تقرير حيدره الكازمي:
بدأ الشاب مهدي يومه كالمعتاد بقيادة سيارته الخاصة منطلقاً من قريته نحو سوق المدينة.
غير أن احداث اليوم كانت مغايرة ليوميات مهدي الذي تفاجأ بوابل من الرصاص من سلاح آلي (كلاشنكوف) وقد اخترقت سيارته في أماكن متفرقة..
كان مهدي على مقربة من الموت الذي شاهده على وقع اصوات النيران لكنه نجى بأعجوبة.
وخلال ساعات قليلة على وقع الحدث تداعت القبيلة التي ينتمي اليها مهدي من كل حدب وصوب..
وبدا التجمع القبلي كما لو انه ساحة حرب بعد ان حضر رجال القبيلة بأسلحتهم النارية ، وزاد من تعقيد الوضع انكشاف أمر الجناة الذين ينتمون لقبيلة اخرى.
هي الحرب إذاً، التي بدت شرارتها تتطاير من افواه رجال قبيلة مهدي وهم يرددون عبارات الويل والثبور ضد القبيلة المعتدية.
وقبل ان يتوجه رجال القبيلتين لخنادقهم استعدادا لمواجهة وشيكة، تدخل العقلاء والحكماء ونجحوا في احتواء قتال قبلي وحقنوا دماء لو نزفت اولى قطراتها فلن تتوقف على المدى القريب.
لقد نجح الوسطاء والمشائخ من قبائل أخرى في وقف النزاع الذين كان يتداعى بصورة متسارعة، والذي كان له صلات بالنزاع الدائر بين اطراف الصراع في اليمن.
تبين لاحقا ان استهداف الشاب مهدي كان على طريق الخطأ بعد أن ظن الجناة انه موالي للطرف السياسي المعادي لهم، لتنتهي خلافات القبيلتين بصلح قبلي "تحكيم" برعاية زعامات قبلية وشخصيات اجتماعية.
ضحايا النزاعات:
تعاني اليمن العديد من المشاكل والأزمات التي أثرت على حياة المواطنين وسببت عجزاً للدولة ، وحالت دون قدرة المجتمع على التحول المدني السلمي ، و من أهم تلك المشاكل والأزمات ظاهرة الثأر أو النزاع القبلي والتي تعد من الظواهر السلبية التي لاتزال حاضرة بقوة في اغلب المناطق اليمنية، خاصة في ظل انتشار السلاح الناري الذي باتت له اسواق اكثر وراجا منذ اندلاع النزاع المسحل في اليمن قبل نحو سبعة أعوام.
حصد الثأر أرواح المئات من اليمنيين فيما لا تتمكن الدولة اليمنية من فرض حضورها خصوصا في مناطق سيطرة القبائل وأغلبها في ريف اليمن.
وقالت لجنة شكلت مطلع العام 2004م بقرار جمهورية، للصلح ومعالجة الثارات، إن أهم أسباب ظاهرة الثأر هو انتشار الأسلحة في أوساط المجتمع اليمني حيث أشارت تقارير حينها عن انتشار 60 مليون قطعة سلاح بين اوساط اليمنيين (الرقم مرشح للزيادة في ظل ما تشهده اليمن من نزاع مسلح)
اللجنة قالت ايضا في تقريرها المقدم لمجلس الشورى ان من بين الاسباب عدم وجود أجهزة أمنية وقضائية قوية تحسم في قضايا الثأر والنزاع، وضعف الوازع الديني وضعف التماسك بأعراف وتقاليد القبيلة، والتنازع على ملكية الأراضي بين القبائل والسيطرة عليها، وظاهرة انتشار المؤاخاة والرباعة ( السماح لمرتكب جريمة القتل عمداً أن ينجو من جريمته والهروب للاحتماء بقبيلة أخرى) وغيرها من الأسباب.
خمسة يمنيين يقتلون كل يوم بسبب الثأر:
وتتركز قضايا الثأر في عدد من المناطق اليمنية وفي مقدمتها محافظات مأرب وذمار وصعدة والجوف وشبوة والبيضاء وعمران و أبين.
واستمرارا لتقرير لجنة الثأر فقد بلغت ضحايا الثأر في عام 2002م حوالي 1928 ضحية في أربع محافظات ذمار 530 قتيلا، وعمران 527 قتيلا، وصنعاء 510 قتيلا، والبيضاء 361 قتيلا، وذلك .
ولا تتوافر احصائيات دقيقة بشأن قضايا الثأر المنتشرة خلال الأعوام الأخيرة وبالذات من بعد اندلاع الحرب والأزمة اليمنية في عام 2015م.
ولعب الثأر دوراً كبيراً في غياب التنمية والاستقرار وتفشي الأمية والجهل وهروب الأطفال من المدارس وتحول العديد من مناطق القبائل إلى مناطق نزاع وحرب راح ضحيتها الكثير من الأبرياء.
حضور موازي:
تمثل القبيلة مستوى اجتماعي يوازي حضور الدولة وتقوم بحماية وحكم مناطقها ولديها قوانين واحكام لتسيير شؤون الحياة فيها تعرف باسم (الاعراف القبلية).
وفي ظل الوضع الذي تمر به البلاد وعدم مقدرة الدولة على تطبيق النظام والقانون وصعوبة وصولها الى المناطق القبلية في الريف اليمني لحل وايقاف النزاعات والثارات القبلية؛ حيث تستمر بعض الحروب القبلية لسنوات طويلة قد تتجاوز عقود عدة، فيما تنتهي بعض تلك النزاعات والصراعات إثر تدخل أطراف أخرى لديها الأدوات المساعدة لإيجاد الحلول المناسبة لتلك القضية تعمل على تهدئة وحل النزاع.
صورة إيجابية:
وفي ظل الوضع الراهن يتصدر الصلح القبلي(التحكيم) الذي يقوم به مجموعة من الوجاهات والشخصيات القبلية بجهود ذاتية لتهدئة وحل النزاعات القبيلة، حيث يعتبر أحد الركائز التي تساعد على تعزيز السلام والسلم المجتمعي في مناطق القبائل وينقل صورة ايجابية واضحة للجميع، تؤكد أن المجتمع القبلي يرفض النزاعات والثارات؛ ويعمل على تهدئتها وحلها بشكل كامل ولو استمرت لسنوات عديدة.
حيث أن القبائل الأخرى وعبر مشائخها وزعمائها لا تقف متفرجة على المعارك المندلعة بين الأطراف القبلية وتسعى إلى وقف القتال وحل المشاكل الناجمة عن أسباب عديدة وتنتهي الكثير منها بالحلول القبلية.
ويؤكد الشيخ أحمد عبدالله الشمعي رئيس اللجنة الأهلية في مديرية المحفد بمحافظة أبين - على اهمية حل النزاعات والثارات بين القبائل اليمنية، والعمل على نشر ثقافة التعايش.
ويضيف الشمعي: للجنة الأهلية لمديرية المحفد اهتمامات ومجالات متعددة، تحت شعار مصلحة المجتمع والمديرية فوق كل الانتماءات السياسية والحزبية وغيرها.
وأردف: عملنا على حل العديد من قضايا النزاعات والثارات القبلية، وساهمنا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة ضمن المصالح المشتركة، ونجحنا في حل تلك النزاعات إما للوصول إلى حل بتراضي الأطراف أو بالتحكيم للجنة الأهلية فنأخذ الضمانات منهم وكل طرف يحضر ما معه من حجج وشهود ووثائق ويتم الإطلاع عليها؛ ووفق ذلك تصدر اللجنة الحكم وأي تخلف أو رفض من أي طرف للتوقيع و القبول بالحكم يتم الزامهم بالضمانات؛ والحمدلله تم إنهاء وحل أكثر من 40 قضية نزاع من القضايا المعقدة التي أخذت فترة زمنية طويلة مثل حوادث القتل والاصابات ونزاع الأراضي وغيرها التي تحدث بين القبائل وفي داخل القبيلة الواحدة.
المؤمنون إخوة:
بدوره يقول الشيخ عوض احمد المنصب أحد وجاهات ومشائخ المحفد باكازم: انطلاقاً من قوله تعالى " انما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم ..."وقوله تعالى " لا خير في كثير من نجواهم الا من أمر بصدقة أو معروف أو اصلاح بين الناس..." فإن أهل الخير والصلاح ودعاة السلام ومن يسعون في حل النزاعات ودائماً نسعى بكل ما أوتينا من جهود للاصلاح بين الناس وحل القضايا العالقة بين القبائل أو حتى أبناء القبيلة الواحدة وتحكيم العقل في اخراج الناس من براثن النزاع والصراع وكثير من القضايا تم حلها جذرياً وانهاء النزاع بالتحكيم ، وبعض النزاعات تم ايقافها مؤقتا لامتصاص حدة النزاع عند الأطراف وبعدها ننتقل لمحاولات الصلح النهائي عندما نشاهد بوادر ايجابية من أطراف النزاع.
ووجه الشيخ عوض المنصب رسالة لجميع المناطق القبلية في اليمن للعمل على تعزيز دور الصلح القبلي الذي يعتبر ركيزة أساسية في بناء السلام وهو فعل ونشاط ايجابي ينقل صورة واضحة ومهمة لما يحدث في عمق القبيلة اليمنية بعد أن كثر اللغط أنها أصبحت مصدره للنزاع والثارات القبيلة.