يورد الإعلامي المصري عباس متولي، الذي كان له تجربته في اليمن، قبل ثورة الـ26 سبتمبر وبعدها، من خلال الإذاعة، حكايته في اليمن، الذي كان كل شيء فيها بيد الطغاة، من بيت حميد الدين، بما فيها “مفتاح الإذاعة” التي يبث أثيرها حين يشاء هو، وليس بموجب خارطة برامجية، وزمن بث معروف يومياً.
كما تحدث الإعلامي متولي في كتابه “صوت العرب الإذاعة التي قوضت أركان الاستعمار”، والذي صدر مؤخراً عن الدور الإعلامي الذي لعبته جمهورية مصر العربية، في إطار دعمها للثورة اليمنية، إضافة إلى العمل الإعلامي المصاحب للثورة، والتي فيها الكثير من الحكايات والأحداث التي رافقت البعثات الإعلامية المصرية إلى اليمن.
يقول الإعلامي عباس متولي: بدأت إذاعة صوت العرب بالاتجاه نحو اليمن مبكراً وذلك منذ عام 1955م عندما قامت أول محاولة للقضاء على النظام الإمامي الكهنوتي بقيادة الشهيد أحمد الثلايا، وقد أتاحت “صوت العرب” الفرصة للمعارضة اليمنية للنظام الإمامي مبكرا ممثلة في بعض رموزها كمحمد محمود الزبيرى وأحمد محمد النعمان للحديث للشعب اليمنى والدعوة للنهضة والتحرر من الاستعمار والإمامة والتخلف والعبودية، وعندما تولى الإمام أحمد الحكم أعلن انضمامه لدولة الاتحاد مع مصر وسوريا، لكن ذلك لم يدم طويلاً حيث اجتمع الثوار اليمنيون في القاهرة ووقعوا وثيقة تتضمن يأسهم من النظام الإمامي الكهنوتي البغيض، وضرورة إقامة نظام جمهوري، وأذيعت هذه الوثيقة من صوت العرب؛ كما أتيحت موجات صوت العرب للدكتور عبدالرحمن البيضاني لتوجيه عدة بيانات عبر أثيرها من القاهرة أهمها بيان إعلان الثورة ليلة الـ26 من سبتمبر عام 1962م.
واستمرت إذاعة صوت العرب تواكب الثورة السبتمبرية، وذلك بإذاعة أخبار الثورة وكانت تعليقات الإعلامي ” أحمد سعيد” عن الثورة والثوار ذات تأثير كبير في الشعب اليمنى بكل فئاته الاجتماعية.
ويضيف عباس متولي متذكرا مرحلة تاريخية كبرى من العلاقات المصرية اليمنية النضالية الكبرى: منذ 29سبتمبر ومطلع أكتوبر 1962م بدأت مجاميع مؤيده للعهد الإمامي البائد بالقيام بعمليات ارهابية في محاولة يائسة للنيل من الثورة والنظام الجمهوري وبخاصة في مناطق الجوف ومأرب انطلاقا من بيحان جنوب اليمن المحتل ثم في صعدة وما جاورها من حجة وقد خاض ضباط وجنود الثورة وأبناء القبائل اليمنية المعارك دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر في تلك المناطق وانخرط الآلاف من الشباب والرجال الذين هبوا من أرجاء اليمن شمالا وجنوبا للانضمام في صفوف الحرس الوطني والذى تم تشكيله، وبدأت عملية تدريب وتسليح الدفعة الأولى منه في الثاني من أكتوبر 1962م وفي صباح اليوم التالي كانت الثورة قد عمت أرجاء اليمن .
وحرصا على أهمية الإعلام وخاصة الإذاعة في نشر الوعي الثوري فقد تم توزيع ما يقارب من مائة ألف راديو على رجال القبائل، وهو ما كان له أكبر الاثر في تهيئة الأذهان للثورة، وأوفدت صوت العرب مراسليها إلى الإذاعات اليمنية في صنعاء وتعز لتقديم يد العون الفني للإذاعيين اليمنيين في هذه المرحلة.
بعثات إذاعية
كانت إذاعة صوت العرب وبتوجيهات من القيادة المصرية أنذاك ضمن توجهاتها لدعم الثورة اليمنية توفد بعثات إذاعية، وأوكلت هذه المهمة لإدارة إذاعة صوت العرب، التي كانت توفد كل عامين بعثة إعلامية مكونة من سبعة أفراد ثم العودة لتحل محلها بعثة جديدة وهكذا بهدف التدريب والتأهيل والمساعدة الفنية في المجال الإذاعي والإعلامي
مفتاح إذاعة صنعاء بيد الإمام
وفي شرحه لأول مهمة إذاعية له في اليمن وماذا سجلت ذاكرته عن تلك المرحلة يقول: في مطلع عام 1967م كنت أحد أفراد بعثة إعلامية في إذاعة صوت العرب وصلت اليمن كان رئيسها صلاح عويس وفي عضويتها سهير الحارثي ومحمد مرعى وسعاد خليل وعصمت إبراهيم وعلي موسى، وفي حين اختص رئيس الوفد ومعظم الأعضاء بالأشراف على إذاعة صنعاء أسندت إلى مهمة الإشراف على إذاعة تعز.
ويتذكر عباس متولي أول زيارة له لإذاعة صنعاء وقراءته لنشرة الاخبار من استديوهاتها عام 1967م، وكيف روى له حسن العزي كبير مذيعي إذاعة صنعاء حينها أن إذاعة صنعاء عادت ملكيتها الحقيقية إلى الشعب اليمنى إذ كان هذا المبنى العتيق كما يروي العزي: “ملكا خالصا للإمام محمد البدر حميد الدين، ولم تكن للإذاعة في عهد الإمامة مواعيد محددة في الافتتاح والختام كبقية الإذاعات، فيفتح الإمام الإذاعة كيفما يشاء وفي أي وقت يحق وعند نهاية الإرسال يغلقها ويأخذ معه مفتاحها إلى قصره إلى أن يأتيه مزاجه ويفتحها مرة أخرى “.
وهنا يعلق عباس متولي قائلا: كان الإمام على ما يبدو ملما بأهمية دور الإذاعة وسطوتها الإعلامية في التحكم بالشعب، كان يعرف أيضا أن أي ثورة أو انقلاب يبدأ من دار الإذاعة؛ وكانت تجربة الثورة المصرية عام 1952م ماثلة أمام عينيه فيما يبدو؛ ولم يشأ أن يخرج من عنده أنور سادات يمنى ليقرأ البيان الأول للثورة.
انفجار قرب إذاعة تعز
يكمل عباس متولي ذكرياته بعد وصوله إلى مدينة تعز وأشرافه على إذاعة تعز: عشت في هذه المدينة التي أسميتها سويسرا الفقيرة ببيوتها المنحوتة في الجبال وشوارعها شديدة الانحدار، وهدوئها القاتل وأضوائها المتلالئة بالليل شهور انتهت فجأة في 5 يونيو 1967م نتيجة اندلاع الحرب في مصر.
ويسترسل متولي ليشرح مدى المخاطر، التي تعرض لها الإعلاميون في ذلك الوقت لكون المؤامرات كثيرة على ثورة 26سبتمبر والنظام الجمهوري فيقول: في واحدة من تلك الليالي غير المقمرة كنت بالبيت الذي استأجرته لنا الحكومة في بطن أحد تلك الجبال برفقة زملائي عصمت إبراهيم ومحمد مرعي وزوجته سعاد خليل، وإذا بصوت انفجار رهيب يقطع سكون الليل ويبدو قريبا منا على النحو الذى أيقنا أننا المقصودون به ثم أتبعه انفجار آخر وبعد أن احتمينا من هول الانفجار برهة من الزمن فاذا بأصوات زملائنا من الهندسة الإذاعية يبلغونا أن الانفجار القريب منا كان مقصود به ضرب مخزن أسلحة تابع للقوات العسكرية المصرية فوق رأس الجبل الذي يقبع بيتنا أسفله.