بقلم دكتور محمد سيد احمد قبل ثمانية أعوام بدأت الحرب الكونية على سورية في إطار مشروع منظم أعده الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تحت مسمى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، الذي يستهدف إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة يتم من خلالها تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وكان المستهدف الرئيسي هو تمكين العدو الصهيونى من أن يصبح القوى الأكبر في المنطقة، وإنهاء الحرب الباردة العربية–الإسرائيلية لصالح حرب عربية- عربية على المستوى الداخلى.
وكانت الورقة الطائفية والمذهبية والعرقية جاهزة دائما كأداة فاعلة في يد المشروع الاستعمارى لتحقيق أهدافه الإستراتيجية، وكانت أيضا ورقة الجماعات الإرهابية التكفيرية جاهزة كأداة أخرى في يد المشروع، وكان الجنرال إعلاما جاهزا كأداة ثالثة لتنفيذ المشروع، وبالطبع وكعادته دائما كان المال النفطى العربى أداة رابعة تم من خلاله تنفيذ المشروع والمخطط الأمريكى -الصهيوني.
ومع أن المشروع قديم حيث كان يسير وفق إستراتيجية فردية بطيئة، وكان ينتقل من بلد عربي إلى آخر فبدأ بالعراق والسودان والصومال، لكنه وجد الفرصة سانحة لهجمة شاملة في إطار ما أطلقوا عليه الربيع العربي المزعوم، وبالطبع كانت سورية واحدة من أهم الدول العربية المستهدفة.
لماذا استهدفت سورية؟
لأنها الدولة العربية الوحيدة التي قررت قيادتها منذ زمن طويل الحفاظ على المشروع القومى العروبي المقاوم، فحافظت على استقلالية قرارها السياسي عبر مشروع تنموى مستقل معتمد على الذات، وعندما بدأت الحرب الكونية كانت سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تآكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، لذلك لم يكن هناك أي مبرر موضوعي لثورة شعبها على عكس ما حدث في تونس ومصر واليمن على سبيل المثال..
ومنذ اللحظة الأولى لبدء الحرب الكونية على سورية أدركت قيادتها حجم المؤامرة لذلك قامت وبمهارة فائقة بإدارة الحرب من خلال عقد تحالفات إستراتيجية مع بعض القوى الإقليمية والدولية على أرضية المصلحة المتبادلة.
وكانت إيران هي الحليف الاقليمى الأبرز الذي تربطه علاقات مصلحة كبيرة مع سورية وهزيمة سورية تهدد مصلحته، لذلك وقف خلفها بقوة حفاظا على مصالحه الإستراتيجية، أما على المستوى الدولى فكانت روسيا هي الحليف صاحب المصلحة الأكبر فهزيمة سورية يعنى أنها قد فقدت وجودها إلى الأبد في منطقة الشرق الأوسط، وبالطبع إلى جانب الوجود الوحيد لها على المتوسط في ميناء طرطوس..
كان مشروع مد الغاز القطرى إلى أوروبا عبر سورية جاهزا ليضر بمصالحها الاقتصادية، ومن هنا جاء الوقوف المبكر وبشراسة خلف سورية خاصة في المحافل الدولية حيث شكل الفيتو الروسي حائط صد لإجهاض أي محاولة للتدخل العسكري المباشر في سورية حفاظا على مصالحها الإستراتيجية، ويمكننا أن نؤكد أن الحرب الكونية على سورية والدور الروسي بها هو من أعاد لروسيا قيمتها ووزنها كقوى دولية كبيرة على المستوى العالمى، وأنهى بشكل قاطع الدور الأمريكى الأوحد وأعاد العالم للقطبية المتعددة من جديد.
وحين اشتدت الحرب الكونية على سورية وأصبح الجيش العربي السورى بعتاده وسلاحه ومنظومته الصاروخية الدفاعية غير قادرة على حسم المعركة على الأرض، في ظل الدعم الأمريكى والأوروبي والصهيونى والعربي للجماعات التكفيرية الإرهابية، التي جاءت من كل أصقاع الأرض ومدتها بعتاد وأسلحة متطورة، وحين أعلنت أمريكا عن تحالف دولى لمكافحة الإرهاب على الأرض السورية كان الهدف منه مد الجماعات الإرهابية بمزيد من السلاح والعتاد لمواصلة الحرب ضد الجيش العربي السورى..
هنا كان لا بد من التدخل الروسي وبقوة وبالفعل تدخلت روسيا رسميا في الحرب إلى جانب الجيش العربي السورى. ومدته بأحدث الأسلحة إلى جانب المنظومة الصاروخية الدفاعية الروسية (S 300 )، ووجه الطيران الروسي ضربات موجعة للجماعات الإرهابية على الأرض وهو ما مكن الجيش العربي السورى من التقدم والسيطرة وتحرير الأرض المغتصبة من يد الجماعات الإرهابية، التي اضطرت تحت الضربات المكثفة من الفرار والهروب من المصير المحتوم على يد قوات الجيش العربي السورى..
وفى ظل الانتصارات كانت الدبلوماسية الروسية والسورية تدير معركة أخرى على طاولة المفاوضات السياسية حققت فيها تقدم كبير، ومع هذا النجاح وهذه الانتصارات التي أفشلت المشروع التقسيمى والتفتيتى لسورية، اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية من دخول مرحلة جديدة من الحرب.
فخلال الشهور الأخيرة تم حصار سورية اقتصاديا عن طريق خنقها نفطيا، فحرم شعبها من المازوت والغاز في ظل شتاء قارص البرودة، ثم برزت أزمة البنزين التي شلت حركة المواصلات والنقل على كامل الجغرافيا السورية، في محاولة لتقليب المواطنين على الدولة، وبذلك يحققون ما لم تستطع الحرب تحقيقه، لكن هذا الشعب الذي قدم الدماء فداءً للوطن وعن طيب خاطر، وظل صامدا تحت القصف وحرب الإبادة لسنوات، يستطيع الصبر والصمود لسنوات طويلة قادمة في مواجهة نقص المواد النفطية.
وفى الوقت الذي بدأت فيه الآلة الإعلامية الصهيونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعى الترويج لتخلى الحلفاء (الإيرانى والروسي) عن سورية في أزمتها الجديدة، كانت سورية والحلفاء يبحثون عن حل للخروج من الأزمة، وجاءت المفاجأة المدوية من قبل القيادة السورية بتوقيع اتفاقية استثمار مرفأ طرطوس مع الحليف الروسي، في محاولة جادة لكسر الحصار على سورية..
لأن السفن والبواخر وناقلات النفط عندما تأتى إلى مرفأ طرطوس ستكون رافعة للعلم الروسي باعتبارها أرض روسية ولن يستطع أحد منعها من المرور، وبذلك تكون سورية قد انتصرت في هذه الجولة الجديدة من الحرب عليها.
وبالطبع جاءت هذه الضربة الموجعة للمشروع الاستعماري الغربي الذي بدء يروج بأن الاتفاقية هي احتلال روسي لسورية، لكن من العبث أن يصدق العقل الجمعى السوري والعربي لهذه الأكاذيب، فمن رفض التفريط في شبر واحد من الأرض في مواجهة العدو الصهيونى وعبر عشر سنوات كاملة من المفاوضات، ومن خاض حرب كونية لمدة ثمانى سنوات دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة لا يمكن أن يسمح بذلك، لكنها ضرورة ملحة للخروج من الحصار الاقتصادى، وانتصار جديد لسورية بصحبة الحليف الروسي، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق