عقد نهاية الأسبوع الماضى في العاصمة البولندية وارسو مؤتمرا عربيا – صهيونيا تحت عنوان "السلام والأمن في الشرق الأوسط" لمناقشة الأخطار التي تهدد منطقة الشرق الأوسط، وانتهت القمة المزعومة بحتمية مواجهة العدو الإيراني، باعتباره الخطر الداهم الذي يهدد أمن العرب والصهاينة معا..
ولأول مرة تسقط الأقنعة بشكل كامل ويجلس رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو على طاولة واحدة ويلتف من حوله بعض وزراء الدول العربية المزعومة، الذين هرولوا لالتقاط الصور التذكارية مع رئيس وزراء العدو الصهيونى، الذي منحهم شرف كانوا يتسابقون إليه سرا ليتحول إلى العلن وأمام وسائل الإعلام العالمية لينقل إلى الرأي العام العربي والعالمي..
ولم يكتفَ المجتمعون بهذا العار بل تفوه بعضهم بكلمات أقرب إلى الكفر، حيث اعتبر وزراء بعض الدول إيران هي العدو الحقيقي لهم، ولابد من التعاون المشترك مع العدو الصهيوني لمواجهته.
وهنا لابد من التذكير بأن العداء العربي -الصهيونى هو عداء تاريخى له جذور ممتدة منذ نهاية القرن التاسع عشر عندما ازدادت هجرة اليهود الأوروبيين إلى فلسطين التي كانت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، حيث قاموا بالاستحواذ على الأراضي العربية من العرب والعثمانيين المعروفين حينها باسم الأفنديين، وقاموا بإنشاء مستوطنات زراعية يهودية في محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية التي يغلب عليها السكان العرب.
وخلال مرحلة الانتداب البريطاني في مطلع القرن العشرين قامت حكومة بريطانيا العظمى في عام 1917 بالإعلان عن وعد بلفور الذي يؤيد إقامة وطن قومى لليهود في فلسطين، وهو ما أدى إلى تفاقم الصراع بين أصحاب الأرض العرب وبين اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين خلال الفترة العثمانية.
واستمر العداء والصراع لمدة ثلاثة عقود كاملة تمكن العدو الصهيونى من فرض نفوذه على الأرض العربية الفلسطينية بمساعدة السلطات الانتدابية البريطانية التي انسحبت بعد إعلان العدو الصهيوني قيام دولته المزعومة في 14 مايو (آيار) 1948 ودخلت ستة جيوش عربية في حرب فلسطين ( مصر –سورية –العراق –الأردن –لبنان –السعودية ) ونالت أول هزيمة أمام العدو الصهيونى..
وكانت نكبة حقيقية حيث انتهى القتال بتوقيع اتفاقية هدنة عام 1949 بين العدو الصهيونى والجيران (مصر –سورية –لبنان – الأردن)، وسيطر العدو الصهيونى على المنطقة التي كان مفترض أن تخصص للدولة اليهودية وفقا لقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحدة في عام 1947 تحت رقم 181، بالإضافة إلى أكثر من نصف المساحة المخصصة للدولة العربية الفلسطينية، كما تم الاتفاق على إدارة مصرية لقطاع غزة وأردنية للضفة الغربية، وظل الوضع كذلك حتى قام العدو باحتلال باقى الأراضي العربية بعد نكسة يونيو ( حزيران ) 1967.
وبعد النكسة دخلت مصر حرب الاستنزاف مع العدو الصهيونى وكان الهدف الرئيس من هذه الحرب وكما أعلنها الزعيم جمال عبد الناصر هو إعادة الثقة للمقاتل المصرى بعد هزيمة 1967، وتحطيم أسطورة المحارب الصهيونى الذي لا يقهر التي روج لها عبر وسائل الإعلام الغربية الحليفة للعدو الصهيونى، وتمكنت القوات المصرية من توجيه عدة ضربات موجعة للعدو الصهيونى منها عملية إيلات التي تم فيها تفجير الميناء والبارجة الصهيونية الموجودة به، هذا إلى جانب عملية تفجير الحفار الصهيوني في المحيط الأطلسي، ومهدت حرب الاستنزاف الطريق لخوض حرب أكتوبر (تشرين ) 1973 والتي انتصرت فيها الجيوش العربية ( مصر – سورية ) لأول مرة على العدو الصهيونى وتحطمت أسطورة الجيش الذي لا يهزم.
وبعد حرب أكتوبر ( تشرين ) 1973 دخل العداء والصراع العربي -الصهيوني مرحلة جديدة تماما، حيث قرر العدو الصهيونى عدم الدخول في مواجهات وحروب كبرى مباشرة على غرار حرب أكتوبر (تشرين)، لكنه سيقوم بعملية جهنمية لإنهاء العداء والصراع عبر عمليات سلام مزعومة مع الدول العربية، ومحاولة خلق عدو جديد للعرب ليصرفهم عن عدائهم معه..
وللأسف الشديد فقد نجحت الخطة الصهيونية الشيطانية بإخراج مصر من دائرة الصراع عبر (كامب ديفيد) وفى نفس التوقيت تورطت العراق في حرب الخليج الأولى ( 1980 – 1988 ) مع إيران وبدون مبررات مقنعة، حيث ظهر ولأول مرة الخوف من تمدد الثورة الإيرانية إلى المناطق العراقية التي يسكنها أبناء المذهب الشيعى، ومن هنا ظهرت الورقة الطائفية البغيضة لتصبح الورقة التي يستخدمها العدو الصهيونى لاستبدال العداء العربي -الصهيونى بالعداء العربي -الإيرانى.
وخلال الحرب العراقية - الإيرانية قامت دول الخليج بالوقوع في فخ العداء مع إيران عن طريق دعمها لصدام حسين، إلا أن العلاقات تحسنت نسبيا بعد حرب الخليج الثانية ( الغزو العراقى للكويت ) 1991، وفى الفترة الأخيرة ازداد التوتر بعد أن بدأت إيران في تطوير قدراتها النووية حيث لعبت أمريكا وإسرائيل دورا في تزكية الفتنة حيث اقنعت حكام تلك الدول أن امتلاك إيران للسلاح النووى يشكل تهديدا لأمن الخليج والشرق الأوسط..
والغريب في الأمر أن هؤلاء الحكام يعصبون أعينهم عن 200 قنبلة نووية يمتلكها العدو الصهيوني ولا يجدون فيها أي تهديدا لأمن بلادهم والمنطقة، في حين أن محاولة إيران امتلاك هذا السلاح النووى هو ما يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة، وتدخل هذه المحاولات الصهيونية ضمن الخطة الجهنمية التي يستخدمها العدو الصهيونى لإنهاء العداء العربي معه وخلق عداء جديد عربي - إيرانى وبذلك يتمكن العدو الصهيونى من استكمال مشروعه بنجاح.
لكن ورغم كل هذه المحاولات الصهيونية سيظل العداء العربي -الصهيوني هو أطول العداءات في التاريخ ولن ينتهى على المستوى الشعبي مهما فعلت الحكومات من معاهدات مزعومة للسلام مع ذلك العدو الصهيوني، ففى الوقت الذي يقوم فيه بعض حكام الدول العربية بعقد اتفاقيات سلام تجد الشعوب العربية في مصر وفلسطين والأردن ترى العدو الصهيونى هو عدوها الأول، وبالطبع لا تجد هذه الاتفاقيات أي صدى إيجابي داخل الشارع العربى من المحيط إلى الخليج.
وعلى الرغم من هرولة بعض الحكام العرب الآن تجاه العدو الصهيونى وإقامة علاقات سرية معه تنكشف مع مرور الوقت وتبرز للعلن، ومحاولات تطبيع العلاقات معه بشتى الطرق في محاولة للتأثير على المزاج الشعبي لصرف نظره عن هذا العداء التاريخى، ومحاولة استبداله بالعداء الإيرانى لكن كل هذه المحاولات لن تنجح فالعدو الصهيوني عدو تاريخي..
أما إيران فهى جارة نتفق أو نختلف معها لكن لا يمكن أن تتحول إلى عدو يصرفنا عن عدونا الأساسي المشترك الذي يغتصب الأرض العربية ويقتل ويشرد الشعب العربي الفلسطيني ويهددنا جميعا بامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، وما قمة وارسو الأخيرة إلا عار جديد، لأن هذا الناتو العربي – الصهيونى المزمع القيام به، لن ينال من إيران بل سيصب في صالح العدو الصهيوني، فوجود إيران النووية يشكل معادلة قوة في المنطقة مع العدو الصهيوني، أفيقوا يرحمكم الله، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق