وصار سيف ديموقليس المعلق فوق كل عرش بشعرة من ذيل حصان، يمثل الخطر الداهم طول الوقت على المستبد سواء الفرد او الحاكم أو أراذل الشعوب، فلا يكاد يخلد إلي نوم أو يهنأ بحكم أو ثروة أو جاه أو مواقف يدعي فيها المثالية والنجاح، إلا وكان خيار سيف البطولة الذي يريد دائما أن يسقط بحكم طبيعة الأشياء - بضعف الشعرة أوضعف الإستبداد - الذين خيوط عروشهم أهون بكثير من خيوط بيت العنكبوت.
المستبد وأعوانه كلاب المطبخ "عبيد القصر" بتعبير "مالكوم إيكس" .. هم عمالقة الوهم أنظمة التفاهة ومعارضة السوء.
وصدق إتيان صاحب "مقالة العبودية المختارة": "إذا ما التقى الأشرار فإنهم لا يؤلِّفون مجتمعاً بل مؤامرة، وهم لا يتحابون بل يخشى بعضهم بعضاً، وليسوا أصدقاء، بل هم متواطئون، يا إلهي، كيف يكون المرء منشغلاً ليلاً ونهاراً بإرضاء رجل، ويحذر منه ويخشاه أكثر من أي شيء في الدنيا".
وكذلك هو حال المستبد يخشى أعوانه فيتخلص منهم مثلما فعل نيرون.
وكما يقول "أفلاطون" الطاغية أسوء من اللص، اللصوص بينهم قانون أما الطاغية وأعوانة ليس بينهم قانون لأن جشعه ليس له حدود والصراعات التي بينهم هي العقدة الأساسية بينهم، خوفهم وكراهيتهم لبعضهم لا تنتهي"
فالطاغية وأزلامة عبيد لشخص مريض عقليا مثل نيرون حرق روما وقتل أمه وزوجته وقام يغني بٱلته الموسيقية
حقا إنهم نرجسيون. أنا لا أريد منكم الإقدام على دفعه أو زحزحته، وإنما الكف عن دعمه فقط، ولسوف ترونه مثل تمثال عملاق نزعت قاعدته من تحته، كيف يهوي بتأثير وزنه فينهار ويسقط.
نعم السقوط لا محالة واقع واقع .. سقوط الإستبداد وبشكل جلى لاريب فيه هو الخيار الوحيد .. سقوط السيف عقابا في قلب المستبد الظالم .. أو سقوط السيف ثوابا وأمانا في يد الحاكم العادل .. الساعي لمجد أمته، فالشعوب هي أقوى قلعة يمكن أن يحتمي بها الحاكم .. وسيف البطولة هو جوهرة العدل النادرة التي لا يمكن تفويت الظفر بها.
وصدق من قال: "حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر".
الإستكبار بوابة الإستبداد والنفاق
الإستبداد: هو التصرف في الشئون المشتركة - الشأن العام - بمقتضى الهوى وغرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة - التي هي من صميم الدين - ويعتبر "عبد الرحمن الكواكبي" الإستبداد السياسي دون غيره هو أصل الداء في كل الأمور التي وقعت في التاريخ الإسلامي أو وقعت في التاريخ البشري مما يصيب الناس في أقوالهم وأفعالهم وحرياتهم.
ويعتبر "الكواكبي" أن المسلمين هم المتسببون بما حل بهم وبالتالي يجب ألا يعتبوا علي الأغيار أو يعتبوا علي الأقدار.
وبالرغم من أن الكواكبي لم يكن أول المتحدثين عن الإستبداد بل إن كلامه كما ذكر هو بنفسه به إقتباسات كثيرة جدا جدا.
وبالمثل كان هناك مفكرين في "قصة الفكر السياسي الإسلامي" لهم دور في نقد الظاهرة الإستبدادية أو المنطق الإستبدادي، هؤلاء المفكرون رحلوا إلي أوروبا والغرب وشاهدوا قضايا التطور السياسي والإجتماعي وقضايا الحقوق والحريات وإنتقدوا الظاهرة الإستبدادية "كرفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده" لكن "عبد الرحمن الكواكبي" هو أشهر ناقد للإستبداد خاصة في القرن التاسع عشر بعدما إستفاد من أحد الأدباء الإيطاليين الذي تأثر بفكره تأثرا كبيرا وهو "فيتوريو الفييري ١٧٤٩ - ١٨٠٣" والفييري إستفاد بدوره هو الٱخر من كتابات عصر الأنوار في الإستبداد وبالأخص من مقالة للعبودية المختارة "لإيتيان دو لا بويسيه" ١٥٣٠ - ١٥٦٢ ولكن الكواكبي لم يشير من قريب ولا من بعيد من استفادته من إيتيان.
