اخبار ذات صلة

الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

*رحل أمير الانسانية*

 


خميس بن عبيد القطيطى 

فقدت الكويت وفقدت الامة العربية وفقدت الانسانية قائدا كبيرا نظر إليه العالم نظرة احترام وتقدير فهو من القادة الحكماء في هذا العصر، والشيخ صباح سجل للتاريخ مواقف عظيمة اتسمت بالحكمة وبعد النظر وعمق البصيرة وبروح عربية اسلامية حريصة على وحدة الأمة وقضاياها المصيرية، وبالتالي فإن الفقيد الراحل لم يكن للكويت وحدها فحسب بل فقيد الأمتين العربية والاسلامية، فقد عمت مساعيه الخيرة كل الدول والشعوب .


ففي الوقت الذي فرضت فيه السياسة الدولية هيمنتها على المنطقة بقي الصباح نجما زاهرا وإسما عظيما حمل كل معاني الجمال والاطمئنان والآمال المشرقة، فرحم الله صباح الاحمد وجعله في روح وريحان وجنة نعيم.


عندما نراقب كمية المشاعر المتدفقة من قبل ابناء الشعوب العربية ونحن جزءا منها بلاشك يتبين لنا كمراقبين للمشهد عظمة هذا الفقيد فقد طغى ألم الفراق والرحيل على المشهد الاجتماعي العربي والخليجي على وجه الخصوص فالشيخ صباح لم تشيعه الكويت وحدها بل شيعه الملايين من أبناء الامة العربية لما يمثله من مركزية وثقل على الساحة العربية والخليجية، فهو يمثل آخر لآلئ وجواهر العقد الخليجي وأحد أعمدة الرعيل الاول في منطقة الخليج.


لم يحمل الشيخ صباح لقب أمير الانسانية إلا أن هذه الصفة تجلت في حياته وممارساته الخيرة، في محياه وفي أسلوب حكمه وفي تعاملاته الشخصية لذلك أحبه الجميع ونعاه الجميع، وبرحيله تفقد المنطقة زعيما كبيرا أحدث فقده ألما في القلوب كيف لا وهو ذلك الانسان الذي تتقدمه ابتسامته ولطائف سيرته، فظل طوال حياته موسوما بهذه الصفات التي أكرمه الله بها حتى يوم رحيله وهذه من نعم الله على عباده وكراماته سبحانه للرجال المخلصين المصطفين الأخيار، وبرحيله في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام ٢٠٢٠م يكون الشيخ صباح آخر حكماء الرعيل الاول في منطقة الخليج والمنطقة العربية، ولا غرابة أن تشتعل وسائل التواصل الاجتماعي تنعي هذا الفقيد الكبير .


نحن في سلطنة عمان نرتبط بعلاقة استثنائية خاصة مع الفقيد الراحل نظرا لارتباطه الكبير بعمان وزياراته المستمرة للاستجمام في استراحته على بحر العرب بمحافظة الوسطى حيث تعتبر هذه المنطقة بمثابة الاستجمام له يلتقي فيها مع كل شرائح المواطنين ببساطته المعهودة، كما أن العلاقة العميقة مع السلطان قابوس – طيب الله ثراه شكلت عمقا شعبيا وارتباطا اجتماعيا ومحبة له بين أبناء الشعب العماني، بل أن العمانيين وكغيرهم من أبناء المنطقة يدركون الادوار الجليلة التي قدمها الشيخ صباح من أجل وحدة الخليج وخاصة في ابعاد شبح التوترات بين الاشقاء بدول مجلس التعاون الخليجي، وقد استطاع الشيخ صباح فعليا توظيف تلك الاستثنائية والمكانة والشخصية والدبلوماسية والحكمه في لملمة التشظي السياسي في منطقة الخليج والذي عكر المزاج الشعبي قبل الرسمي في السنوات الأخيرة، واستطاع الشيخ صباح درء مواجهات كانت قاب قوسين أو أدنى من اشتعالها بين الاشقاء فجزاه الله خير الجزاء بما أسهم من جهود في حقن دماء الاشقاء، ولم يكن لها إلا الصباح الذي تنشرح القلوب بلقياه ويعبق الجو بمحياه عليه رحمة الله .


العرب سيتذكرون موقف الكويت الصامد ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم كل الضغوطات بقيت الكويت ثابتة كمدرسة عربية حافظت على نهجها القومي الثابت متكئة على إرث من المبادئ العربية الأصيلة وذلك بالوقوف مع القضية الفلسطينية، فلم تفلح كل الضغوطات  ولم تجرؤ بعض القوى الدولية فرض نفوذها على الكويت لدوران عجلة التطبيع في المنطقة، وهذا ليس غريبا على الكويت لانها تحمل أمانتها التاريخية تجاه قضايا الامة، ولأن شخصية الصباح كانت صمام الامان نظير مواقفه الثابتة ولما يمتلكه من ثقل دبلوماسي وخبرة في التعامل مع مختلف القضايا الدولية، كما يحسب للشيخ صباح أيضا ربط مصالح بلده بمختلف الاتجاهات الدولية فلم يختزل علاقات بلده في محور واحد توخيا للسلام وحفاظا على السيادة الوطنية، بل ربط بلاده بعلاقات جيواستراتيجية مع العملاق الصيني من خلال شراكة اقتصادية كبيرة وهذا يعتبر استشرافا للمستقبل، لذلك بقيت الكويت رقما هاما وصعبا في نموذجية العلاقات الدولية وهذا النهج الحصيف الذي بناه الشيخ صباح مهندس الدبلوماسية الخليجية خلال (٥) عقود لاشك سيمثل إرثا هاما للسياسة الكويتية خلال السنوات القادمة .


اليوم يرحل أمير الانسانية ونقول هنيئا لمن أحبته جميع الشعوب وسار على نهج قويم وحكم رشيد فملأ حياته بالخير وتبدى على محياه الايمان وسبقته سيرته العطره الى دار البقاء فهنيئا لك يا صباح الخير وجمعنا الله بك في مستقر رحمته وفسيح جناته، إنا لله وإنا إليه راجعون .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق