الأنظمة العربية والمعارضة بئر معطلة وقصر مشيد ،،
من حوار صدي البطل: أيمن فايد ،،
مع الإعلامية: إنجي منطاوي .. الفنانة التشكيلية:أمان عمارة
وقفت أمامي لترقب الحزن المسافر دون عودة،
ثم قالت: منذ البداية وأنا معك.
- ما البداية؟!!.. - قالت: منذ طائرة الرحيل من قاهرة المعز، كنت في الأزهر أحفظ القرٱن في كل ركن وشربت من ماء الحسين وسمعت أسفلت الشوارع يبكي هجرتك، فسألت نفسي .. من أنت؟..
- أنا أجاهد كي أبقي مجاهد .. ماذا بك؟..
- لا شئ أكثر من عبوري لهذا السد .. وأشرت إلي بوابة العبور تلك التي أتوق لإختراقها .. ممكن أوراقك؟..
- فنظرت إليها .. ماذا ستفعل بأوراق سفري، وما الذي تنوي القيام به؟ ولما تفعل ذلك معي؟..
- استأذنت أوراق سفري وجاهدت موظف العبور قدر طاقتها، فوافق بعد عصيان شديد، وأخذت أنفاسي أخيرا.
- جاءت بأوراق سفري مجازة للعبور، وترقبت قلبي الفرح، ورفعت عيني لأصيغ شكرا، ورأيت شمسا تشرق بعد ليل دام في القلب الكثير، تمرح الفراشات علي وجهها الجميل، زهرة كانت تملأ القلب عطرا .. الأوراق جهزت ليس هناك داعي للقلق .. "إزاي ولحد دلوقتي الجبل ناقص واحد" إخوانا ناقصين واحد.
- أنا سمعت حوارك مع رجل الأمن في مطار القاهرة وحسيت قد إيه إنك بتخاف لقلبك يفتن .. وحرصك الشديد علي حسن النية في الوقت اللي كل الناس بتتسارع إنها تسرق أعمال غيرها وتنسبها لنفسها...
تلك كلمات قرأتها في رواية " عندما يبكي الجبل في دولة الأحزان" عن قصة حياة المجاهد صدي البطل .. أحببتها مقدمة لحواري معه لأنها تختزل شخصيته من خلال ركيزتين أساسيتين هما محور حياته "الشعور بالمسئولية" و"البعدعن الماكسب الٱنية" وحقا كما قالت عنه "عاصمة القلب"
"له إنتصارات لم يقتسم غنائمها مع الذين يقسمونها وليسوا بصانعيها، يبكي الذين شاركوه الإنتصار ثم رحلوا ولم يدركهم أحد حين وزعوا دمائهم علي مائدة السياسة القبيحة".
عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال: "الكيس من أدان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمني علي الله" وكان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلي غيركم وسيتخطي غيركم إليكم فخذوا حذركم"
صدي البطل دائما ما يردد المشكلة لا تكمن في ثنائية "هو وهي" فهذه أجندة تفتيتية، ومسارات هروبية، وتزكية لنفس قائلها .. المشكلة تكمن في "أنا وإنجي" ٱه ثم ٱه لو أعتبرنا أنفسنا أن وأنتي مسئولون عن هزيمة الأمة وأن الحل لا ينقصه إلا نحن ( أنا و أنتي ) لحلت المشكلة وحقا الهزبمة يتيمة والنصر له مائة أب.
أستاذ أيمن: ممكن نلقي نظرة عن حال الأمة؟..
أنظري سيدتي: لقول رسول الله صل الله عليه وسلم ( يوشك الأمم أن تداعي عليكم، كما تداعي الأكلة إلي قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السبل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول، وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
فثبت أن الحديث إنما هو تحذير المسلمين من الإستمرار في"حب الدنيا وكراهية الموت وياله من هدف عظيم لو أن المسلمين تنبهوا، وعملوا بمقتضاه، لصاروا سادة الدنيا وما رفرفت علي أرضهم راية الكفار، ولكن لابد من هذا الليل أن ينجلي، ليتحقق ما أخبرنا به رسول الله صلي الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، من أن الإسلام سيعم الدنيا كلها، فقال: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عز يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر،
مصداقا لقول الله عز وجل ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواهم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون )
سد الفجوة بين النظرية والممارسة
المعرفة الصحيحة للعدو مبدأ حاكم: ولأن دور المفكر السياسي ليس تبريريا يصف الأحوال ويحللها دون أن يعمل تحولا في الساحة أو الأحداث، ولأن الوصف هو المرحلة الطفولية في البحث العلمي، والتحليل في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة هو بحق شرح للهزيمة ليس إلا .. أما المرحلة الثالثة: فهي "التنبؤ" فلا تعدو في وضعنا هذا إلا أن تكون متطابقة بنسبئة ١٠٠ ٪ مع النكتة الفرنسية القذرة، التي يقول فيها الزوج لزوجته: "إذا أغتصبتي ولم تستطيعي المقاومة فاستمتعي" !!..
أليس هذا ما ينسحب علي أوضاعنا المتردية؟..
علماء وخبراء سياسيين وإستراتيجيين، زعماء وقادة .. لايقدمون للأمة إلا الخزي والعار. في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلي الإقرار بالنجاح في العمل، وليس العمل فحسب، ناهيك علي أنهم لا يقدمون إلا الوعي الناقص حتي في علم الواقع لأنهم نزوعوا منه باقي أفرع العلم ( علم المنهج، وعلم الأدوات والوسائل، وعلم التطبيق ).
فالمعرفة العلمية الصحيحة هي التي ليس بينها وبين التطبيق أية حواجز، كمنطقة بينية سلبية بغية التبرير، حيث أنها هي الخنادق التي يتسللون إليها لواذا ليدرأوا عن أنفسهم مسئولية الهزيمة.
فالمعرفة العلمية الصحيحة هنا هي "العملية" في المعادلة التي خطها بن خلدون: ( العملية - المعرفية - القيمية - الوجودية ) والتي بها نستطيع ردم هذه الفجوة المتواجدة بين ( مرحلة التنظير ) و ( مرحلة العمل ) والتي ليس لها معني إلا العهر السياسي ودعارة الرؤس التي يمارسها بإتقان أراذل الشعوب - قادة الرأي وجماعات الفرقة - ولهذا وجب علينا أن نوجد شريكا ثالثا في هذه العلاقة حتي نتمكن من إيجاد المعادلة السابقة علي أرض الواقع.
ولنا في هذه النقطة الخطيرة جدا وقفة علمية طويلة لا يتسع المقام هنا لتناولها حيث العلم الجديد علم الجهل الذي سيخرجنا من المشاكل المعقدة .. وقديما قال: الحكيم الصيني "صن تزو"
- إذا عرفت نفسك وعرفت عدوك فليس ما يدعو أن تخاف نتيجة مائة معركة.
- وإذا عرفت نفسك ولم تعرف عدوك، فإنك سوف تحصد هزيمة مقابل كل إنتصار.
- وإذا لم تعرف نفسك ولم تعرف عدو فأنت الأحمق وسوف تواجه الهزبمة في كل معركة لا محاولة.
فإذا طبقنا هذه الحكمة السابقة لصن تزو وأيضا المعرفة النظرية التي تكلمنا عنها سنجدها معرفة كلامية وناقصة وليست معرفة عملية صحيحة.
فإذا قال أحد: إنه معرفة العدو ومعرفة النفس لن نخاف نتائج مائة معركة فهذا صحيح، ولكن أية معرفة تفصد؟..
معرفتك لضعفك؟.. معرفتك لقوة عدوك؟. أبهذا ننتصر؟!!..
لن ننتصر بأي حال من الأحوال .. لأن المعرفة المبتغاة هنا هي: كيف تصنعي لنفسك قوة . وتخرجي من عدوك نقاط ضعفه .. وهذا ما نود أن نصل إليه من تبيان الفرق بين "المعارف الكلامية" و"المعارف العلمية العملية" التي لا وجود فيها لأي حاجز ببن التنظير والتطبيق.
فعندما نتعرف علي مشاكلنا علي أساس تفسيرات خاطئة دون تعيين دقيق لهذه الحواجز أو المناطق البينية، فإننا نعيش في 'حالة فوضي" ومحاولتنا لحل المشاكل ستكون عقيمة علي الأرجح، ولكن إذا تفهمنا مشاكلنا بدقة أكبر تتسني لنا فرصة أفضل بكثير لمقاربتها بنجاح وعندها سنعرف علي من نلقي باللوم في ذلك.
العرب من الداخل إلي نعيمة وعبد الباسط حمودة
س: ظهرت في الفترة الماضية دعوات كثيرة تدعوا في البحث عن الذات - النفس - وسط الغربة والتيه والحيرة كلها تقريبا بمضمون واحد وصيغة واحدة فهل هذه علامة صحية علي نضج المجتمع؟..
سيدتي الفاضلة البحث عن النفس والتعرف عليها هذا شئ عظيم مصداقا لقول الله ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ولكن عندما يأتي السؤال من فئة معينة وفي توقيت معين ولاسيما وأن الناس في العموم تخطت هذا السؤال وتبحث الٱن عن الحل وكيفية الخروج من أزماتها المتلاحقة والمتسارعة .. لذلك أنا أقف هنا وأقول ليس سؤال: من أنا ؟؟.. ومن أنتي ؟؟.. من هذه الفئة التي تقدم نفسها علي أنها صاحبة رأي وشخصيات عامة ببرئ في مجملة لأنهم لا يسألون سؤالا فلسفيا، وحتي وإن كان فحديث الرسول "أستفتي قلبك" وعندما سؤل النبي عن البر؟.. قال: " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" أما إن تحجج أحدهم بالمتشابهات فأقول له وهل ما أنت تائه فيه وفي حيرة منه ليس بالبين الصريح سواء كان حلال أم حرام؟!!.. وبرغم ذلك سأرشدك إلي كيفية الخروج، مع علمي أنها مسارات هروب يفعها أراذل الشعوب حتي يستهلكوا أعمارنا في غير المفيد من العمل .. فهم صنعوا من قبل مسارات هروب للفكرة المشروع، ثم صنعوا مسارات هروب أخري للناس، ثم صنعوا مسارات هروب لنا، وعندما طاشت سهامهم فليس أمامهم الٱن إلا أن يصنعوا لأنفسهم مسارات هروب وهمية، ليوقعونا في شباكها مطالبين أن نساعدهم في البحث عنهم .. فهم جماعات الواقع الوهمي ..
وفي وقت بطولة الأمة حاضرة فية وبقوة والمطلوب فيه هو العمل الجاد للخروج من الأزمات .. نجد هؤلاء القوم يعمدون إلي إرجاعنا ليس للمربع واحد وهو "مرحلة الوعي" أو "علم الواقع" بل إلي المربع صفر .. وهو علاجهم نفسيا .. فهم ليسوا كالبطل "عبد الرحمن الداخل" الذي صنع من غربته حضارة أسعدت البشرية .. وليسوا كالشاعر "مخائيل نعيمة" الذي انتصر علي غربة شعراء المهجر .. ولا حتي وصلوا للمطرب الشعبي "عبد الباسط حمودة" علي الأقل في فنه وخفة دمة .. أنها مكيدة منهم
- عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش ) نسبت له أبيات رأي فيها تماثلا مع نخلة بثقت في الأندلس، فقد رأي الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجت شجنه، وتذكر وطنه.
ها هي النخلة بعيدة عن موطنها تشبه حال الشاعر البطل الحقيقي. الذي هو بعيد عن موطنه، فيدعوا لها أن تسقيها الغيوم وأن يسح عليها المطر:
( تبدت لنا وسط الرصافة نخلة .. تناءت بأرض العرب
فقلت شبيهي في التغرب والنوي .. عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة .. فمثلك في الإقصاء والملتقي مثلي .. سقتك هوادي المزن من صبوها الذي .. يسح
وتستمري السماكين بالوجه )
من شعر الداخل أيضا في النخل، وفي المعني الذي بدأناه:
( يا نخلة أنت غريبة مثلي .. في الأرض نائية عن الأهل
تبكي وهل تبكي مكممة .. عجماء لم تجبل علي جبلي
لو أنها عقلت إذا لبكت .. ماء الفرات ومنبت النخل )
- مخائيل نعيمة: ولد في لبنان ١٧ أكتوبر ١٨٨٩ - ١٩٨٨ كان نائبا لجبران خليل جبران في رابطة شعراء المهجر.
في قصيدته ( يا نفس من أنت؟!!.. ) وزع الشاعر حيرته وبحثه عن حقيقة النفس علي ستة عناصر من الطبيعة يري نفسه تتجاوب مع كل منها بما يتفق مع طبيعته وهذه العناصر
البحر والرعد والبرق والريح والفجر والشمس والبلبل وكل عنصر من هذه العناصر يشغل مقطعا شعريا مستقلا في تكوينه لكنه متصل في الوقت نفسه ببقية العناصر وهكذا تبدو تلك المقاطع أشبه بموجات متوالية علي مستوي واحد من القوة تتلاحق ولا تتداخل ويعزز بعضها بعضا حتي تناهي في مصب واحد وهو المقطع السابع والأخير الذي يصل فيه الشاعر للإهتداء إلي حقيقة النفس .. وهي قضية تدور حول حقيقة نفسه كما يدل علي ذلك تعبيره إلا أنها تمتد لتشمل النفس الإنسانية بصفة عامة.
هذه الفكرة حقيقة النفس شغلت شعراء المهاجر منذ أن وطئت أقدامهم الأمريكتين وظهر هذا الإنشغال بقوة عند ميخائيل نعيمة علي وجه الخصوص، في قصيدته "من أنت يا نفس" تراه يتسائل في مقاطعها في نجوي نفسية صادقة .. تساؤل الفيلسوف الشاعر أو الشاعر الفيلسوف عن مصدر النفس البشرية ... ثم بعد حيرة وشك وسيل من الإستفهامات يصل إلي يقين فيقول: أنت ريح ... أنت موج ... أنت بحر ... أنت برق ... أنت رعد ... أنت ليل ... أنت فجر ... أنت فيض ( أي عطاء من إله ).
- المطرب عبد الباسط حمودة: في أغنيته ( من أنا؟؟؟ )
أنا مش عارفني أنا تهت مني .. أنا مش أنا .. لا دي ملامحي .. ولا شكل شكلي .. ولا دا أنا ..
... إن شعوبنا العربية الإسلامية لم تزل خامتها إسلامية، ولم يزل الإسلام أقوي شئ في وجودها، ولم تزل بقلوبها وعواطفها مع الإسلام، ولكنها في حاجة إلي القيادة المؤمنة التي تعرف كيف تخاطب هذه الأمة وتحركها وتستخرج أقصي ما فيها من طاقات وإمكانيات مذخورة. ويوم توجد سيتغير ميزان القوي في العالم ويتحول اتجاه التاريخ.
وهذا ما يقوله - ويحذر منه - الدارسون المتيقظون من الأجانب والمستشرقين. وٱخر ما قرأناه في ذلك ما كتبه المستشرق البريطاني "مونتجمري وات" في جريدة التايمز اللندنية - مارس سنة ١٩٦٨ - من مقال قال في نهايته:
"إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدي القوي السياسية العظمي في العالم مرة أخري".
... إن أمتنا الٱن تمر بأزمة الثوارات الواقعة فيها والتي لم يحر أحدا جوابا، ولم يعارض ما سمع، من وجهة نظر معارضة أو مؤيدة في هذه الثورات التي يباركها الغرب بالرغم من أن الغرب الحاقد أشد ما يخشاه هو وقوع الثورة الحقيقية والتي هي ( ثورة الوحدة ووحدة الثورة) وليست ثورة أراذل الشعوب الإستباقية التي باركها الغرب وقيادته وقال عنها: أنها ثورة ملهمة .. وقال ٱخر: أنها يجب أن تدرس لأبناء وطنه .. وقال عنها مؤيدوها: أنها ملهمة بسبب عدم وجود قيادة لها .. فكيف تقوم ثورة بلا ركيزة البطل الفرد المعجزة الذي يخشاه الغرب جميعا؟!!..
في هذا الجو المسمي زورا وبهتانا " الربيع العربي" وقع الخلاف وإلي الٱن يسعي أراذل الشعوب لإذكائه بين صفوف الناس، تماما كما حرفت أنظار الناس عن التأمل في الحدث الواقع في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ... ألخ
إن هذه الأزمة مثل كل أزمات الأمة الإسلامية غير تقليدية .. حيث إن الرأي ونقيضه كلاهما صحيح .. في معادلة سياسية غاية في الصعوبة، لذلك وقع الشك والحيرة والتيه والريبة والإضطراب النفسي ليس في الحدث نفسه بل في صفوف المسلمين...
وساعتها حين رأيت الخطر يتفاقم، والشقة تزداد هوة، وليس من يعالجها، فكان لابد من إستعراض الأزمة وأحداثها في جو من الموضوعية وعدم التحيز إلا للحق وفق منهج علمي لتحقيق المسائل الخلافية في هذه الأزمة وبيان الراجح في مسائل الخلاف .. وذلك من خلال ركيزتين مهمتين وهما:-
( ثورة الوحدة ) و( ثورة الفرقة ) أي الشئ ونقيضه فلا يفل الوهم إلا الوهم ..
فلقد عمدت تلك الثنائية الخبيثة بخاصة إلي بث نوع من المزيج المتناقض كعامل تفتيت .. إذ أن العقل النزاع بطبيعته إلي الشك أو الملتزم بالتفكير المتطقي حين يري مشهدا يضم كما هائلا من المعتقدات المتناقضة والمتعارضة - كل منها تزعم إحتكار الحقيقة - لابد أن يتخذ من هذا ذاته بينة علي ألا وجود هناك لحقيقة حتي يحتكرها هؤلاء.
إن كل شئ كان هناك: ولكنه مرة أخري "خليط مشوش" ولكن ربما ثمة نوع من المقطع العرضي أو علي الأقل قاسم مشترك لذوق أصحاب هذه الثنائية وهذا ما يسعي إليه هذا العمل لإثباته بأن العلاقة بين طرفي الثنائية هي علاقة إنسجام ، وتكامل، بدليل المحصلة النهائية والنتيجة الختامية - الخليط المشوش - الذي خطط له أسيادهم في الخارج والذي أحدث القلق والحيرة والتوتر واليأس والإحباط عند الشعوب التي تدفع الثمن وحدها.. وهذه عقدة العقد المعقدة تعقيدا التي تواجه "البطل الإيجابي" بأن يأخذ الشعوب من دور اليأس الوهمي الذي يريده لها أعداء الخارج وأعوانهم في الداخل إلي حالة "التهيئة الإجتماعية" أي بطولة الأمة الحاضرة - التي تسمي إرادة - وأن يهزم هؤلاء الأبطال أراذل الشعوب سواء الظاهرة التي هي موجودة في خانة الأعداء ..
أو تلك المستترة التي هي موجودة في خانة الأصدقاء.
إلي من نتوجهه بالحديث؟..
إن شئت وبمعني أدق من الذي أولي بالمواجهة؟..
أستاذة إنجي: إبتداء هناك ( الأصدقاء والأعداء ) وساحة المواجهة هي الرأي العام... ويلاحنا فيه هو الإعلام الشعبي
- سيدتي: ضعي علي هذه الورقة التي أمامك خطين مستقيمين متوازيين رأسيين في مقابل بعضهما البعض .. سيكون في الأعلي بالنسبة للأعداء ١- الرأي العام النابه أو المسيطر: وعددهم قليل جدا ممكن في بلد بحجم مصر لا يتجاوزون فيها المائة فرد وممكن أن يكونوا أقل بأن يعدوا علي أصابع اليد الواحدة، وهم يعذي إليهم كل شئ، وممكن أن يكونوا من الخارج، أو خليط.
وهؤلاء لا نخاطبهم ولا نحاول أن نعمل عليهم إلا بقدر ١٠ ٪ علي أعلي تقدير من الجهد، من باب إثبات القوة وكسب تأييد الجماهير وإلا سنكون كمن يحرث في البحر لأن هذا النوع من الرأي العام لن يرجع عن شره.
٢- الرأي العام القائد: تحتهم مباشرة وهم أكثر في العدد ويأخذون الأفكار والأوامر من الفئة الأولي. وهم ساحة عملنا الحقيقية وبنسبة ٨٠ ٪ والعمل عليهم يكون عن طريق الفكر بمقارعته بالفكر الذي عندهم. مصداقا لقول الله تعالي: ( إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ).
أو عن طريق المصالح التي يعمل من أجلها شريحة منهم إذا لم يهتدوا بالفكر .. إما أن نوفرها لهم إن إستطعنا .. أو أن نزيلها من أيديهم بطريقة مشروعة، حتي نتفادي الصدام الذي من الممكن أن يكون مخطط له من قبل الأعداء.
٣- الرأي العام المنقاد ( الشعوب ) بنسبة ١٠ ٪ المتبقية ليس فقط طبقا لنظرية ( الحشود لا عقل لها ) ولكن الجملة الصحيحة هنا أنهم أي مجهود يبذل معهم أكثر من هذه النسبة سيكون أيضا كمن يحرث في البحر علاوة علي ندرة ما لدينا من قدرة وإمكانات ووقت وفقا لمعادلة القوي العالمية في هذا الجانب.
في المقابل لهذا السلم يوجد وجها لوجه سلم الأصدقاء بنفس الطريقة: ١- الرأي العام النابه أو المسيطر وتحته الرأي العام القائد وتحته الرأي العام المنقاد - أي الشعوب - وهي العامل المشترك في الخطين.
مع الأخذ بعين الإعتبار أن ساحة عملنا الحقيقية وبنسبة ٨٠ ٪ ستكون علي المنطقة الوسطي السلبية لدينا وهي في الغالب الأعم لا يرجي منها خير لأنهم صناعة الأعداء. سواء كانوا خونة، او حمقي، فنحن لانود كشفهم أمام أنفسهم فأم الطفل أدري بأبيه، ولا السعي لكشفهم أمام الجماهير .. لأنهم يملكون من البجاحة رصيد عظيم .. ولكن أن نبني طريقة وإستراتيجية للجماهير لإيقافهم، هذا إن كنا جادين.
لأنهم هم العدو الأخطر بالنسبة للأوطان، خطورتهم أشد علينا ١٠٠ مرة من قادة الرأي المتواجدين في سلم الأعداء المقابل .. إنهم أراذل الشعوب ( قادة الرأي وجماعات الفرقة ) إنهم فريق المتعاطفون اللا أخلاقيون صانعي المسارات الهروبية لنا، إنهم سارقي أفراح الأمة، ومبددي أحزان الأمة النبيلة أي إرادة البطولة .. هم الذين يدعون في وقت من الأوقات أنهم تائهون في غربة لا يجدون أنفسهم ويطلبون منا البحث عنهم في سراديب الوهم .. لا مانع لديهم من إدعاء المرض النفسي ويطلبون منكم العلاج .. هم الذين كلما نضجت إرادة الأمة وقاربت علي الدخول في مرحلة العمل (التطبيق) يعيدونها إلي الخطوة السابقة إلي مرحلة:الإتجاه أو الشعور. ومن ثم عودة الشعوب إلي الخلف إلي المرحلة الأولي:
مرحلة المعرفة الناقصة غير العملية وغير العلمية أيضا إلي
الكلام غير المنتج، بحجة ظهور وثأئق جديدة مسربة أو مفرج عنها أو جاءت في إعترافات ومذكرات...
كلمة أخيرة تحب أن تقولها في نهاية هذه الحلقة.
سيدتي: بالله العجب .. كيف يتسني لنا أن نلقي بالائمة في هزائمنا وأزماتنا علي من إتفقنا علي أنهم أعدائنا؟!!..
فالمنطق يقول إن للنصر والهزيمة أسباب .. وأسباب هزيمتنا ليست نقاط قوة أعدائنا بل نقاط ضعفنا نحن .. والأعجب من ذلك كيف نتقدم برؤي ومشاريع لأعدائنا نطالبهم بالعمل عليها كي نخرج من هزائمنا؟!!..
يحضرني في ذلك كلمة للقائد "نابليون بونابرت" بعد هزبمته وهو في منفاه في جزيرة القديسة "سانت هيلانا" عندما قال: "ليس أحد مسئول عن هزيمتي سواي لقد كنت أنا أكبر عدو لنفسي". والعجب الأكبر هو كيف نخاف من قوم هم عمالقة وهم؟!!..
نعم لقد أصبحوا هم والعدم سواء .. بئرهم معطلة برغم من زيادة إنتاجها كل يوم .. وٱخرون مثلهم عندهم النهر ولكن حالهم كظمأن والكأس في يديه ( وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وأصحاب مدين وكذب موسي فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية علي عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد).