رغم أنّ كبار قادة جيوش العالم يجتمعون على أراضيها لمناقشة تحركهم المقبل إزاء سوريا، يلتزم الأردن الصمت وإسدال ستار حديدي على ما يحدث خلف الأبواب المغلقة بإحكام.
فالبيانات الرسمية شحيحة للغاية، وحتى الموعد الدقيق والمكان مازالا ضمن ما يشبه سرين من أسرار الدولة، باستثناء إبلاغنا أنه لن يكون هناك مؤتمر صحفي يعقب تلك الاجتماعات.
والسبب بسيط: يخشى الأردن أن تظهره تلك الاجتماعات بمظهر الأرض التي تنطلق منها أعمال عسكرية ضدّ سوريا، وهو ما سيجعله هدفا لأضرار محتملة.
ويعاني الأردن أصلا من تداعيات الربيع العربي منذ 2011، وتترجم التظاهرات القليلة التي يشهدها بين الفينة والأخرى انزعاجا من المملكة التي يعتمد عليها الغرب أيما اعتماد.
وأبلغ مسؤول عسكري أميركي CNN أن لا تفاهمات متوقعة في أعقاب الاجتماعات "لأن الأمر لا يتعلق باجتماعات تخطيط نأتي إليها جاهزين لمناقشة طريقة محددة." غير أن المسؤول أوضح أن الاجتماعات ركزت على مناقشة الأوضاع التي من شأن تدهور الحرب في سوريا أن تثيرها في دول الجوار، وتأثير ذلك على أمن المنطقة ككل.
ويحكم الملك عبدالله شعبا وصل فيه ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء مستوى مؤلما، لاسيما مع استقبالهم أكثر من 100 ألف لاجئ من العراق وسوريا مما أثر كثيرا على أسعار الإيجارات والمنازل.
وعندما يريد هذا الشعب للألم أن يتوقف فإنه يوجه أنظاره إلى عبدالله، والآن مازالت الغالبية تتألم. والسواح مازالوا يشعرون بالأمان حتى الساعة، مثلما تظهره تجمعاتهم في آثار النبطية.لكن حكّ الجلد السطحي لما يحدث في العالم يظهر صورة تنم عن تزايد الفساد الذي يلقي الكثيرون اللوم عليه في أغلب الخلافات، وهو ما تستخدمه حركة الإخوان المسلمين في هذا البلد.
غير أن مصير إخوانهم في مصر يدفعهم إلى أخذ العبرة وانتظار لحظتهم.كما أن التوتر المسكوت عنه عادة بين الفلسطينيين والأردنيين يتردد صداه الآن بنبرة أعلى مقارنة بالعقود السابقة.
ومن شأن أي اتفاق سلام فلسطيني-إسرائيلي، إن تم استئناف جولاتها، أن يؤثر في الوضع السياسي والاجتماعي في حال لمس التوازن الدقيق الذي يقوم على معادلة: الأردنيون للسياسة والفلسطينيون للأعمال.
هذا ببساطة يعني أنّ الأمر سيكون يسيرا جدا لبشار الأسد للعبث بأمن الأردن، حيث أن قواتها لا تبعد سوى ساعة ونصف بالسيارة العادية عن قلب المملكة، بل إن صواريخه قادرة على ضربّ عمّان لنشر الفوضى هناك.
لذلك ما من مفاجأة في كون هذه الاجتماعات التي تم إبلاغنا أنها مقررة منذ أسابيع، تحاط بجدار سميك من السرية.حتى المسؤولين الأميركيين، وعلى غير عادتهم، كانوا يتقاذفوننا الواحد تلو الآخر كلما طلبنا توضيحا أو موقفا أو رأيا.
وقال مصدر، إنّ المفاجئ في الأمر بالنسبة إليه هو أنّه ما من معلومات بشأن ما جرى في الاجتماعات تمّ تسريبه.وبالنسبة إلى الأردن، فإنّ استضافة هذه الاجتماعات في مثل هذا الظرف الحساس الذي بدأت فيه مهمة المفتشين الدوليين في سوريا، يدفع النظام السوري إلى النظر إلى جارته بعين الريبة والشك.
وهاكم الخوف الحقيقي: بمجرد مغادرة القادة العسكريين قاعاتهم محكمة الإغلاق، وأن عملا عسكريا بدأ ضدّ سوريا، يمكن وقتها للأردن أن يكون هدفا لهجوم إرهابي أو لربما لرد فعل من قوات دمشق نفسها.
وبمعطى جديد يتمثل في أن الأسلحة الكيماوية ربما باتت منتشرة حتى بأيدي العابثين، فإنّ القليل فقط سيستبعد اجتمال أنّ نفس تلك الأسلحة يمكن أن توجّه صوب الأردنيين.ليس هناك من سرّ أيضا في كون الأسلحة يتم تهريبها عبر الأردن إلى المعارضين السوريين، وتفخر المملكة العربية السعودية بدورها في ذلك، رغم أن الأردن من خلال مسؤوليه، ينفي أي مساعدة في هذا الأمر.
والأسرار مازالت ماثلة، فمثلا ما حجم الأسلحة الكيماوية؟ وماذا عن الفرق الخاصة الأمريكية والأردنية التي تتحصن بالخفاء داخل قواعد عسكرية محكمة المراقبة؟ وما مدى سرعة تحركها؟
إنها أسئلة حارقة لدرجة أن الكثير من الأردنيين يتساءلون: ما مدى سرعة تدهور الاستقرار الذي يعيشونه حتى هذه اللحظة؟