د/ محمد سيد احمد
الدولة وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه الفقراء والكادحين وطريقة تعاملها مع الجماعات الإرهابية تلعب دورا رئيسيا إما في مواجهة ومكافحة الإرهاب، وإما مساعدته على الشيوع والانتشار داخل المجتمع، هذه قاعدة يمكن تعميمها على كل دول العالم، وإذا ما أخذنا نموذج الدولة المصرية وتعاطيها مع جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها وحتى الآن يمكننا أن نثبت صدق فرضيتنا التي ننطلق منها في هذا المقال.
فالجماعة نشأت في عام 1928 على يد "حسن البنا" بدعم من المخابرات البريطانية في ظل وجود الدولة المصرية تحت الاحتلال البريطانى، وسلطة ملك لا حول له ولا قوة فيما يتعلق بعملية صنع واتخاذ القرار، وقررت الجماعة منذ اليوم الأول السير في اتجاهات متعددة الأول دعوة دينية، والثانى تقديم خدمات اجتماعية واقتصادية للفقراء والكادحين، وما أكثرهم في ظل مجتمع كان يطلق عليه مجتمع النصف في المائة.
والثالث سياسي يسعى للوصول للسلطة، والرابع مليشيا عسكرية إرهابية يمكن اللجوء إليها عند الحاجة لتهديد الخصوم، وفى ظل غياب دور الدولة في احتضان الفقراء والكادحين تمكنت الجماعة من التغلغل داخل بنية المجتمع وتكوين رصيد اجتماعى مؤيد لها مكنها من الوجود على الساحة المجتمعية بشكل عام والسياسية بشكل خاص.
وقامت ثورة يوليو 1952 وتمكن جمال عبد الناصر ورفاقه من السيطرة على مقاليد الحكم، وبدأ الصدام مبكرا بين الدولة الجديدة والجماعة الإرهابية، وحاولت الدولة إدماج الجماعة داخل المجتمع لكنها رفضت، فأخذت الدولة على عاتقها التصدى لها ومكافحة إرهابها فشنت على قادتها حملة اعتقالات كبرى كرد فعل على محاولاتهم اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، لكن الدولة لم تكتف بالحل الأمني فقط.
بل أخذت على عاتقها عزل الرصيد الاجتماعى المتعاطف مع الإخوان المسلمين من خلال رعاية الدولة للفقراء والكادحين، التي كانت الجماعة تقدم لهم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية لجذبهم إليها ولإظهار ضعف دور الدولة وتخليها عن مسئوليتها تجاه مواطنيها، وبذلك تمكنت الدولة من محاصرة الجماعة الإرهابية، وخلال هذه الفترة ندرت الأحداث الإرهابية، وتم السيطرة على الجماعة التي اضطرت إلى الهجرة خارج البلاد وانحصرت أعداد المؤيدين لها بفعل سياسات الدولة الحاضنة للفقراء والكادحين.
وجاء السادات في نهاية عام 1970 ولم يكن له قبولا شعبيا، وقرر في عام 1971 التصدى لخصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين واستخدم فزاعة الجماعة الإرهابية فعقد صفقة مشبوهة مع الجماعة، فأفرج عن قياداتها وأعضائها لمواجهة خصومه السياسيين، وفى نفس الوقت بدأت سياسة الدولة تعود مرة أخرى للتخلى عن مسئوليتها في رعاية مواطنيها ودعمهم اجتماعيا واقتصاديا بإعلان سياسة الانفتاح الاقتصادى..
وفى الوقت الذي عادت فيه الجماعة للعمل بقوة داخل المجتمع وتحت سمع وبصر وتأييد الدولة كان المواطن المصرى الفقير والكادح يئن من سياسات الدولة المتخلية عن رعايته.
وهنا بدأ المواطن في البحث عن بديل، وكانت الجماعة الإرهابية جاهزة للقيام بدور الحاضن المقدم للخدمات، وبذلك عاد للجماعة رصيدها الاجتماعى الذي كانت قد نزعته عنها الدولة في الخمسينيات والستينيات، ولم تكتف الجماعة بذلك بل فرخت العديد من الجماعات الإرهابية الصغيرة مثل جماعة "صالح سرية" المعروفة إعلاميا بتنظيم "الفنية العسكرية"، وجماعة "التكفير والهجرة" لشكرى مصطفى التي قامت باغتيال الشيخ الذهبى، ثم جماعة "الجهاد" التي قامت في النهاية بقتل السادات نفسه، وخلال هذه المرحلة شهد المجتمع المصرى نشاط كبير للجماعات والتنظيمات المسلحة التي قامت بدورها بالعديد من العمليات الإرهابية.
وجاء مبارك في نهاية عام 1981 وقرر منذ اليوم الأول السير على نهج سلفه، وظلت سياسات الدولة كما هي تجاه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، فهناك صفقات مستمرة على طريقة المرحوم أنور السادات مع الجماعات الإرهابية بواسطة الأجهزة الأمنية خاصة الجماعة الأم، كما اعترف وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى أثناء محاكمته..
واستمرت سياسات التخلى عن المواطن المصرى الذي ظل يبحث عن بديل يشبع من خلاله احتياجاته الأساسية، وتمددت أدوار الجماعة الأم في تقديم المساعدات الاجتماعية والاقتصادية للفقراء والكادحين، ومن خلال هذا الدور اكتسبت أرضية كبيرة ورصيدا اجتماعيا ضخما مؤيدا لها، وحين قامت ثورة 25 يناير 2011 انتهزت الجماعة الفرصة وانقضت على السلطة السياسية ونجحت في الوصول للحكم بواسطة المتعاطفين معها من الفقراء والكادحين الكارهين للنظام السياسي القديم الذي كان ممثلا للدولة.
ومنذ 30 يونيو 2013 تم الإطاحة بالجماعة الإرهابية من سدة الحكم وإيداع قادتها في السجون، وعدم السماح بأى نشاط معلن أو سرى للجماعة وبذلك تكون الدولة قد خطت الخطوة الأولى في طريق المواجهة الصحيحة، لكن هذه الخطوة غير كافية لأنها ترتبط بخطوة أخرى وهى تعديل السياسات الاجتماعية والاقتصادية لتصبح الدولة حاضنة للفقراء والكادحين.
فما زال المواطن حتى الآن يبحث عن بديل يرعاه بدلا من الدولة، والبديل الجاهز تاريخيا هو الجماعة الإرهابية، لذلك على الدولة أن تتحرك فورا لفصل وعزل الجماعة الإرهابية عن رصيدها الاجتماعى، عبر مجموعة من الإجراءات الاجتماعية والاقتصادية المنحازة للفقراء والكادحين، هذا هو الحل الوحيد ليشكل هؤلاء الفقراء رصيدا اجتماعيا مؤيدا للدولة ومعاديا للإرهاب، فهذه هي الطريقة المثلى للمواجهة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق