بقلم الدكتور محمد سيد أحمد
مما لا شك فيه أن الدرس الأول الذى يتلقاه أى عضو مرشح للانضمام لجماعة الإخوان هو إلغاء العقل والامتثال للسمع والطاعة وتنفيذ التعليمات والأوامر الصادرة من السلطة العليا داخل الجماعة سواء كانت سلطة المرشد أو مكتب الإرشاد, وفى مثل هذه التنظيمات الحديدية لا يسمح بالتعبير عن الرأى ولا يسمح بالاختلاف حيث يعد ذلك خروجا على أدبيات الجماعة, وعلى العضو أن ينفذ ما يطلب منه حتى ولو كان غير مقتنع وحتى لو كان ما يطلب منه خارج نطاق العقل والمنطق, لذلك فعمليات الانشقاق فى تاريخ جماعة الإخوان تكاد تكون نادرة, وهو ما ينطبق على حالة المفصولين من الجماعة أيضا.
وعلى الرغم من وجود صراع داخلى طبيعى داخل جماعة الإخوان مثل كافة التنظيمات الحديدية إلا أن هذا الصراع يظل مسيطر عليه داخل حدود التنظيم, ويظل العضو المغضوب عليه من الهيئة العليا حتى ولو ترك التنظيم سواء بإرادته أو على غير إرادته مرتبط بالعهد والبيعة فلا يجوز أن ينتقد التنظيم أو يفشي أسراره وإلا سيكون مصيره الهلاك, وقد يدفع عمره ثمن ما قد يبوح به من أسرار, وظل الوضع كذلك لبعض الأعضاء المعروف انتماءهم للجماعة مثل أبو العلا ماضى وعصام سلطان ورفاقهم الذين خرجوا منذ سنوات بعيدة وقرروا أن يشكلوا حزبا سياسيا هو حزب الوسط ظل معروضا على لجنة شئون الأحزاب فى عهد مبارك لسنوات طويلة وذهبوا للقضاء من أجل إعلانه لكنهم فشلوا فى ذلك, ولم يخرج آيا منهم كلمة واحدة فى حق التنظيم.
ونفس الأمر حدث لبعض الشخصيات مثل ثروت الخرباوى وزميله مختار نوح اللذان تركا التنظيم وظلا صامتان حتى قامت ثورة 25 يناير وبدءا فى الخروج عن صمتهما وأفشوا أسرار الجماعة وكانت بادرة غريبة وعجيبة فى تاريخ التنظيم الحديدى, بعدها شاهدنا أيضا محمد حبيب نائب المرشد الأسبق يخرج عن صمته لكن على استحياء, ثم برز صوت كمال الهلباوى المتحدث السابق باسم الجماعة منتقدا علانية وعبر وسائل الإعلام موقف التنظيم من عبد المنعم أبو الفتوح ثم إعلانه ترشيح خيرت الشاطر فخرج معلنا استقالته, ومنذ ذلك التاريخ أصبح هناك أعضاء يخرجون من التنظيم ويفشون أسراره عبر وسائل الإعلام المختلفة دون أن يتعرضوا لأى محاولات اغتيال مادى أو معنوى من قبل قيادة التنظيم.
لكن يظل موقف عبد المنعم أبو الفتوح والذى فصل من الجماعة على آثر إعلان ترشحه للرئاسة بالمخالفة لرأى الجماعة كما أشيع فى لحظتها, هو الأغرب على الإطلاق وهو ما أثار العديد من التساؤلات وعلامات الأستفهام والتعجب ؟ ! فالرجل له وزن كبير داخل الجماعة بل يعد الأشهر بين كل أعضاءها الأحياء, وهناك من يقارب دوره بدور حسن البنا المؤسس الأول للتنظيم, فإذا ما حاولنا تقسيم تاريخ الجماعة الى مرحلتين فيعود الفضل لحسن البنا فى عملية التأسيس الأولى فى نهاية العشرينيات من القرن العشرين, وظلت الجماعة على قوتها التنظيمية حتى كانت مواجهاتها مع ثورة يوليو والتى انتهت بتقويض دعائم التنظيم لما يقرب من عقد ونصف, حتى صعد الرئيس السادات لسدة الحكم وعقد صفقته الشهيرة مع عمر التلمسانى والتى من خلالها أعطى الجماعة قبلة الحياة, لكن أحوال التنظيم فى تلك اللحظة كانت متدهورة الى حد كبير ولا يوجد به أجيال شابة.
وفى تلك الأثناء كانت الحركة الطلابية فى أزهى عصورها وكان أبو الفتوح أحد أبرز القيادات الطلابية للجماعة الاسلامية المتناحرة مع التيار اليساري بقيادة أحمد عبد الله رزة, والتيار الناصري بقيادة حمدين صباحى والمدعوم شخصيا من أنور السادات, وفى تلك الأثناء سعى التنظيم المأزوم الى تجنيد الفتى الشاب وبالفعل نجحوا فى ذلك فساعدهم في دخول الجامعة وعقد المحاضرات والندوات بين رفاقه, وكان مبهورا بالشيخ محمد الغزالى ويوسف القرضاوى وهو ما سهل انضمامه للجماعة, وأخذ على عاتقه التأسيس الثانى للجماعة وهى المرحلة التى بدأت من النصف الثانى من السبعينيات حتى الآن, وحول دوره يقول محمد حبيب النائب الأسبق للمرشد & أن أبو الفتوح هو العضو الوحيد الذى لم يقبل يد أى مرشد, وأنه كان ( دينامو ) الجماعة &, وهو ما يؤكد أنه كان المرشد الخفي لجماعة الإخوان.
وعندما جاءت لحظة الانفصال عن الجماعة لم تكن مبررة بالشكل الكافى خاصة أن الرجل ظل على تقديره للجماعة والحفاظ على أسرارها, والتأكيد على أنه على مبادئ حسن البنا على عكس الذين خرجوا قبله وبعده وأعلنوا الحرب على الجماعة وأفشوا أسرارها بعد ثورة يناير, وهو ما يؤكد أن خروجه جاء بالاتفاق مع التنظيم لضرب المنافسين الآخرين خاصة حمدين صباحي الذى لعب أبو الفتوح على أصواته عندما قدم نفسه كمرشح إسلامي بنكهة يسارية ليبرالية فكسب جزء من أصوات هؤلاء الذين كانوا سيصوتون لصالح حمدين فحرمه من جولة الإعادة.
وظل الرجل صامتا بعد صعود مرسي لسدة الحكم, وبعد الإطاحة به ظل ينتقد الجيش بشكل مستمر, وهو ما جعل البعض يعتقد أنه أحد الأوراق المتروكة للتفاوض مع الإخوان فى أى مرحلة, وهو ما كان يرفضه الشارع المصرى وكان البعض يتساءل لماذا يترك أبو الفتوح وحزبه الدينى بالمخالفة للقانون والدستور الذى ينص على عدم تشكيل أحزاب على أساس دينى, وهو ما يثار أيضا على السلفيين وحزب النور, لكن جاء هجومه الأخير على الجيش عبر قناة الجزيرة ليؤكد أنه مازال على عهده مع الجماعة فكانت عملية القبض عليه, والغريب حقا أن هناك من خرج يدين عملية القبض عليه وفى مقدمتهم حمدين صباحى, وهو ما يعنى أن كثير من النخب السياسية يتعامل بالعاطفة بعيدا عن العقل والمنطق, خاصة وأن الشارع المصرى تساءل كثيرا عن ترك المرشد الخفى للجماعة كل هذا الوقت, وهى نفس التساؤلات المثارة حتى الآن عن السلفيين شركاء الإخوان فى فترة حكمهم, اللهم بلغت اللهم فاشهد.