اخبار ذات صلة

الأحد، 13 أكتوبر 2024

من ذكرياتي : الحلقة الخامسة انا والمطر والسندريللا

 

بقلم :د. عبد السلام عامر 

كان يوم ممطر في شتاء عدن ١٩٧٧م ، كانت مدينة صلاح الدين التي نعيش فيها كقطعة من مدن انجليزية !! نعم نعم مدينة صلاح الدين كانت مخططه ومبانيها على أعلى مستوى ، كانت كامباونت لضباط وجنود الجيش البريطاني وفيها الكنيسة وخارج محيط المدينة المقابر الخاصة بالانجليز ، طبعا بعد مغادرة الإنجليز بُعيد الاستقلال أصبحت المدينة لضباط وجنود القوات المسلحة الوطنية ومن هنا دخلت العائلات وسكنت فيها وهي أسر شابة والقليل من الأسر الكبيرة في السن ، المهم كنا نعيش يوم ماطر والمياة تتدفق من الجبال كشلالات وبسلاسة وتذهب في طريقها الآمن دون أن تتكدس المياه في الحي السكني بعكس ما يحصل اليوم فيها من عبث بعد أن تحولت بعد ١٩٩٤م إلى مدينة عشوائية وتخريب ممنهج لاجمل مدينة عشت فيها وأجمل مساكن في عدن كلها بل أصبحت قرية غبراء قبيحة بسبب البنايات العشوائية التي اخفت منظر وشكل المدينة ، والتي سمح بتشييدها بعد الاجتياح لعدن والجنوب من قبل نظام صنعاء وقوانينه المدمرة للحياة المدنية و تخطيط المدن التى ورثناه من الاستعمار البريطاني وعشنا على ارثه الجميل ! المهم ونحن في عز المطر نمرح ونغني انا وأصدقائي في هذا اليوم قررنا الذهاب مساء الى السينما ! نعم نعم كانت في صلاح الدين سينما أيضا وهي محاذية للكنيسة والتي تم تخريبها واحتلالها وتحويلها إلى منزل بعد ١٩٩٤م وكل ذلك التخريب الممنهج تم بايادي جنوبية ومن ابنائها الذي بعضهم أصبحوا يحملون الفكر التكفيري تحت مسمى التدين والعوده إلى الله وكان أهاليهم لم يكونوا يصلون ويصومون رمضان ، ليمررو مشروعهم الأناني في تخريب مدينتهم !! هكذا ضاعت المدينة وضاعت الحياة الترفيهية فيها حتى المراجيح العامه للاطفال التي تنتشر في الكامباونت لم تسلم من التخريب ! ما علينا ، دعوني استكمل لكم حكايتي مع السينما ، وعندما وصلنا  وجدنا افيش الفيلم العربي (خلي بالك من زوزو) للنجمة سعاد حسني وقررنا نقطع التكيت ( التذاكر ) التذكره بشلن، ودخلنا وكان يوم الاثنين ، هذا اليوم تحديدا تمنح ربع المقاعد في السينما لطلاب الكلية العسكرية لحضور مشاهدة الأفلام وهم يرتدون لبسهم الرسمي الأنيق الذي يجعلك تشعر بفخر واعتزاز برجال القوات المسلحة . المهم دخلنا وقعدنا ، حينها كنت انا وأصدقائي في الصف الأول اعدادي نظام قديم  ( سابع ابتدائي ) نظام استحدث وكنا نحن آخر طلاب النظام القديم في المرحلة الدراسية حيث بعدنا كانت المراحل الدراسية حتى ثامن ابتدائي ثم الانتقال إلى الثانوية نظام أربع سنوات ، بينما نحن درسنا حتى ثالث اعدادي ومن ثم صعدنا إلى الثانوية نظام الثلاث سنوات بينما الصاعدين من ثامن ابتدائي صعدو ثانوية نظام أربع سنوات وهي حالة استثنائية في تلك الفترة ومن هنا كان دراستي بمعهد الفنون أربع سنوات وليس ثلاث حيث تعدل النظام الثانوي إلى أربع وكنت انا وزملاء لي هناك من أتى مابعد ثالث اعدادي وهناك مابعد ثامن ابتدائي !! المهم بدأ عرض الفيلم  وانا كعادتي شغوف منذ الطفولة بالسينما والدراما بعد النقلة النوعية في حياتي و العيش في صلاح الدين ، حيث لعبت السينما الصيفية الروسية هناك إلى جانب السينما العربية دورا كبيرا في مداركي المعرفية من خلال مشاهدة الأفلام في السينما ! شاهدت في المرحلة العمرية تلك افلام الأرض،  الكرنك ، حمام الملاطيلي وهو فيلم سياسي بعكس مايروج  له ، في بيتنا رجل ، الحفيد ، ثرثرة على النيل ، الوفاء العظيم . الرصاصة لاتزال في جيبي وافلام اخرى اجتماعية وكوميدية !! المهم وبينما الفيلم تتوالى فيه الأحداث واذا بالسماء تعاود تمطر والمعروف أن السينما مكشوفه والأمطار تتزايد وحينما بدأت اغنية يا ود يا تقيل واذا بزخات المطر تتحول إلى مياه تسكب علينا مثل الحنفية واذا بالمشاهدين يتهاربون ويغادرون السينما ومنهم رفاقي الصغار إلا انا  لم اتزحزح من مقعدي كيف لا وانا امام نجمتي المفضلة سندريللا الشاشة فالعجيب ان أغادر وهي تغني وفي بداية الفيلم فبقيت اعيش لحظات الفيلم والمطر الدافئ ينعش فؤادي ! الشي المثير والغريب والعجيب أن طلاب الكلية العسكرية أيضا لم يتحرك منهم فرد ، بل ومتفاعلين مع الفيلم بكل وعي وإدراك لاحداثه ، هكذا كان رجال قوتنا الصلبة يعشقون القوى الناعمة وهكذا كان مصنع الرجال في الكلية العسكرية يعد المقاتل الإنسان ليحافظ على توازنه النفسي والمعنوي ويجعل منه رجل مدني قبل أن يكون عسكري ويصنع منه القيادي المثقف بالعلوم الإنسانية قبل العسكرية ! غادرت السينما بعد نهاية الفيلم وتوقفت الأمطار إلا أنني لم أجد بركة ماء او مستنقع في طريقي إلى البيت كل ذلك الفضل يعود لتخطيط المدينة التي تم تعطيلها فيما بعد بأيادي وغباء أهلها للأسف الشديد !! 

 الفيلم استمر اسبوع كامل في العرض وانا استمريت في مشاهدته وهو الفيلم الوحيد مع فيلم (أميرة حبي انا) أيضا لسعاد حسني الذي حضرت اسبوع كامل لمشاهدتهما!! 

انها السندريللا يا سادة خطفت قلبي منذ الطفولة ومازالت تعيش معي في اسم ابنتي أميرة التي سميتها على اسم فيلم ( أميرة حبي انا )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق