثالثة كان أول لقاء له مع الوفد المصري الذي يضم مجموعة من الشخصيات السياسية والإعلامية، والتي لا يتجاوز عددها أصابع اليدين وجميعهم يؤمن بالمشروع القومى العربي، وبأن سورية هي خط الدفاع الأول عن الأمن القومى المصري والعربي.
ودار الحوار بين السيد الرئيس وأعضاء الوفد لمدة ثلاث ساعات كاملة، وكنا كلما نظرنا في ساعات اليد ثم نظرنا إلى بعضنا البعض إشارة إلى أننا أخذنا وقتا أكثر من حقنا من وقت السيد الرئيس الثمين، خاصة وأننا ندرك قيمة وقته في زمن الحرب، نجده يقول لنا إنه جاء ليتحدث معنا باعتبارنا ممثلى الدولة المصرية التي يحبها ويعتز بها ويدرك أهميتها من بين دول المنطقة بل والعالم، لذلك فاللقاء مفتوح، ولهذا جاء هو بدون ارتداء ساعة يده.
ومن خلال الحوار أبهرنى وأبهر الجميع بثقافته الموسوعية وشخصيته الكاريزمية وصلابته وإيمانه بقضية بلاده العادلة، ووعيه بالتاريخ وبأهمية الدور السورى في الدفاع عن المشروع القومى العروبي المقاوم، وثقته بالنصر رغم تأكيده -ولم تكن المعركة قد تطورت بعد– أن المعركة طويلة، وقد تستمر سنوات لا يعلمها إلا الله.
وخلال اللقاء أكد لنا أن هذه الحرب ليست مع بعض أبناء سورية الثائرين من أجل إصلاح بعض السياسات الداخلية، كما يحاولون تصوير الأمر عبر وسائل الإعلام، في إطار موجة الربيع العربي المزعوم، لتزييف وعى الرأى العام العربي والعالمى، وإنما هي مؤامرة (أمريكية– غربية– صهيونية– خليجية) تستهدف تقسيم المقسم، وتفتيت المفتت داخل منطقة الشرق الأوسط، وسوف تتصاعد المواجهة بشكل أساسي بين مشروع التقسيم والتفتيت المعروف بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير، وبين محور المقاومة الذي يقف عقبة في طريق تحقيق ذلك المشروع لأهدافه وطموحاته.
ولم ينته اللقاء عند كشف حقيقة المؤامرة فقط، بل أكد لنا السيناريوهات المتوقعة، ومنها أن الأصيل لن يدخل الحرب مباشرة بل سيدفع بوكلائه الإرهابيين ليخوضوا معركة من نوع جديد مع الجيش العربي السورى، وهى معركة صعبة للغاية على أي جيش نظامى، وسوف تستمر المعركة لمدة طويلة، وعلى عدة محاور عبر الجغرافيا السورية، في محاولة لإنهاك الجيش وإضعاف قدراته، وسوف تستخدم أدوات جديدة تماما كورقة الفتنة الطائفية والفبركات الإعلامية وأموال النفط لشراء البشر والسلاح وتمويل الحرب..
لكنه أيضا أكد لنا أنه قرر أن يخوض المعركة للنهاية على كل الجبهات سواء في الأرض أو في الفضاء، متسلحا بثقته في الشعب العربي السورى الذي يمتلك مقومات حضارية تمنحه مناعة تمكنه من الصمود في هذه الحرب الشرسة، وثقته الكاملة وغير المحدودة في بواسل الجيش العربي السورى القادرة على خوض المعركة حتى نهايتها وتحقيق الانتصار.
وبعد مرور ما يزيد على السبع سنوات على بداية الحرب، وما يقرب من ست سنوات على اللقاء الأول مع السيد الرئيس بشار الأسد، وبعد أن تكشفت أبعاد المؤامرة وحقيقة السيناريوهات التي أعدت يمكنني القول إنه الشخص الوحيد على وجه الكرة الأرضية الذي كان يمتلك رؤية واضحة لحقيقة ما يحاك ضد سورية والمنطقة، لذلك تمكن من خوض الحرب الكونية على بلاده ببراعة منقطعة النظير، واستطاع أن يغير موازين القوى الإقليمية والدولية.
فقبل بدء المعركة لم يكن العالم متعدد الأقطاب، بل يديره قطب واحد فقط وهو العدو الأمريكى، والآن لم تعد الكلمة العليا لذلك القطب الأوحد، بل عاد القطب الروسي لينافس من جديد، ومعه القطب الصينى الذي بدأ لعب دور سياسي على الساحة الدولية كان بعيدا عنه قبل بداية الأزمة السورية، هذا إلى جانب توسيع دائرة محور المقاومة على المستوى الإقليمى، والتي تمكنت من تحقيق انتصارات مدوية على محور الشر سواء على المستوى الميدانى أو السياسي، ففى الوقت الذي سحق فيه الجيش العربي السورى الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تعمل بالوكالة على الأرض.
مما اضطر إلى التدخل المباشر سواء بالعدوان الثلاثى الفاشل (الأمريكى– البريطانى– الفرنسى) الذي تمكنت الدفاعات العربية السورية من التصدى له وإسقاط صواريخه المعتدية، ثم التدخل الصهيونى الأخير الذي تصدت له أيضا الدفاعات الجوية، في الوقت الذي وجهت فيه المدفعية العربية السورية صواريخها لعدة مواقع عسكرية صهيونية في الجولان المحتل ردا على العدوان، وهو ما أصاب العدو الصهيونى بالرعب والفزع حيث هرع سكان المستوطنات إلى الملاجئ، وهنا لابد من التأكيد على الفارق بين الشعب العربي السورى والشعب الإسرائيلى.
ففى الوقت الذي خرج فيه شعبنا العربي السورى بكثافة في الشوارع، إيمانا منه بأن جيشه يخوض معركة شرف للدفاع عن وطنه، فإن الشعب الإسرائيلى هرع إلى الملاجئ يسب ويلعن قيادته المعتدية، والتي جاءت به من الشتات توعده بالجنة في أرض الميعاد المزعومة، ومنذ ذلك التاريخ وهو يعيش في رعب بفعل المقاومة، لذلك فالشعب الإسرائيلى سيكون أداة ضغط لوقف الحرب في حالة محاولة تصعيدها، خاصة وأنهم ومنذ زمن طويل لم يشاهدوا رد فعل قوى مثلما حدث خلال الأيام الماضية.
وبالطبع هذا الانتصار للمقاومة على الجبهة السورية، يكمله الصمود اليمنى الذي يتصدى للعدوان ويرفض الهزيمة، هذا إلى جانب الانتصار السياسي على الجبهة اللبنانية، حيث تمكن محور المقاومة من الفوز في الانتخابات البرلمانية، وسوف يكتمل أيضا بالانتصار السياسي الذي سيتحقق على الجبهة العراقية، بحسم محور المقاومة الانتخابات البرلمانية لصالحه، ومن هنا يمكن القول إن انتصارات محور المقاومة على كل الجبهات تربك حسابات محور الشر، فالأمريكى الذي خرج من الاتفاق النووى الإيرانى يعلم أن مصالحه وقواعده العسكرية في المنطقة في مرمى الصواريخ الإيرانية..
والصهيونى شاهد بعينه الصواريخ السورية تدك مواقعه العسكرية، ويمكنها الوصول للعمق الإسرائيلي، والقوات العربية التي كانت تفكر أن تحل محل القوات الأمريكية في سورية، تبددت أحلامها وتحولت إلى سراب، هذا إلى جانب الحلفاء الدوليين لمحور المقاومة والذين يدافعون عن مصالحهم ووجودهم وكرامتهم الدولية، كل ذلك يقف مانعا أمام سيناريو الحرب الواسعة، لأن أي تهور من محور الشر يعنى حربا عالمية ثالثة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.