ما يحدث في المستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية وغور الأردن والتي تشكل ما يقرب من ثلث مساحة الضفة، وبعد تصريحات رئيس وزراء العدو الصهيوني "نتنياهو" بنيته في ضمهما إلى دولته المزعومة في حال نجاحه في الانتخابات القادمة، لا يمكن فصله عن الماضى سواء البعيد أو القريب، وإذا عدنا للبدايات فسوف نكتشف أنه منذ أصبح العدو الصهيونى واقعا على الأرض العربية في فلسطين والأمة العربية مفككة ومفتتة ومحتلة، وعندما أعلن العدو عن دولته المزعومة تحركت الجيوش العربية بدعوى الدفاع عن الأرض المغتصبة، لكنها وللآسف الشديد نالت هزيمة منكرة في حرب 1948.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، فالشعب العربي أصبح مهموما بإنتاج قيادة عربية قوية ومؤمنة بالمشروع القومي العربي لتحرير فلسطين عبر جيش قوى يمكنه دخول الحرب والانتصار فيها، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الكيان الصهيوني أكد مؤسسه ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء "أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش وتحيا آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هي الجيش المصرى والعراقي والسورى"..
ومن هنا ندرك مدى وعي العدو وقياداته بمشروعهم المضاد.
وحين أفرز الواقع العربي هذه القيادة المؤمنة بمشروع الوحدة لمواجهة العدو الصهيونى وهو الزعيم "جمال عبد الناصر" بدأ العدو في التخطيط لمواجهته وإجهاض مشروعه الوحدوي بكافة الوسائل والطرق وكانت أحد أهم الآليات هي التحالف مع الرجعية العربية لضرب المشروع من الداخل، ثم محاولة جرجرة الجيوش العربية لخوض حروب وهى غير جاهزة لخوضها فكانت النتائج مزيد من الاستنزاف للجيوش ومزيد من الانتصارات للعدو وكسب أرض جديدة تضم إلى الأراضى العربية المحتلة، وعندما نجحنا في المواجهة العسكرية في أكتوبر 1973 قام العدو باستخدام آلية جديدة للتفرقة والتقسيم والتفتيت وهى معاهدات السلام المزعومة التي بدأت بكامب ديفيد ثم وادى عربة ثم أوسلو.
وإذا كانت مقولة "ديفيد بن جوريون" يتم العمل عليها طوال الوقت منذ قام بإطلاقها حيث يسعى العدو الصهيونى طوال الوقت لاستهداف الجيوش العربية وسحبها في معارك بعيدة عن المعركة الأساسية معه، فكانت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانى سنوات تم فيها إنهاك الجيش العراقى بشكل كبير، ثم الغزو العراقى للكويت الذي استنزف جزءا كبيرا من قوة الجيش العراقى التي انتهت بشكل نهائي بعد الغزو الأمريكى للعراق 2003..
ثم جاء الربيع العربي المزعوم ليدخل الجيش السوري في معركة كونية مع العصابات الإرهابية المسلحة المدعومة صهيونيا ليستنزف قوته التي كانت مستعدة لدخول المعركة مع العدو الصهيونى، ونفس الأمر يتم مع الجيش المصرى الذي يواجه الإرهاب بالداخل وعبر حدوده الشرقية مع العدو الصهيوني في سيناء والغربية مع ليبيا والجنوبية مع السودان.
لذلك لا عجب مما يحدث في الضفة الغربية وغور الأردن اليوم دون أن يتحرك ساكنا للحكام العرب وأيضا الشعب العربي وهذه هي المصيبة الأكبر التي أكدت عليها منذ زمن بعيد "جولدا مائير" رئيس وزراء العدو الصهيوني في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، حيث قالت "عندما أحرقنا القدس.. لم أنم طيلة الليل وتوقعت أن العرب سيأتون نازحين من كل حدب وصوب نحو إسرائيل.. فعندما بزغ الصباح علمت وأيقنت أننا أمام أمة نائمة"، وبالطبع هذا النوم ليس طبيعيا بل بفعل فاعل وهو العدو الصهيوني الذي يتحرك بوعى تام لتمزيق وحدتنا وتشتيت جهودنا واستنزاف جيوشنا.
ومن خلال نظرة سريعة ومتفحصة لحصاد الربيع العربي المزعوم يمكننا أن نؤكد بما لا يدع مجال للشك أنه ربيع عبري بامتياز، تمكن من خلاله العدو الصهيونى أن يحقق جزءا كبيرا من أحلامه وطموحاته أولها وأهمها هو إضعاف الجيوش العربية، واستنزافها في صراعات ونزاعات وحروب داخلية خاصة الجيوش الثلاثة التي أشار إليها ديفيد بن جوريون ( المصرى – العراقى – السورى )..
وهو ما يعنى أن إسرائيل يمكنها أن تعيش وتحيا آمنة وهو ما جعلها تقوم بتهويد القدس خلال سنوات الربيع العبرى، ثم تحاصر الأقصى وتمنع رفع الآذان به وتمنع المصلين من الصلاة، ثم تعلن القدس عاصمة أبدية لدولتهم المزعومة، ثم تعلن ضم الجولان، كل هذا دون أن يتحرك ساكنا للحكام والشعوب العربية المنهمكة في مشكلاتها الداخلية.
وعلى الرغم من الصورة القاتمة بل حالكة السواد التي أوضحتها الأيام الماضية والتي جعلتنا نرى بوضوح حصاد الربيع العبرى، إلا أن هذه الصورة لم تخل من نقطة ضوء تمثلت في الرعب الذي يصيب العدو الصهيونى من المقاومة وسلاحها التي تقف بجسارة في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية، مما يجبرها على التراجع ولو مؤقتا عن أفعالها الإجرامية، لذلك يجب أن يعى الشعب العربي أن قوتنا في وحدتنا ومقاومتنا، اللهم بلغت اللهم فاشهد.