إلا أن الكواكبي يعتبر وبحق من أروع من تحدث عن الإستبداد، أقول تحدث وأضع تحت كلمة تحدث عدة خطوط
ولكن هذا لا يعفيه في مشروعه من السقوط في جملة من السقطات سواء ( المعرفية أو الإجرائية أو العملياتية )
ولا أتحرج من ذكرها بما أنه اعتبر رأيه وفكره مشروع،
وأيضا لا يعفى كل من اتخذوا من هذا المشروع منهجا لهم ولاسيما في أشد نكبتين حدثتا للأمة الإسلامية:-
١- الثورة العربية الكبرى ١٩١٦
٢- ثورة الربيع العبري ٢٠١١
لذلك سيكون "مشروع الكواكبي" محل دراسة نقدية وافية ولو في نقطة واحدة من جملة السقطات التي هي متصلة ببعضها البعض.
ما أود الإشارة إليه هنا في هذا المقام هو إصرار "عبد الرحمن الكواكبي" والذين جاؤا من بعده على نفس النهج حتى بعد مرور أكثر من مائة عام علي وفاته وذلك بإتهام الشعوب أنهم هم المتسببون في وقوع الإستبداد وترويجهم هذه الفرية بين عوام الناس .. ولكي ينجحوا في إتهام الشعوب قاموا بتحريف كلام مفكر عظيم وهو "مالك بن نبي" بمكيدة من الغرب، روجوا لها مستغلين مصطلحه العبقري الأشهر:( القابلية للإستعمار ) علي أنه يقصد الشعوب وأتبعوه باستشهادهم بقوله: "لو لم تكن خاصرتنا رخوة لما عبث بها العابثون" والرجل برئ تماما من هذا الفرية حيث تم تحريف مقصدة، والحق أنك تراه علي العكس من ذلك وبوضوح، تراه يدافع عن الشعوب ويرجع هذه ( القابلية للإستعمار ) إلي النخب الفاسدة التي قبلت الإستعمار سواء قبل وقوع الإستعمار أو بعد وقوعه، سواء في مرحلة الإستعمار الكلاسيكي القديم أو مرحلة إستعمار الهيمنة الجديد، هذه النخب الفاسدة بتعبيرنا هم ( أراذل الشعوب ) الأنظمة والمعارضة الفاسدة والمنتسبون لهم بمكوناتهم الجديدة في مرحلة الإستعمار الجديد إستعمار الهيمنة ( إنهم المنافقون الجدد .. إنهم الخوارج الجدد .. إنهم المستشرقون الجدد ).
إن الإستبداد هو الإنحطاط في كل شئ - خلقي ومعرفي وإجرائي - والشخص المستبد يحصل لنفسه علي الإستبداد أولا: من "جهله وضعفه النفسي"، ويغزيه ثانيا: من نفس المعين، وثالثا: يمارسه علي غيره بفرضه الجهل عليهم واستخدام القوة ضدهم فهما بضاعته المزجاة في تعامله مع الٱخرين، فالمستبد سواء كان فرد أو حاكم تراه عدو لترقي العقل، عدو للعلم، عدو للفهم الصحيح، عدو لتقديم الصورة علي حقيقتها، يحسب كل صيحة عليه، ويمارس القوة والبطش والتجبر المنظم علي غيره، فالمستبد هو المنافق وأخو الشيطان ومن عائلة فرعون.
دائما يقول: أنا خير منه.
دائما يلون نفسه ويسعى لتلوين غيره وتلوين كل شئ حوله من مواقف وأحداث وأماكن وأزمنة حسب خريطة مصالحه الذاتية ومكاسبه الٱنية الضيقة .. وأشهر أسلحته في مشروعه ( الجدال والكذب والخيانة ) ولو أضطر إلي إدعاء المرض النفسي باستخدامه سلسلة من الأمراض النفسية مثل التبرير، والإبدال أو التحول، والإسقاط، والتعويض، والتطابق، والتقمص. وفي الحقيقة هو ليس بمعلول في الجسد ولكن مرضه في قلبه، بسم الله الرحمن الرحيم: ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون )
قال السدي: عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: ( في قلوبهم مرض ) قال: شك، ( فزادهم الله مرضا ) قال: شكا.
وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( في قلوبهم مرض ) قال : شك.
وكذلك قال مجاهد، وعكرمة، والحسن البصري، وأبو العالية، والربيع بن أنس ، وقتادة .
وعن عكرمة، وطاوس: ( في قلوبهم مرض ) يعني: الرياء.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: ( في قلوبهم مرض ) قال:
نفاق ( فزادهم الله مرضا ) قال: نفاقا ، وهذا كالأول.
وقال: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ( في قلوبهم مرض )
قال: هذا مرض في الدين، وليس مرضا في الأجساد، وهم المنافقون. والمرض: الشك الذي دخلهم في الإسلام ( فزادهم الله مرضا ) .
قال مالك: المنافق في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزنديق اليوم. قلت: وقد اختلف العلماء في قتل الزنديق إذا أظهر الكفر هل يستتاب أم لا .. أو يفرق بين أن يكون داعية أم لا ، أو يتكرر منه ارتداده أم لا ، أو يكون إسلامه ورجوعه من تلقاء نفسه أو بعد أن ظهر عليه؟
المستبد الفرد محب ومتواضع بقوة لكن لأراذل الشعوب لأصحاب صدقة الكبر عليه .. مكلف من قبل نفسه ليكون عدوا لأي بيئة صالحة ومتواضعة وصادقة حتي ولو كانت معه، يعتبرها ورقة دوار الشمس - ميزان - وجدت لتنغص عليه عيشته وجدت لتعريه وتفضحه، وليست فرصة لنجاته، ورزق ساقه الله إليه لنصحه وستره.
فالإستبداد رذيلة بما هو خبرة مذلة محضة، يدفع المستبد ثمن إستبداده مقدما .. يدفعه بإستمرا يدفعه مرتين، مرة لنفسه وهواه، ومرة أخرى لمن هو أشد منه تجبرا وعتوا.
نعم: بهذا المدخل أردت أن أفتتح مقالة (سيف البطولة )
بما هو مصارع للإستبداد والظلم، سيف البطولة بما هو هزيمة لمخطط "أراذل الشعوب" فكان لزاما على أن أنقل الكلام من المجرد الفوضوي المعلق في الفراغ بدون الدخول في الناحية الإجرائية أو الناحية العملياتية كما هو حادث بتعمد وعقيدة لأراذل الشعوب، إلي المتعين علي أرض الواقع.
وحتي لا تصبح "نظرية المؤامرة" المزيفة سيفا مسلطا على رقبة "الفكرة الطيبة" تلك النظرية التي شاعت كاتهام دائم لأى فهم سليم أوعمل جاد. وسيكون حاضرا معنا في المتعين المبتغى عدة نقاط رئيسية:-
أولا: قصة أبو الإستبداد "فرعون موسي" من ناحية الدين كما يحكيها القرٱن الكريم من الأسباب والأبعاد إلى النتائج مرورا بالمنطقة الوسطي - منطقة مصنع الممكنات الواقعة بين المقدمات والنتائج - لكي نصل إلي طرق مواجهة الإستبداد الصحيحة تماما كما وردت في كتاب الله عز وجل، الذي فيه خبر من قبلنا وخبر ما بعدنا، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثانيا: حضور التجربة التاريخية أى "الناحية العملية" في عصرنا الحديث متمثلة في قصة الفكر السياسي الغربي والفكر السياسي الإسلامي من خلال نماذج فكرية ثلاثة شهيرة:-
١- "مقالة العبودية المختارة" للمفكر والقاضي "إيتيان دو لا بويسيه" عن الفكر السياسي الغربي.
٢- مشروع المناضل "عبد الرحمن الكواكبي" من خلال كتابيه
أ - كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الإستعباد".
پ - كتاب "أم القرى"
٣- المفكر الجزائري "مالك بن نبي" في مواجهته الإستبداد وذلك من خلال كتابيه:-
أ - "شروط النهضة".
پ - "مشكلات الحضارة".
وباستعراض هذه التجربة العملية نستطيع أن نفوت الفرصة علي الدعوة المشبوهة التي تريد حصر الأمور في الشريعة.
حيث أن نظام الحكم في الإسلام لا يرتكز فقط علي الشريعة، وذلك يعرفه جيدا من قرأ أصول الفقه قراءة صحيحة، فإستخدام لفظ الشريعة أي ( الكتاب والسنه ) عند هؤلاء المؤولين للإسلام هو شعار باطل المقصود منه إلغاء تجربة الإسلام التاريخية أي الناحية العملية التي وردت في معادلة بن خلدون الشهيرة ( المعرفية، العملية، القيمية، الوجودية ) فالأيدي السوداء وأراذل الشعوب لا يجعلون هذه التجربة ضمن إنتاج الإسلام من أجل ماذا؟!!
من أجل أن يبقي النص عاريا من التجربة لتحقيق تطويره. فالدعوة للكتاب والسنة هي دعوة مشبوهة في بعض صورها إذا جردناها من التجربة التاريخية، لأن الذي يحدد لك مفهوم النص هو الواقع فعندما نقول سيرة النبي .. عندما نقول الصحابة .. عندما نقول ما فعله الخلفاء الراشدون .. أنهم جعلوا التجربة العملية مرجعا لنا لكي نعصم النص من التطويع، من التأويل حيث يمكن التلاعب به.
إذن مرجعية نظم الحكم في الإسلام تستند إلي:-
أولا: وجوب الرجوع إلي الشريعة ( كتاب وسنة ) معا في وقت واحد وليس كما ورد في ترتيب حديث "معاذ بن جبل" رضي الله عنه: والذي ضعفه الشيخ "الألباني" سندا ومتنا عندما بعثه النبي صلي الله عليه وسلم إلي اليمن قال له:
بم تحكم؟.. قال: بكتاب الله .. قال: فإن لم تجد؟.. قال:
بسنة رسول الله .. قال: فإن لم تجد ؟.. قال: أجتهد رأي ولا ٱلوا .. قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله إلي ما يحبه رسول الله ).
هذا الحديث منكر من حيث متنه فلابد من وجوب الرجوع للسنة مع القرٱن الكريم معا لأن هذا الترتيب لا يستقيم إسلاميا أبدا علي هذا التصنيف الذي تضمنه الحديث فالشريعة كلها قامت علي ضم السنة إلي القرٱن الكريم ولا يفرق بينهما، وهناك عشرات الأمثلة علي ذلك،
منها الٱية الكريمة ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ )
فإن الميتة محرمة عموماً، إلا أن السنة أخرجت من هذا العموم السمك والجراد والكبد والطحال، وذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان ودمان، أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال.
رواه أحمد وغيره.
ثانيا: صيرورة التاريخ، تجربة التاريخ وهذه التجربة العملية دليل علي أن الإسلام هو أرقي نظام للبشرية وإن كان فيها بعض الإخفاق من قبل الأشخاص فالكمال لله سبحانه وتعالي.
في مسند الإمام أحمد حديث النعمان بن بشير عن تقسيم الرسول صلي الله عليه وسلم الزمان إلى نبوة ثم خلافه راشدة ثم ملكاً عاضاً ثم ملكا جبريا ثم تعود خلافة راشدة ثم سكت عليه السلام .. هذا الحديث الشريف لا يوجد عالم إلي وأدخله في نظم الحكم .. الحديث تجربة عملية لتطبيق تعاليم الإسلام .. ناهيك عن إشتمال هذا الحديث علي نبوءة ( ثم تكون خلافة علي منهاج النبوة الأولي ) وهذه البشرى هي صلب موضوع "روح البطولة" السنة الكونية السادسة في "عصر المحاربين الشرفاء" .
النموذج الأول: فرعون موسى
تسألوني: هل المستبد يخاف؟!
نعم: يخاف، يخاف من رعيته، يخاف من كل شئ حوله، يخاف وهو في يقظته، يخاف بما يراه في نومه، يخاف وهو بين النوم واليقظة. فانظر إلي أشهر مستبد يمكن أن تعرفه
( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) أنظر إلى إستبداده ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) أنظر إلي تنامى إستبداده
( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ )
إن ما بين مرحلة تكوين فرعون كمستبد ومرحلة ممارسته الإستبداد تكمن المنطقة الوسطي بين المرحلتين وهى طبيعة ونفسية فرعون كمستبد فهي نقطة الإرتكاز الواقعة بين المقدمات والنتائج، هي مصنع الممكنات التي تتم فيها عملية الإستبداد وبالتالي هي نفس المنطقة التي يجب أن نتعامل معها في القضاء علي المستبد والإستبداد فيها تكمن نقطة ضعفة.
ولتوضيح ذلك أسأل نفسك هذا السؤال:
لماذا قرر فرعون قتل أطفال بنى إسرائيل الغلمان الذكور؟؟؟
فى يوم من الأيام رأى فرعون فى منامه أن هناك نار عظيمة تخرج من بيت المقدس تأكل كل ما فى طريقها زاحفة إلى مصر وإذا وصلت أحرقت كل بيوت ٱل فرعون والقبط وتركت بيوت بنى إسرائبل كما هي.
فإرتجف فرعون وذهب إلى كهنته فأخبروة أن هناك صبى سيولد من بنى إسرائيل سينهى ملكك ويكون هلاكك على يده فادرك أن من ببيت المقدس هم بنى إسرائيل الذين يعيشون فى مصر منذ مجىء يوسف عليه السلام وإخوته وأهله واستقروا بها فالغلام سيكون من بنى إسرائيل.
وهنا قرر فرعون بقتل اى صبى يولد من بنى إسرائيل ... فأخبره الكهنة إذا قتلت جميع غلمان بنى إسرائيل من يخدمنا ويلبى طلباتنا فقرر أن يقتل الصبية فى عام والعام الٱخر يتركهم يعيشون، ففى العام الذى تركهم يعيشون يولد نبى الله هارون عليه السلام وفى العام الذى أمر بقتل أى صبى يولد موسى علي السلام.
إن المستبد يخاف من نقمة رعيته أكثر من خوفهم بأسه وهذا يجعل تحريك الرعية أساسي وهذا سبب خوفه من المصلحين واعتبارهم يحركون الرعية على الحاكم والإستبداد والعلم ضدان متغالبان، فالحكام يحبون دين الشعائر ولكن لا يحبون دين الإيمان والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم الظلم، الحاكم يخاف المصلحين فالحاكم لا يحب من له ملكة نظرية لا يحب من له عقل فلسفي لا يحب معتني بالحقوق والعلوم السياسية ويكره هو وسادته أصحاب (عصرالمتكسبين) وأصحاب (عصر المفكرين ورجال الدين) المتزاوجين علي أسرة من حرام في هذه الدورة التاريخية البائسة من حياة البشر.
نعم المستبدون يخافون من (عصر المحاربين الشرفاء)
الذين يقولون: ( لا للفرقة، لا للتدخلات الخارجية، نعم لصناعة البطولة ) إنه الكبرياء بما هو فضيلة صاحبه طالب مجد بما هو عزة ورفعة وشرف ونبل ومكارم مأثورة عن ٱبائه الأحرار (المحاربين الشرفاء) الذين كان أعظم عصر لهم في النبوة المحمدية والخلافة علي منهاج النبوة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بشري الرسول ثم تكون فيكم خلافة علي منهاج النبوة الأولي.
يقول المتنبي:
لا يعرف المجد إلا سيد فطن ... لما يشق على السادات فعال
لولا المشقة ساد الناس كلهم ... الجود يفقر والإقدام قتال
ويقول ٱخر:
تريدين إتيان المعالي رخيصة
ولابد دون الشهد من إبر النحل
ويقول ٱخر:
لا تحسبن المجد تمر أنت ٱكله
لن تبلغ المجد حتي تلعق الصبرا
ويقول ٱخر:
ومن يتهيب صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر
فكن رجلا رجله في الثرى وهامة همته في الثريا فالمرء ليس بصادق في قوله حتي يؤيد قوله بفعاله
( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
يخاطب الله تعالي المسلمين جميعا أنهم حازوا الخيرية المجد والكرامة والعزة عند الله من بين كافة الأمم وأن هذه الخيرية مشروطة بقيامهم بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بما أنها فرض كفاية، والإيمان به تعالي بما أنه فرض عين في كل الأوقات، فكانت هذه الخيرية ميزة لأمة الإسلام فاقت بها كل الأمم كونهم أنفع الناس للخلق فهى ذات قيمة وذات مجد ومنزلة، أريد بها أن تكون طليعة في الأمم، وصاحبة القيادة، فهي أمة رائدة ومشروع مجدها هو البطولة الحقيقية التي يحاربها المستبد وأعوانه المنافقون وكلاء أعداء الأمة
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )
النموذج الثاني: إيتيان دو لا بويسيه
في مقالة العبودية المختارة
نبيل فرنسي من عائلة ثرية جدا مات وعنده ٣٢ عام لكن قبل ٥٠٠ سنة ترك بصمة في كتابه "مقالة في العبودية المختارة" وهو ليس بكتاب إنما رسالة أملاها علي صديقه المشرع الفرنسي المشهور وهو يحتضر عنده فالكتاب مع المقدمة لا يتجاوز ٩٠ صفحة ولغته مرافعة كمحامي، توفى والده فرباه عمه، وهو لم يتجاوز ٢١ عام دخل مجلس النبلاء الفرنسي من شدة ذكائه وعقليته وفهمه للتاريخ والقانون، تدرج وتزوج إبنة رئيس البرلمان الأرملة الجميلة،
لكنه أصيب بالسل، حكي لصديقه وسلمه رسالته الإنسانية التي اعتبروها واحدة من أساس للفلسفة الفوضوية السياسية، واعتبروا إيتيان واحد من ٱباء هذه الفوضوية وهي تعني .. لا حاكم وأن الحكم شر مطلق، وجود حاكم شر مطلق، فالسلطة هي العدو الأساسي للفوضوية، وهي عدة مدارس:-
فوضوية فردية وأخري جماعية، فوضوية إشتراكية وأخرى شيوعية، وفوضوية مسيحية.
