اخبار ذات صلة

الثلاثاء، 11 يونيو 2024

ما بعد إستقالتي غانتس وايزنكوت

 

بقلم :- راسم عبيدات

غانتس وايزنكوت دائماً يراهنان على الحصان الرابح، وهما من كبار الإنتهازيين في السياسة،وعندما التحقا بمجلس الحرب المصغر،بناء على طلب أمريكي، الذي ضمهما الى جانب نتنياهو وغالانت،كانا يواكبان  اتجاهات الرأي العام "الإسرائيلي"،في بداية الحرب كان 94%  من الرأي العام " الإسرائيلي" مع الحرب التدميرية والثأرية والإنتقامية على قطاع غزة ....ولكن بعد تسعة شهور من هذه الحرب،والتي لم تنجح فيها الحكومة ولا مجلس الحرب لا بتحقيق النصر لا على جبهة  الحرب ولا على جبهة التفاوض،ولا بإستعادة الأسرى بدون تفاوض ولا بالقضاء على المقاومة وفي قلبها حماس عسكرياً ولا على حماس سلطة وحكم ...حيث الغوص في المستنقع الغزي والإحتراق بنيران رماله،ورأي عام يتراجع دعمه وتأييده للحرب الى 27% فقط،وجيش يدفع المزيد من الخسائر ويتهالك وتنخفض روحه المعنوية وتنخفض أيضاً دافعيته للحرب،وتظهر عليه علامات التمرد،حتى أن احد جنود الإحتياط ،عندما دعي للعودة الى خدمة في رفح،فضل أن ينتحر على ان يعود الى الخدمة العسكرية، وليس فقط هذا الحادث،بل سبقه عشرات حالات التمرد، والأخطر من ذلك ،تداعيات الفشل في معركة 7 أكتوبر قادت الى إستقالات واسعة في المؤسسة العسكرية،ليس اخرها استقالة قائد فرقة قطاع غزة اللواء آفي روزفيلد،الذي قال بأن استقالته أتت لفشله في تأمين الأمن والحماية لمستوطنات غلاف قطاع غزة،وقد سبقه لذلك استقالة الجنرال يهودا فوكس قائد المنطقة الوسطى والتي تشمل القدس والضفة الغربية ومنطقة غوش دان،وأيضاً كانت استقالة رئيس وحدة الإستخبارات العسكرية الداخلية " أمان" الجنرال اهارون حليفا،وقبلهم استقال رئيس قسم لواء الأبحاث في الجيش " الإسرائيلي الجنرال عميت ساغر،وكذلك استقال أربعة عمداء ميدانيين و"السبحة" قد تصل الى رئيس الأركان هيرتسي هليفي،حتى أن الجنرال غانتس المستقيل من مجلس الحرب اعتذر من أهالي الأسرى مقراً بالفشل.

 الضغوط على المقاومة وحماس للقبول بشروط التفاوض "الإسرائيلي"،هي الأخرى لم تؤتي أوكلها،رغم كل الحملة السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي قادها بايدن،وتوظيف الدول العربية الوسيطة في عملية الضغط،حتى ان "غزوة" رامبو المشتركة الأمريكية- "الإسرائيلية" على مخيم النصيرات في الثامن من هذا الشهر، والتي شارك فيها اكثر من الف جندي واسلحة الجو والبر والبحر والقوات الخاصة وكل اسلحة التجسس وما يعرف بالميناء العائم  الذي طرح بان اقامته من اجل ادخال المساعدات إنسانية غذائية وطبية للقطاع،تم توظيفه لغرض هذه العملية بإدخال قوات خاصة "اسرائيلية" عبره كشاحنات اغاثة ومساعدات،وبعد  كل هذا الحشد  استطاعوا ان يستعيدوا اربعة اسرى احياء وقتل ثلاثة أخرين بينهم واحد من حملة الجنسية الأمريكية ...هذه العملية التي اكدت على الشراكة الأمريكية في العدوان على الشعب الفلسطيني وان امريكا ليست بالوسيط المحايد والنزيه،وأنها لا تسعى الى وقف العدوان،بل مشاركتها في العملية، أتت لتقول للمقاومة ،بأن "اسرائيل" وأمريكا تمتلكان خيار اخر غير خيار التفاوض للضغط على المقاومة وحماس من أجل إستعادة الأسرى،وكذلك القول للرأي العام الإسرائيلي،بأن موقف نتنياهو وشركائه من الصهيونية الدينية والقومية صحيح، بأن الضغط العسكري الطريق لإستعادة الأسرى ...هذا الخيار اكسب حماس والمقاومة مشروعية اكبر في رفض اي نصوص شفوية فيما يعرف بمقترح بايدن حول انهاء حالة الحرب  وضرورة الإنسحاب الشامل من القطاع ...وهذه "الغزوة" بدل من ان تقود الى الضغط على المقاومة وحماس،هي زادت من تصلبها،وستصر ان تكون الضمانات بنصوص واضحة لا تقبل التأويل،ولن تقبل لا بالشفاهة ولا بالوعود،وستجعل هذا الخيار ،خيار غير واقعي اذا كان كل تسعة شهور او ربما أكثر سيقود الى استعادة اربعة اسرى وقتل ثلاثة اخرين ..المهم المركب "الإسرائيلي" يغرق والإنتهازيان  غانتس وايزنكوت قالا،كما يقول المأثور الشعبي " المركب الغرقان الحقه بدفشه برجلك"...قفزا من المركب لمواكبة الرأي العام الإسرائيلي" ...ولكنهما لا يمتلكان اية رؤيا سياسية بديلة ،بل يتحدث غانتس عن حرب تمتد لسنوات و"النصر" فيها سيكون مكلف.

غانتس وايزنكوت ليسا أقل صهيونية من نتنياهو ولا تطرفاً،فاغنتس في خطاب استقالته،دعا الى تشكيل حكومة وحدة قومية صهيونية،بعيداً عن المشاركة العربية أو حتى دعمها من الخارج،ولكن الخلاف تركز حول أولويات الحرب ،ووجدنا بأن غانتس الذي وجه إنذاراً لنتنياهو، حتى الثامن من الشهر الحالي لرسم استراتيجية سياسية تتعلق بالحرب على القطاع ولكيفية الخروج من الحرب، أنه تردد بالخروج والإستقالة،بعد عملية مخيم النصيرات،ولكن في النهاية وجد بأنه لا جدوى من الإستمرار في مجلس الحرب هذا،فالمركب يغرق والخسائر تتعاظم والفشل والمأزق يتعمقان،ولذلك اقدم هو وشريكه ايزنكوت على الإستقالة ..مبررين ذلك بأن حكومة نتنياهو كانت تعيق اتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية تعرقل خطط الحرب،وبأنهم حولوا شعار الوحدة الى لغة عاطفية لا يوجد له ترجمة على الأرض،وأن اعتبارات نتنياهو السياسية تتغلب على القرارات المصيرية والإستراتيجية،حيث التردد وعدم الجرأة،ودعا الى إعادة مستوطني الشامل والعمل على قامة تحالف إقليمي ضد ايران بالشركة مع احلاف التطبيع العربي الرسمي .

بالمناسبة أمريكا لم تكن راغبة بخروج غانتس وايزنكوت من مجلس الحرب،وهي لم تعمل على إسقاط نتنياهو،بل كانت منخرطه في مساراته السياسية والعسكرية،وهي من مدت له طوق النجاة في  غزوة "رامبو" على مخيم النصيرات،من أجل عادة تلميع صورته،ولكن أمريكا لا تملك تصور واضح حول مساري الحرب والمفاوضات.

غانتس وايزنكوت وصلا الى قناعة بأن نتنياهو لن يستطيع ان ينتصر لا بالحرب ولا بالمفاوضات،ولو كان عندهما ادنى قناعة لما خرجا من المجلس،وكذلك أمريكا لا تملك أي تصور لليوم التالي لمبادرة بايدن ونتنياهو لا يملك تصور لما بعد "غزوة" النصيرات.

صحيح ان خروج غانتس وايزنكوت سيزيد من النشاط والحضور السياسي للمعارضة " الإسرائيلية"،وستتسع المطالبات بإقالة نتنياهو واجراء انتخابات تبكيرية سادسة  .. وسيواجه نتنياهو معضلة اتخاذ قرارات مصيرية واستراتيجية، وسيجد نفسه في مأزق وعزلة دولية اذا ما ضم الى مجلس الحرب بن غفير وسموتريتش،وهو سيحاول ان يضم لمجلس الحرب زعيم " إسرائيل بيتنا" ليبرمان" وزعيم حزب  "امل جديد" جدعون ساغر،عبر اغراء ليبرمان بمنصب وزير الحرب،ولكن ليبرمان لن يتشجع بالدخول في حكومة يقودها نتنياهو،وهو يدعو الى تشكيل حكومة صهيونية بعيداً عن بن غفير وسموتريتش،ولا يوجد انسجام في مواقف المعارضة،وخاصة بين تحالف ليبرمان لبيد ساعر مع غانتس ....ولن يكون من السهل اسقاط حكومة نتنياهو ،وخاصة اذا لم يظهر تمرد في حكومته أو انشقاق ،فلديه 64 عضو كنيست تمكنه من السير في هذه الحكومة حتى نهايتها ...ولكن قد يحدث هناك مفأجات بأن تنجح المعارضة في حشد قطاعات واسعة تصل لحد التهديد بعصيان مدني من أجل فك الحكومة واجراء انتخابات مبكرة،أو تلعب قضية تجنيد اليهود"الحرديم" دوراً حاسماً في فرط عقد الحكومة ، خاصة اذا ما صوت غالانت لصالح تجنيدهم،ولكن نتنياهو في هذه المرحلة بحاجة لغالانت،وسيسعى الى استمالته،لأن اليهود " الحرديم من حركتي "شاس"  و"يهوديته توراة" ،اذا ما جرى إقرار التجنيد سينسحبوا من الحكومة ويسقطونها.

هذا الانسحاب يؤكد أنّ المسار المعاكس الذي بدأ بعد السابع من اكتوبر وجلب الوزيرين الى الحكومة ومجلس الحرب قد انتهى، سواء شعبياً وسياسياً لجهة اتجاهات الرأي العام الذي انقلب عن تأييد الحرب إلى معارضتها والشك بجدوى استمرارها، أو تفاوضياً وعدم الثقة بجدية نتنياهو بالتوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى، وأن الحكومة التي مثلت المركب الآمن قبل تسعة شهور قد صارت مركباً غارقاً يفوز من يقفز منه باكراً، وقالت المصادر انه لو كان لدى الأميركيين أو لدى نتنياهو أي تصور لكيفية إنقاذ المشهد من السواد والفشل كما يروّج الاعلام لكنا رأينا غانتس اول الذين يستجيبون لمنح هذا التصور فرصة؟.

الحكومة الإسرائيلية شهدت انفجاراً سياسياً مدوياً باستقالة وزراء الحرب ما سيترك تداعيات كبرى على مسار الحرب في غزة.


فلسطين – القدس المحتلة

10/6/2024 

Quds.45@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق