بقلم د/محمد سيد احمد
لن نمل ولن نكل من التذكير بأنها كثيرة هي الأفكار الشريرة التي تطرح في العقل الصهيوني أو العقل الغربي المنحاز للصهيونية، ضد العرب والمسلمين، والذي تمثله الآن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ضمن الأفكار والمشاريع الغربية الصهيونية يتصدر المشهد مشروع "برنارد لويس" المفكر اليهودي البريطاني الأصل، الذي تحول إلى أسطورة بسبب نجاحه في التطبيق العملي لفكرة تقسيم الوطن العربي بعد أن حولها إلى إجراءات وخطط، وبرامج عمل جادة.
والواقع أن مشروع "برنارد لويس" هو الأكثر جدية وعملية في آن واحد، كما أن مرتكزاته الفكرية خطيرة وخبيثة، وتلعب على الأوتار المذهبية والطائفية والعرقية، بناءً على فهم عميق من مفكر لا يشق له غبار في فهم النفسية العربية والإسلامية، من خلال قراءة واعية للتاريخ العربي والإسلامي.
نحن إزاء مشروع رهيب، التقطته القوى الكبرى في الغرب، لاسيما أمريكا بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، فضلا عن العدو الصهيوني الذي لا يمل ولا يكل في محاولاته لاختراق الدولة الوطنية العربية، وبالتركيز على مثلث القوة العربي مصر والعراق وسورية، فضلًا عن دول الأطراف؛ السودان واليمن والمغرب.
ومن المفيد توضيح حقيقة هامة هي أن مشروع "برنارد لويس" لتقسيم المنطقة يتقاطع مع مشروعات عديدة، ومماثلة، ربما استلهمت النموذج أو السياق العام من "لويس"، وربما هناك تقارب فكري بين المنظرين الكبار، وما تنتجه مراكز دراسات ذات طبيعة عسكرية واستخبارتية، لكن المهم هنا هو أن فكرة تقسيم الوطن العربي تحتل مكانة مركزية في البيت الأبيض والبنتاجون، ومراكز صنع القرار الأمريكي، ومنها وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية..
وقد تبني الجمهوريون، أو المحافظون الجدد، أفكار "برنارد لويس" وحولوها إلى برامج عمل وإجراءات تستهدف تفكيك الوطن العربي وتغيير اسمه إلى الشرق الأوسط الكبير.
وفي عام 1980 تبنى "زيغينو بريجنسكي"، مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس "جيمي كارتر"، أفكار ومشروع "برنارد لويس"، وبدأ في تفعيلها على أرض الواقع، وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع "برنارد لويس"، وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية لسنوات مقبلة، والأكثر من ذلك هو تحديد ميزانيات مالية تم توزيعها في مخصصات الوزارات المعنية بهذا المشروع.
إذن ما ينظر إليه الكثيرون داخل مجتمعاتنا على أنه محض صدفة، هو مخطط له بعناية فائقة، وما يعنينا هنا الآن هو المرسوم للسودان في مخططات مشروع "برنارد لويس"، حيث تشير الوثائق إلى أن السودان يجب أن تقسم إلى أربع دويلات، على النحو التالي:
1- دويلة النوبة (المتكاملة مع دويلة النوبة في الأراضي المصرية التي عاصمتها أسوان).
2- دويلة الشمال السوداني الإسلامي.
3- دويلة الجنوب السوداني المسيحي.
4- دويلة دارفور.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا تم إنجازه من مشروع "برنارد لويس" على الأراضي السودانية ؟ لقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية وجود الرئيس المعزول ذي التوجهات الفكرية الإخوانية "عمر البشير" في سدة الحكم لفترة طويلة، وتمكنت من السيطرة والهيمنة عليه، وأجبرته على تنفيذ الجزء الأول من مخطط تقسيم السودان، وفقا لمشروع "برنارد لويس"، حيث تم في مطلع العام 2011 التقسيم الأول للسودان.. حيث انفصلت السودان إلى دويلتين؛ الأولى إسلامية في الشمال، والثانية مسيحية في الجنوب.
لكن المشروع لم يتوقف عند هذا الحد، فالمرسوم هو أربع دويلات وليس دويلتين، لذلك تسعى الولايات المتحدة الأمريكية في اللحظة الراهنة إلى إشعال النيران بالداخل السوداني عبر أدواتها المختلفة، فمع رحيل "البشير"، وتولي المجلس العسكري الحكم مؤقتًا، ومع استمرار التظاهر والاعتصام نتيجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتردية، تسرع المجلس العسكري بالدخول في مواجهة عنيفة وغير محسوبة مع المتظاهرين والمعتصمين الذين اندست بينهم عناصر موجهة من الخارج - ككل التظاهرات والاعتصامات التي حدثت في الوطن العربي منذ العام 2011 - لتأجيج الموقف وزيادته تعقيدا، وهو ما أدى إلى مزيد من التصعيد والدخول إلى مرحلة العصيان المدني التي قد تؤدي إلى شلل تام لحركة المجتمع، وهو ما يعني عدم الاستقرار، وعدم الوصول لحل بين الجماهير الشعبية الغاضبة والمجلس العسكري الحاكم.
هنا، وعند هذه اللحظة التي تدعمها قوى خارجية إقليمية عديدة تعمل جميعها في خدمة المشروع الأمريكي، على الرغم من أنها تبدو في محاور متناقضة، تكون السودان مرشحة للتقسيم من جديد وفقًا لمخطط "برنارد لويس"، حيث ينفصل الشمال إلى دويلتين هما: (النوبة والشمال السوداني الإسلامي)، وينفصل الجنوب إلى دويلتين أيضا هما: (الجنوب السوداني المسيحي- ودارفور الغنية باليورانيوم والذهب والبترول).
فهل من عاقل يتحرك الآن لإيقاف هذا المخطط عند هذا الحد، خاصة أن المخطط يستهدف الجميع في المنطقة دون استثناء، لذلك لابد من تحرك مصري سريع لأن السودان هي الامتداد الطبيعي للأمن القومي المصري في الجنوب، ودويلة النوبة المزعومة في مخطط "برنارد لويس" تستقطع جزءًا من الأراضي المصرية، وجزءًا آخر من الأراضي السودانية، لتكون دويلة النوبة المتكاملة؟!
اللهم بلغت اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق