في نهاية سبتمبر أيلول من كلّ عام تأتي ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، البطل المصري والقومي والعالمي الأسطورة، وعند حلول ذكرى رحيله الموسمية تتعالى أصوات الفقراء والكادحين والمهمّشين مترحّمة عليه وعلى أيام حكمه التي أنصفتهم وحققت لهم العدالة الاجتماعية والعزة والكرامة في وطنهم بعد أن كانوا مُهانين ومهدرة كرامتهم وإنسانيتهم. فقبل قيامه ورفاقه بثورة 23 يوليو 1952 كان المجتمع المصري يُعرف بمجتمع النصف في المائة، ذلك النصف الذي يسيطر على الثروة والسلطة مقابل السواد الأعظم من المصريين الذين يعيشون في ظروف حالكة السواد ومعاناة في توفير الحدّ الأدنى من متطلبات الحياة.
ويلخص الزعيم جمال عبد الناصر أحوال المجتمع المصري عشية قيام الثورة فى إحدى خطبه حيث يقول: 500 مليون جنيه مع 700 واحد.. طب والـ 27 مليون عندهم إيه.. ده الوضع اللي ورثناه.. ده الاشتراكية أن يبقى فيه عدالة اجتماعية.. لكن مش العدالة الاجتماعية ولا المجتمع اللي نعيش فيه واحد بيكسب نصف مليون جنيه في السنة.. وبعدين كاتب لأولاده أسهم كلّ واحد نصف مليون جنيه.. طب والباقيين.. الناس اللي ليهم حق في هذه البلد.. إيه نصيبهم في هذه البلد.. يورثوا إيه في هذه البلد.. لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يكون الغنى إرثاً والفقر إرثاً والنفوذ إرثاً والذلّ إرثاً.. لكن نريد العدالة الاجتماعية.. نريد الكفاية والعدل.. ولا سبيل لنا بهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات.. ولكلّ فرد حسب عمله.. لكلّ واحد الفرصة.. لكلّ واحد العمل.. ثم لكلّ واحد ناتج عمله .
وبتأمّل كلمات الزعيم تكتشف كيف كانت أحوال المصريين؟ وكيف كانت الخريطة الطبقية؟ وتكتشف أيضاً رؤيته الثاقبة وقراءته النافذة التي مكّنته من وضع يده على الجرح العميق في جسد المجتمع المصري، وقدرته الفائقة على التشخيص السليم وكتابة العلاج، والذي تمثل في تحديد الأولويات التي جعلت من العدالة الاجتماعية الحلّ الأمثل التي لا يمكن أن تتحقق إلا بتذويب الفوارق بين الطبقات، لذلك جاء مشروعه المنحاز للفقراء والكادحين والمهمّشين منذ اللحظة الأولى ليوجه ضربات قاسمة الى الإقطاعيين والرأسماليين الأجانب الذين لم يتجاوز عددهم 700 شخص كانوا يحوزون الثروة والسلطة والنفوذ، فكان قانون الإصلاح الزراعي وقرارات التأميم والتمصير ثم القرارات الاشتراكية، وهو ما أتاح الفرصة لتذويب الفوارق بين الطبقات، وإتاحة فرص التعليم والعمل أمام الجميع وهو ما حقق مجتمع الكفاية والعدل الى حدّ كبير، حيث تغيّرت الخريطة الطبقية للمجتمع المصري ونمت الطبقة الوسطى بشكل غير مسبوق في تاريخ المجتمع المصري.
لذلك لا عجب أن يُطلق الفقراء والكادحون والمهمشون على قائدهم جمال عبد الناصر لقب زعيم الفقراء، فقد انحاز لهم قولاً وفعلاً، واتخذ من أجلهم العديد من الإجراءات الحاسمة، ودخل في العديد من المعارك لإنصافهم، وتحمّل ما يفوق طاقة البشر من الضغوط المحلية والإقليمية والدولية لكي يتراجع عن مواقفه وسياساته الاقتصادية والاجتماعية الداعمة للفقراء والكادحين والمهمّشين في مصر والوطن العربي والعالم الثالث، لذلك حين وافته المنية خرجت جموع الفقراء والكادحين والمهمّشين في مصر والعالم لوداعه، وما زالت ترفع هذه الجماهير صوره في كلّ بقاع الأرض كرمز للعدالة الاجتماعية.
وتأتي ذكرى رحيل الزعيم هذا العام وأحوال مصر تشبه الى حدّ كبير ما كانت عليه قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952، فالمجتمع يسيطر على ثرواته عدد قليل جداً من الأشخاص مقابل أغلبية ساحقة من الفقراء والكادحين والمهمّشين يتحمّلون بصبر وجلد معاناتهم الاجتماعية والاقتصادية من أجل خروج مصر من حالة الفوضى التي حدثت باستيلاء الجماعة الإرهابية على الحكم في غفلة من الزمن، مع عجز الحكومات المتتالية عن وضع أفكار وسياسات تمكّنهم من تجاوز ذلك الوضع والانتصار لهم في مواجهة هؤلاء الفاسدين المغتصبين للثروة والنفوذ، وفي ظلّ محاولات مستميتة من الجماعة الإرهابية وبدعم كبير من العدو الأميركي والصهيوني لزعزعة الأمن والاستقرار الذي تحقق خلال السنوات الست الماضية.
لذلك يطالب الفقراء والكادحين والمهمّشين الرئيس ونطالب معهم بسرعة الدخول في مواجهة شاملة مع هؤلاء الفاسدين الذين استولوا على ثروات الوطن بغير حق حيث تعادل ثرواتهم حجم الدين الداخلي والخارجي للدولة المصرية، حيث يتسبّب استمرار وجودهم وسيطرتهم على مفاصل الاقتصاد الوطني باستفزاز كبير للفقراء في ظلّ ضغوط عمليات الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها الحكومة دون أيّ فائدة تعود عليهم، وليعلم الرئيس أنّ الغالبية العظمى من الشعب سوف تقف خلفه وتدعمه في هذه المواجهة كما فعلت سابقاً أثناء مواجهته للإرهاب وتصدّيه للمؤامرات الإقليمية والدولية، وليضع نصب عينيه نموذج وتجربة الزعيم جمال عبد الناصر الذي انتصر للفقراء والكادحين والمهمّشين فظل حياً في قلوبهم رغم مرور 49 عاماً على الرحيل، وخلد لقبه كزعيم للفقراء، اللهم انّي بلغت اللهم فاشهد
بقلم / د. محمد سيد أحمد