والثورة الأسبانية ١٩٣٠ - ١٩٣٦ واحدة من الثورات التي تأسست علي الفوضوية. "إيتيان دو لا بويسيه"واحد من أسياد الفوضوية ومن ٱباء المدرسة الفوضوية رغم أن الكتاب ليس به كلمة عن ذلك ومصطلحات الفوضوية ظهرت في القرن التاسع عشر، وتجد واحد مثل "باكمين" الروسي مؤسس للفوضوية الإشتراكية التي تأثر به "ناعوم تشاومسكي"
الرجل أول ما يتكلم يعطيك أمثلة أن البشر مخلوقين أحرار ويقول أن الحرية مبذورة في طبيعة الإنسان كغريزة لكن بشكل ما هي ضعيفة يغطي عليها الطبع الناشئ عن البيئة الإجتماعية في التنشئة. الرجل مهوس بالحضارة الإغريقية ويكثر من الملاحظات، دوما يؤمن بأن الملوك شر مطلق ولغة الرسالة قديمة يكثر فيها من ذكر ٱلهة وحكام الإغريق ويعطيك أمثلة بإسبرطة ويبرهن دولا بويسي على فكرة الحرية باعتبارها صناعة بيو اجتماعية تلعب التنشئة دورا مركزيا في تقويتها أو نسفها حينما يتحدث عن "ليكورغس" مشرع إسبارطا الأسطوري، هذا الأخير ربى كلبين شقيقين سمن أحدهما في المطبخ وترك الثاني يجري في الحقول على صوت البوق في الصيد، وحينما أراد أن يبرهن لشعب لاسديمونيا ( إسبارطة ) أن الناس هم على ما يربون عليه، وضع الكلبين في وسط السوق ووضع بينهما طبق حساء وأرنبا بريا، فجرى أحدهما نحو الطبق والآخر وراء الأرنب، وبالتالي إن التنشئة هي تجعلنا أحرار أو عبيدا، فأبقراط نشأ على الحرية ورفض الهدايا التي كانت تأتيه من ملك الفرس، لذلك كثيرا ما يلجأ الطغاة إلى الحيلة كوسيلة من وسائل تعمية الشعب.
"إيتيان دو لا بويسيه" لخص الأفكار في ٱخر خمسة صفحات في كيف تسير عبد؟
وكيف تتخلص من العبودية؟.. وهو ضد العنف رغم أن هذا الكتاب إندهس بخطابات "مارا" و "روبيس بير" قادة الثورة الفرنسية واستخدموا هذا الكتاب ووظفوه أسوء توظيف لكن الكتاب ضد العنف .. أخذل .. قاطع .. لا تفعل شئ .. لا تناصرهم .. لا تكلمهم .. لا تنتخبهم .. الخذلان موجود في هذا الكتاب المقاطعة الإيجابية...
النموذج الثالث: عبد الرحمن الكواكبي في الميزان
لماذا ندرس الكواكبي؟!!
هناك نقاط جد خطيرة أخفق فيها الكواكبي في مشروعه وكلها نقاط مرتبطة ببعضها البعض علي سبيل المثال وليس الحصر بما يتسع به المقام هنا:-
١- بالرغم من دراسته للبيئة المحيطة بمشروعه دراسة جيدة إلا أنه وقع في نفس الخطأ وهو فتح باب الشر الذي كان يحذر منه ألا وهو إستغلال المستبد الخارجي للثغرة التي يمكن أن تحدث نتيجة الخروج علي الحاكم المستبد في الداخل فتقع البلاد في أيدي المستبد الخارجي.
٢- فصل الدين عن الدولة وهذا واضح من كلامه عندما دعي بأن السلطة السياسية عند "الس4لطان عبد الحميد" والسلطة الروحية عند "الشريف" في مكة.
٣- لم يراعي السياق العام في البيئة الإجتماعية والمتغيرات الطارئة عليها وذلك عبر نقطتين:-
أ- إغفالة الجهود والمحاولات الإصلاحية التي يقوم بها "السلطان عبد الحميد" ورفاقه المصلحين وإتصاله بالكواكبي عدة مرات ليكون من فريق الإصلاح.
ب- عدم مراعاته حالة التهيئة الإجتماعية وهي إرادة المسلمين وبطولتها الساعية للإصلاح، ولاسيما عقب تكالب كل قوي الخارج علي الخلاقة في وقت واحد وليس فرنسا ضد السلطان فيكون الإنجليز مع السلطان أو العكس بما كان يطيل من أمد السلطنة العثمانية المنهارة.
٤- وقوعه في التناقض المعرفي: مرة يقول إن العوام إذا علموا عملوا وإذا جهلوا قعدوا فهو بذلك يعيب علي العوام بما أنهم - رأي عام منقاد - لمن يقدم لهم الفكر والوعي وفي نفس الوقت ينكر عليهم بطولتهم التي كانت في مرحلة إستواء بما رأوه من تكالب الأمم علي السلطان المشهود له بالصلاح.
٥- كيف يعالج الكواكبي الإستبداد؟.. هل بطريقة جمال الدين الأفغاني أم بطريقة محمد عبده؟.
قبل أن يجيب الكواكبي يقول أولا: هناك مشكلة في الأمم الشرقية عندما يثورون أو يريدون أن يغيروا حاكما مستبدا لا يتحركون من منطلقات قيم الإستبداد السلبية أو ثقافة الإستبداد وإنما يثورون ليغيروا الحاكم بطريقة الثأر فتكون المشكلة شخصية إنتقامية بحيث إذا أزالوا هذا الحاكم فإن أتي الذي بعده أكثر إستبدادا فهذا ليس بمشكلة في أنهم أسقطوا هذا الحاكم.
إن قضية التوعية والتثقيف والإصلاح هي القاضية علي الإستبداد وهذا يعني أنه ينتمي إلي المدرسة الإصلاحية التي هي في مقابل الثورة لأن الإصلاح عنده يقوم علي التدرج لكن الثورة تقول: كلا .. الناس تخرج للشارع وهذه سقطة رهيبة تعتبر مربط الفرس وبيت القصيد لأنه وغيره من المفكرين العرب والمسلمين جهلوا أن الثورة الحقيقية ثورة المعلومة القيمية، الثورة الحضارية الخامسة، لها نوعان متلازمان لايمكن فصل أحدهما عن الٱخر ثورة معرفية خلقية، وثورة العدد والضخامة - أى الوحدة - وأنها أي الثورة ليست شئ مختلف عن طريق الإصلاح المتدرج وهذا بحسب أن الثورة تحقق لها علمان وليس علم واحد: علم طبيعة تكوينها، وعلم طريقة توصيلها.
٦- وقوعة في السذاجة السياسية "فالكواكبي" أحيانا بقوميته يصل بها قريبا من العنصرية وفي نفس الوقت تجد في كلامه حرصا علي الدولة العثمانية كما ذكر البعض فهو ليس شامت أو حاقد علي الدولة العثمانية بقدر ما هو خائف علي أنها أصبحت عبء علي الأمة وغير قادرة علي أداء وظيفتها.
فكيف نفهم موقفه من الترك ومداهنته الأوروبيين بهذين الموقفين وبهذه السذاجة السياسية التي وقعت فيها نخب من المشرق العربي راهنت على الأوروبيين في القطيعة مع العثمانيين. حتي أن أستاذه "محمد رشيد رضا" إنتقده وقال عنه: "إن الكواكبي كان رجلا أبيا وشجاعا ومقاوم الإستبداد ولكن كان فيه سذاجة سياسية إستغلها الإنجليز كما إستغلوا كثيرين ٱخرين ضد الدولة العثمانية.
النموذج الرابع: مالك بن نبي
في الميزان
وقفة هامة مع المفكر العظيم المظلوم هو ومشروعه ظلما بينا المفكر السياسي ( مالك بن نبي ) ١٩٠٥ - ١٩٧٣، له سجل فكري ونضال ثقافي بعيدا عن المقاومة العسكرية، فهو يحتل مكانة مرموقة في الفكر العربي المعاصر ولاسيما في ظل القيود التي فرضها المستعمر وبالأخص المستعمر الفرنسي في الجزائر.
واخترنا كتابين له وهما:-
شروط النهضة الصادر باللغة الفرنسية سنة ١٩٤٨، وترجم إلي العربية سنة ١٩٥٩، وكتاب مشكلات الحضارة ١٩٥٩، فهما يختزلان المواقف والرؤى في مواجهة المستعمر الرقيب أي دولة خارجية حيث يقوم المستعمر الخارجي بدراسة الٱثار النفسية التي تحول المستعمرين إلي أدوات في يد المستعمر بحيث يشعرون أو لا يشعرون فيقول:
إن القضية عندنا منوطة أولا: بتخلصنا مما يستغله الإستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته من حيث نشعر أو لا نشعر وما دام له سلطة خفية علي توجيه الطاقة الداخلية عندنا وتبديدها وتشتيتها علي أيدينا فلا رجاء في استقلال ولا أمل في حرية مهما كانت الأوضاع السياسية.
كتب "مالك بن نبي" هذا في إطار مصطلح "القابلية للإستعمار" وهي كأطروحة تعتبر عنوان إشكالي من حيث تقبله وتلقيه فهذا العنوان من رأي البعض القليل الذي أنصف "مالك بن نبي" المظلوم يحتمل عدة مستويات من التلقي فقد يكون عنوانا مستفزا خاصة أن أجزاء كبيرة من وطننا العربي عانت من الإستعمار ومنها الجزائر موطن المفكر "مالك بن نبي" وما زالت كل بلدان المسلمين تعاني من الإستعمار لكن في صورته الأشد والأخطر وهي استعمار الهيمنة.
وقد يكون العنوان مثيرا للتساؤل عن طبيعة هذه القابلية للإستعمار.
وقد يكون العنوان محرضا على فهمه ومقاربته من خلال منظومة المفاهيم التي يعظمها "مالك بن نبي" في دراسة الإستعمار وفهمه، وفيها على سبيل المثال:-
مفهوم "المعامل الإستعماري" ومفهوم "معامل القابلية للإستعمار" وهما مفهومان متصلان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الٱخر.
ومن خلال هذين المفهومين يبين "مالك بن نبي" كيف يدمر الإستعمار الفرد في البلاد المستعمرة بطريقة ممنهجة، فالمعامل الإستعماري عامل خارجي يفرضه المستعمر على حياة الفرد ويعمل على تدمير قيمته وذلك باحاطته بشبكة محكمة ينسجها المستعمر .
أما معامل القابلية للإستعمار فهو معامل ينبعث من باطن الفرد الذي يقبل على نفسه هذه الصبغة، والسائد في تلك الحدود الضيقة التي رسمها له الإستعمار وحدد له فيها حركته وأفكارهم وحياته وهو معامل داخلي يستجيب للمعامل الخارجي ويستشهد مالك بن نبي بمقولة أحد المصلحين ( أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم ) .
كتب المفكر "مالك بن نبي" هذا في إطار واضح أن هذه الهيمنة لا تتجه إلي عامة الناس بل إلي نخبهم الثقافية هؤلاء هم القابلين للإستعمار فهم الذين يتحولون إلي أدوات تخدم المستعمر دون أن يشعروا .. يتحولون إلي قابلين للإستعمار . النخب هي التي لا تعرف تلك القوى معرفة كافية،
وهي التي يخاطبها مالك بن نبي فيقول:
إن الإستعمار لا يتصرف في طاقاتنا الإجتماعية إلا لأنه درس أوضاعنا النفسية دراسة عميقة وأدرك منها مواطن الضعف فسخرها لما يريد كصواريخ يصيب بها من يشاء، فنحن لا نتصور إلي أي حد يحتال ليجعل منا أبواقا يتحدث فيها وأقلاما يكتب بها إنه يسخرنا وأقلامنا لأغراضه يسخرنا له بعلمه وجهلنا والحق أننا لم ندرس الإستعمار دراسة علمية كما درسنا هو حتي أصبح يتصرف في بعض مواقفنا الوطنية وحتي الدينية من حيث نشعر أو لا نشعر.