علي فكرة
علي فكرة هذا أول مقال لي فى جريدة ورقية، وعلي فكرة هذا العدد الأول للجريدة، ولذلك فقد احترت حيرة شديدة..من أين أبدأ؟، وكيف أبدأ؟ هل أبدأ من هنا ام من هنا. هل أبدأ من الصفر؟ أم أبدأ من حيث انتهى الأخرون؟.. وبعد تفكير عميق قررت أن أبدأ من تحت!! نعم من تحت.... من الشارع... فالشارع المصري اليوم أصبح ظاهرة فى غاية الغرابة والتناقض. الشارع أصبح صديقك اللدود وعدوك الحميم. استرجعت الساعة الثامنة صباحا حيث يرمى المواطن المصري بنفسه إلى التهلكة ويبدأ رحلة الجحيم والعناء في الذهاب إلى العمل. يالها من مغامرة محفوفة بالمخاطر، من أول محاولة ايجاد مكان على محطة الأتوبيس،ثم مرحلة الحيرة والتوقعات والصراع النفسي..يا تري ساركب ميكروباص النهاردة ولا أتوبيس (وطبعا فكرة التاكسي مرفوضة). ثم يليها مرحلة الصراع البدنى ومحاولات اقتحام الاتوبيس ولو بقدم واحد..وتستمر مفرمة الاجساد والأقدام والتحرشات والعرق والأفواه الكريهة. وها هى محطة الوصول تقترب وعلينا التأهب واستجماع القوى للتناحر والتنازع من أجل اللحاق بالباب فى الوقت المناسب...وتتكرر المحاولة بكل تفاصيلها ومتاعبها أثناء العودة ولا عزاء للإنسانية. هذا عن المواطن الذى هو بطل الرواية فى الشارع تحت. أما الديكور فى الشارع تحت، فهو عبارة عن أكوام من الزبالة المترامية بشكل عشوائي نادر الوجود فى اى مكان فى العالم ، اكوام واتلال ممتدة على مرمى البصر بكل ما تكرهه الأعين وتشمئز منه الأنفس والأنف من قاذورات يتجمع حولها الذباب والحيوانات الميتة وأحيانا تلتف حولها مجموعات من الخراف والمواشي لتأكل من زبالة البشر. ثم فى نفس المشهد الشيطانى المشوه لابد ان تحكمنا الحركة البهلوانية الاكروباتية المتمثلة فى عدم ادراكك لأى وجود لما يسمى المرور أو قواعده أو التزاماته. فالكل يمشي حيث يريد وكيف يريد. حتى أنك تشاهد السير فى ثمانية اتجاهات فى وقت واحد، بل تستطيع أن تسير فى الاتجاه وعكسه فى نفس الوقت بلا أى اندهاش ( يبقي أنت أكيد فى مصر).. واوعى التوك توك، هذا الشبح الأسود السريع الذى يتكاثر كالجراد وينتشر فى ويتفرع ويتوغل فى الشوارع والحوارى ليلتهم الأخضر واليابس...إن الشارع تحت لهو أعجوبة فى كل المقاييس إنه مغامرة محفوفة بالمخاطر والأساطير اليونانية القديمة..هو أشبه بغابة ضيقة تتزاحم فيها الكائنات المتحركة..فالنقل يلتهم الميكروباص، والأتوبيس يلتهم الملاكى، والتوك توك يقوم بدور الحشرات المتطفلة على أجساد الأحياء..إن المواطن المصري اليوم ليس فى محك بين الحضارة والتخلف، بل هو فى محك حقيقي وتاريخى بين الإنسانية والحيوانية..على المواطن المصري أن يثبت أنه ينتمى إلى دنيا البشر. الأمر في يد المواطن من قبل ومن بعد فهو صاحب القرار.. وما الشارع المصري إلا سيرك كبير...والمحظوظ هو الذى يستطيع أن يعود لبيته مساءأ بأقل الخسائر..وعلى فكرة للحديث بقية.......
د/ أحمد إمام
علي فكرة هذا أول مقال لي فى جريدة ورقية، وعلي فكرة هذا العدد الأول للجريدة، ولذلك فقد احترت حيرة شديدة..من أين أبدأ؟، وكيف أبدأ؟ هل أبدأ من هنا ام من هنا. هل أبدأ من الصفر؟ أم أبدأ من حيث انتهى الأخرون؟.. وبعد تفكير عميق قررت أن أبدأ من تحت!! نعم من تحت.... من الشارع... فالشارع المصري اليوم أصبح ظاهرة فى غاية الغرابة والتناقض. الشارع أصبح صديقك اللدود وعدوك الحميم. استرجعت الساعة الثامنة صباحا حيث يرمى المواطن المصري بنفسه إلى التهلكة ويبدأ رحلة الجحيم والعناء في الذهاب إلى العمل. يالها من مغامرة محفوفة بالمخاطر، من أول محاولة ايجاد مكان على محطة الأتوبيس،ثم مرحلة الحيرة والتوقعات والصراع النفسي..يا تري ساركب ميكروباص النهاردة ولا أتوبيس (وطبعا فكرة التاكسي مرفوضة). ثم يليها مرحلة الصراع البدنى ومحاولات اقتحام الاتوبيس ولو بقدم واحد..وتستمر مفرمة الاجساد والأقدام والتحرشات والعرق والأفواه الكريهة. وها هى محطة الوصول تقترب وعلينا التأهب واستجماع القوى للتناحر والتنازع من أجل اللحاق بالباب فى الوقت المناسب...وتتكرر المحاولة بكل تفاصيلها ومتاعبها أثناء العودة ولا عزاء للإنسانية. هذا عن المواطن الذى هو بطل الرواية فى الشارع تحت. أما الديكور فى الشارع تحت، فهو عبارة عن أكوام من الزبالة المترامية بشكل عشوائي نادر الوجود فى اى مكان فى العالم ، اكوام واتلال ممتدة على مرمى البصر بكل ما تكرهه الأعين وتشمئز منه الأنفس والأنف من قاذورات يتجمع حولها الذباب والحيوانات الميتة وأحيانا تلتف حولها مجموعات من الخراف والمواشي لتأكل من زبالة البشر. ثم فى نفس المشهد الشيطانى المشوه لابد ان تحكمنا الحركة البهلوانية الاكروباتية المتمثلة فى عدم ادراكك لأى وجود لما يسمى المرور أو قواعده أو التزاماته. فالكل يمشي حيث يريد وكيف يريد. حتى أنك تشاهد السير فى ثمانية اتجاهات فى وقت واحد، بل تستطيع أن تسير فى الاتجاه وعكسه فى نفس الوقت بلا أى اندهاش ( يبقي أنت أكيد فى مصر).. واوعى التوك توك، هذا الشبح الأسود السريع الذى يتكاثر كالجراد وينتشر فى ويتفرع ويتوغل فى الشوارع والحوارى ليلتهم الأخضر واليابس...إن الشارع تحت لهو أعجوبة فى كل المقاييس إنه مغامرة محفوفة بالمخاطر والأساطير اليونانية القديمة..هو أشبه بغابة ضيقة تتزاحم فيها الكائنات المتحركة..فالنقل يلتهم الميكروباص، والأتوبيس يلتهم الملاكى، والتوك توك يقوم بدور الحشرات المتطفلة على أجساد الأحياء..إن المواطن المصري اليوم ليس فى محك بين الحضارة والتخلف، بل هو فى محك حقيقي وتاريخى بين الإنسانية والحيوانية..على المواطن المصري أن يثبت أنه ينتمى إلى دنيا البشر. الأمر في يد المواطن من قبل ومن بعد فهو صاحب القرار.. وما الشارع المصري إلا سيرك كبير...والمحظوظ هو الذى يستطيع أن يعود لبيته مساءأ بأقل الخسائر..وعلى فكرة للحديث بقية.......
د/ أحمد إمام