علي الرغم من أن الشعوب العربية لازالت تتوحد حول موقف واضح وصريح من العدو الصهيونى, يؤكد أنه العدو الأول المغتصب لفلسطين العربية والمعتدى على أراضيها منذ ما يزيد على قرن من الزمان, وأنه منذ إعلان العدو لدولته المزعومة فى عام 1948 ونحن ندخل معه فى صراعات وحروب نتجت عنها مزيد من التوسعات فى الأراضى العربية المحتلة في دول الجوار الفلسطينى ( مصر – سوريا - الأردن – لبنان ) وعلى الرغم من محاولات العدو الصهيونى من إنهاء هذا الصراع عبر ما يطلق عليه اتفاقيات السلام المزعومة إلا أن الشعب العربي لم ولن يعترف بهذه الاتفاقيات, بل يعتبر كل علاقة أو تقارب مع العدو الصهيونى خطأً تاريخي لا يغتفر, فليس من حق أى حاكم عربي أن يساوم على حقوقنا المشروعة فى فلسطين المحتلة.
والشعب العربي من المحيط الى الخليج يتمركز بشكل رئيس وراء موقف الحكام العرب الذين وقفوا حجرة عثرة أمام أحلام العدو الصهيونى وفى مقدمتهم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذى رأى أن الصراع بيننا وبين العدو الصهيونى صراع وجود وليس حدود, فمعركتنا مع هذا العدو تتمثل فى اقتلاعه بشكل نهائي من الأرض العربية المتمركز فوقها والمحتل والمغتصب لها فليس للعدو الصهيونى أى حقوق تاريخية فوق الأرض العربية, لذلك لا عجب عندما يقرر جمال عبد الناصر وبعد هزيمة يونيو 1967 فى قمة مؤتمر الخرطوم أنه " لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض ", ثم يعود ليؤكد أن " ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ".
وجاء من بعده الموقف الصلب للقائد الخالد حافظ الأسد الذى رفض أى سلام مع العدو الصهيونى وأسس لمحور المقاومة فى مواجهة هذا العدو, ورحل دون توقيع أى اتفاقيات مذلة مع العدو الصهيونى وترك وصيته الشهيرة " أفضل أن أورث شعبي قضية يناضلون من أجلها .. خير من أن أورثهم سلاما مذلا يخجلون منه ", وجاء من بعدهما الرئيس بشار الأسد الذى لازال يؤكد حتى اللحظة على حقنا فى استرداد كامل التراب العربي المحتل والمغتصب من العدو الصهيونى, وهو الموقف الوحيد على المستوى الرسمى العربي المتمسك بحق المقاومة لهذا العدو الصهيونى, فى ظل مرحلة يهرول فيها الحكام العرب تجاه هذا العدو ويقيمون معه علاقات ( سرية – وعلنية ) دون مراعاة لمشاعر شعوبهم الرافضة لأى شكل من أشكال التطبيع مع هذا العدو الصهيونى.
وكانت الطعنة الأولى للشعب العربي هى معاهدة السلام المصرية – الصهيونية المزعومة فى عام 1979 التى وقعها الرئيس السادات بعد زيارته للقدس وخطابه الشهير بالكنيست فى عام 1977, وبعد اتفاقية كامب ديفيد الموقعة فى عام 1978, حيث دخل التطبيع بين مصر والعدو الصهيونى حيز النفاذ فى يناير 1980, وتم تبادل السفراء, وألغيت قوانين المقاطعة لإقامة علاقات ودية بين الطرفين, وبالتالى كان ذلك هو أول خرق تطبيعي عربي رسمى مع العدو الصهيونى فى تحدى صريح ومعلن للموقف الشعبي, وبعد ذلك جاءت الطعنة الثانية للشعب العربي بتوقيع ياسر عرفات اتفاقية أو معاهدة أوسلو فى عام 1993 والمعروفة باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتى الانتقالى وهو اتفاق سلام مزعوم شكل طعنة حقيقية للشعب العربي لأنه اعتراف فلسطينى ببقاء العدو الصهيونى للأبد على الأرض الفلسطينية المحتلة, ولم يكن غريبا بعد توقيع أوسلو أن تأتى الطعنة الثالثة من العاهل الأردني الملك حسين بن طلال بتوقيعه معاهدة سلام مزعومة مع العدو الصهيونى عرفت بوادى عربة في عام 1994.
وإذا كان هذا هو موقف دول المواجهة مع العدو الصهيوني والذي يمكن فهمه بناءً على المواجهات والحروب الصريحة, فالعجيب حقاً هو موقف دول الخليج البعيدة عن المواجهة والتي شكلت تاريخيا محور الرجعية العربية الخائنة والعميلة والتي مارست كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني من تحت الطاولة, لكنها تهرول الآن لإعلان خيانتها وعمالتها أمام العالم أجمع وإذا كان السلطان قابوس قد قرر قبل رحيله إعلان موقف بلاده التطبيعي مع العدو الصهيوني بدعوة رئيس الوزراء الصهيوني لزيارة بلاده, فاليوم تعلن دولة خليجية جديدة وهى الإمارات العربية المتحدة دخولها حظيرة التطبيع مع العدو الصهيوني " والحبل على الجرار " كما يقول المثل الشعبي لأهالينا ببلاد الشام.
وما يثير الدهشة هو الموقف الشعبي الذي كان في الماضي يتحرك بقوة, وتخرج الجماهير في كل العواصم العربية منددة بموقف الحكام التطبيعي, أصبحت الآن ورغم رفضها إلا أنها لا يتحرك لها ساكناً, وهو ما جعل البعض يؤكد على مقولة نابليون بونابرت " أن الجيوش تزحف على بطونها " لكن بتعديل بسيط وهو " أن الشعوب تزحف على بطونها " فلم تعد الشعوب العربية تهتم إلا بإشباع بطونها الجائعة, ولم تعد تهتم بما يفعله حكامها, حيث يرى هؤلاء الحكام خاصة حكام الخليج أن التقارب والتطبيع مع العدو الصهيوني هو الضمانة الحقيقية للبقاء فوق كراسي الحكم في بلدانهم, اعتقادا منهم بأن هذه هي رغبة السيد الأمريكي, لذلك يهرولون وراءه دون أى اعتبار لشعوبهم, لكن هذا الموقف لن يظل طويلاً, فالقضية الفلسطينية ورغم هذا الصمت الشعبي العربي لازالت تشكل القضية المركزية في ضمير الأحرار, وسيظل الشعب العربي المقهور رافضا للتطبيع مهما انبطح الحكام, وسوف تتحرر فلسطين بفضل المقاومة البطلة والشجاعة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد