اخبار ذات صلة

الاثنين، 18 أكتوبر 2021

الوحشية المفرطة فى ذكرى مجزرة بحر السين الفرنسية ضد الجزائرين


وصف مؤرخون أحداث 17 أكتوبر 1961 بالمجزرة، فقال عنها، يير فيدال ناكيه: "وحشية مفرطة" - بوليت بيجو، "مطاردة بشرية" - إيمانويل بلانشار، "مجزرة استعمارية"... رغم ذلك أخفيت حقيقة الوقائع وعميت الذاكرة خلال ما يقرب من ثلاثين عامًا.


فرض علينا الصمت 

"فرض علينا الصمت. اعتبارًا من 1962، كانت هناك رغبة شديدة من المجتمع الفرنسي في نسيان القذارة التي ارتكبت في الحرب الجزائرية"، هكذا يحلل فابريس ريسبوتي. "لكن، من جهة أخرى، كان هناك إجماع سياسي من اليمين إلى اليسار الاشتراكي على عدم العودة إلى تحديد المسؤوليات. بقي الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عما جرى في 17 أكتوبر/تشرين الأول في مناصبهم لفترة طويلة جدا: أصبح موريس بابون وزيرا للخزانة في عهد فاليري جيسكار ديستان، وأضحى روجيه فريه رئيسا للمجلس الدستوري. كان هناك بالفعل صمت قسري مفروض وذهب إلى حد منع الوصول إلى المحفوظات العامة للدولة. كانت هناك إرادة في التعتيم على هذه المسألة وعدم التحدث عنها”.


من جانبه، يتذكر جيل مونسيرون ما أطلق عليه "التعمية الثلاثية". "بادئ ذي بدء، كانت هناك رغبة في الصمت من جانب السلطات الفرنسية. ويتابع المؤرخ بالقول: "لقد نظم رئيس الوزراء ميشيل دوبريه ومدير الأمن بابون والوزير روجيه فريه هذه المجزرة". "ولكن ديغول لم يختر اللجوء لهذا القمع، فقد كان رئيس الدولة. ولكنه فضل السكوت. كان بحاجة كي تلتئم الجراح مع قوى 13 مايو/أيار 1958 ولا سيما أنه كان مستهدفا من "منظمة الجيش السري". كما لم يستطع الانفصال عن دوبريه وفريه وبابون”.


بالنسبة لذلك المؤرخ، فإن العامل الآخر في التعمية هو اليسار الفرنسي. في 8 فبراير/شباط 1962، تسبب قمع مظاهرة نظمت من أجل إحلال السلام في الجزائر وضد "منظمة الجيش السري" في مقتل تسعة أشخاص في محطة مترو شارون. كان القتلى فرنسيين. "انقسم الحزب الشيوعي على نفسه بخصوص المسألة الجزائرية، أو أراد إحلال ذكرى شارون محل ذكرى 17 أكتوبر/تشرين الأول"، يقول المؤرخ آسفًا. بينما يقول ريسبوتي: "كانت العلاقات بين جبهة التحرير الوطني والحزب الشيوعي الفرنسي سيئة للغاية في أكتوبر/تشرين الأول 1961". "كان لجبهة التحرير الوطني شكوكها. وبالتالي فإن مظاهرة 17 أكتوبر/تشرين الأول هي نهج مستقل قام به المهاجرون الجزائريون ولا يدين بأي شيء لليسار الفرنسي الذي لم يشارك فيه. لذا فهو لن يحاول الاحتجاج بقوة بعد حدوث المجزرة. ولكن ما سيعترف به كحدث رئيسي لقمع الحركة المناهضة للحرب في الجزائر هو مظاهرة مناهضة "لمنظمة الجيش السري" والتي قتل فيها فرنسيون".


قمع المظاهرة 

غداة قمع هذه المظاهرة، خرجت مظاهرة هائلة، "واحدة من أكبر المظاهرات في تاريخ فرنسا"، لتمجيد ذكرى الضحايا. ما يقرب من نصف مليون شخص نزلوا إلى الشوارع. "كانت تلك المظاهرة الحدث التأسيسي لذكرى شارون. وسيتم استحضارها دون توقف بعد ذلك"، كما يقول فابريس ريسبوتي. "بينما لا يوجد أي حدث تأسيسي لذكرى 17 أكتوبر/تشرين الأول، لم تنظم حتى جنازات. هناك أشخاص دفنوا خلسة في مقبرة تييه، وهناك جثث انتشلت من نهر السين، وجثث أخرى لا يمكن تحديد هوية أصحابها، ونفي الكثير من الناس إلى الجزائر. إنها مجزرة استعمارية".


لكن السلطات الفرنسية لم تكن الوحيدة التي رغبت في دفن أحداث 17 أكتوبر/تشرين الأول. يقول جيل مونسيرون: "في عام 1962، أخبر أحمد بن بلة [رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في ذلك الوقت -المحرر] مارسيل بيجو، الذي كان مقربا منه، أنه لم يكن من المناسب إصدار كتابه "17 أكتوبر في عيون الجزائريين". ففي الواقع، كان الاتحاد الفرنسي لجبهة التحرير الوطني، الذي يعتبر أعضاؤه الآن معارضين، هو من نظم تلك المظاهرة.


عقد الثمانينيات، نقطة تحول في ذاكرة 17 أكتوبر

كانت الروايات البوليسية هي ما أعاد ذكرى 17 أكتوبر/تشرين الأول مجددًا للمخيال الجماعي، وتحديدا في عام 1984. ذلك العام، أصدر الكاتب ديدييه داينينككس روايته "جرائم قتل من أجل الذاكرة"، حيث عرض شخصيات تتعرض لوحشية مفرطة لمجرد أنها تحمل "وجوهًا" مختلفة. وبعد عام، نشر ميشيل ليفين كتابه "وحشيات مرتكبة في أكتوبر ضد أقلية". في عام 1986، نشر مهدي لالاوي، الذي عايش والده تلك الأحداث الدرامية، كتابه "عرب السين".


عام 1991، أصدرت جمعية "باسم الذاكرة" التي أسسها مهدي لالاوي وسامية مسعودي والمؤرخ بنجامان ستورا، تحقيقا لكتاب "صمت النهر" لمؤلفته آن تريستان مصحوبًا بصور إيلي كاغان. وفي العام نفسه، نشر جان لوك إينودي كتاب "معركة باريس، 17 أكتوبر 1961" الذي كتب مقدمته بيير فيدال ناكيه. خمس سنوات من التحقيق والاستقصاء بين فرنسا والجزائر. يقول فابريس ريسبوتي عن إينودي: "إنه شخصية غير عادية، نوع من’ البطل الأخلاقي‘كما قال محمد حربي (مؤرخ جزائري -المحرر). فعلى الرغم من أنه ليس مؤرخا من ناحية التكوين، إلا أن هذا المعلم تمكن من عرض أول رواية تاريخية مضادة تنسف الرواية الرسمية من أساسها. جان لوك إينودي أعطى ذلك الحدث قصة. لقد فعل ذلك دون أن يتمكن من الوصول إلى المحفوظات لأنها كانت ممنوعة عليه في البداية، لكنه في ذلك الوقت قام بعمل رائد: جمع شهادات ضباط الشرطة والصحفيين والضحايا. حتى إنه ذهب إلى الجزائر خلال عطلة للقيام بذلك. كان ذلك أمرًا حاسمًا له. قبله، باتت هذه الوقائع غير محتملة التصديق وغير مقبولة من كثير من الناس”.


إذا لم يكن "المواطن" جان لوك إينودي مقدرا له كشف التاريخ، فقد كان على الأقل الرجل الذي تحدى موريس بابون. في عام 1997، حوكم مدير الأمن السابق لشرطة السين أمام المحكمة الجنائية في بوردو عن دوره في ترحيل اليهود من فرنسا بين عامي 1942 و1944. "المدعي المدني اليهودي و"حركة مناهضة العنصرية ونشر الصداقة بين الشعوب" (MRAP) طلبا من جان لوك إينودي أن يأتي ويشهد حول "النصف الآخر من بابون" كما قال فيدال ناكيه"، يروي فابريس ريسبوتي. ويتابع الأخير "كانت هذه هي المحاكمة الأكثر شهرة في فترة ما بعد الحرب العالمية”.


قدمت هذه المحاكمة منبرًا استثنائيا لأحداث 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961. شهد جان لوك إينودي على المنصة قائلا:" كانت هناك مطاردة بشرية تحت إشراف مدير الأمن، وألقوا القبض على 6000 شخص، وقتل أشخاص آخرون على أرض قصر الرياضة، حيث تم نقلهم".


في عام 1999، ورغم أنه لم يرد أبدا على اتهامات جان لوك إينودي، قرر موريس بابون مقاضاته بتهمة التشهير بعد نشر مقال يخصه في صحيفة "لوموند" في العام الذي سبقه. "في أكتوبر/تشرين الأول عام 1961، كانت هناك مجزرة في باريس نفذتها قوات الشرطة التي تعمل تحت إمرة موريس بابون"، كانت تلك كلمات مؤلف كتاب "معركة باريس".


ويضيف مؤلف كتاب "هنا أغرقنا الجزائريين": "لعب هذا القرار دورًا مهما في إعادة الأحداث إلى قاعة المحكمة ونشر المعرفة بها في صفوف المجتمع الفرنسي".


في نهاية المطاف تم رفض دعوى موريس بابون. انتصر جان لوك إينودي في معركته مرتين: فمصطلح "مجزرة" بات قانونيا ومعترفا به من قبل القضاء الفرنسي في 12 فبراير/شباط 1999. كانت تلك نقطة تحول حقيقية.


واعتبارًا من ذلك التاريخ، لن تقع ذكرى 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 في غياهب النسيان. في كل عام تال، نظمت الجمعيات والتجمعات حدثا تذكاريا في باريس من أجل تكريم الضحايا.

وتقول سامية مسعودي، المؤسس المشارك لجمعية "باسم الذاكرة"، التي أسست في عام 1990: "اليوم، ما يقرب من 50 مدينة لديها لوحات تذكارية". "هناك الكثير في المناطق الباريسية أيضا، لكن أفضلها يقع في نانتير، مع شارع ومحطة للحافلات ولوحة! كما يوجد شاهد حجري جميل بأسماء الضحايا في لا كورنوف”.


لكن، وبعيدًا عن الرموز، تطالب الكثير من الجمعيات والنشطاء والمؤرخين بالاعتراف "بجريمة دولة".

في 17 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2012، اتخذ الرئيس فرانسوا هولاند الخطوة الأولى. "في 17 أكتوبر 1961، قتل الجزائريون المحتجون من أجل الحق في الاستقلال في حملة دموية. وتعترف الجمهورية بوضوح بهذه الحقائق. وبعد مرور واحد وخمسين عاما على وقوع هذه المأساة، فإنني أشيد بذكرى هؤلاء الضحايا." هكذا قال في البيان الذي أصدره.

"لقد كانت خطوة صغيرة، هي وتلك اللوحات التذكارية أو محطة الحافلات في نانتير"، كما تعترف سامية مسعودي. "شعرنا بخيبة أمل، ولكن ليس بالغضب”.

بمناسبة الذكرى السنوية الستين، يتوقع الجميع لفتة قوية من إيمانويل ماكرون الذي قال في عام 2018 إنه كان "قمعا عنيفا".

"لا نحمل ذرة من الكراهية، ولا نريد الانتقام، ولا نريد الغفران، نريد اعترافا سياسيا من فرنسا"، تصر ميمونة حاجم، المؤسس المشارك لجمعية "أفريقيا"، ومقرها في لا كورنوف منذ عام 1987. "فمئة واثنان وثلاثون سنة من الاستعمار ليست بالأمر الهين. إنها تاريخ من الكراهية، ولكن أيضا من الحب. وهي ليست حادثا عرضيا من التاريخ. يجب أن تحكى القصة مجددا لتهدئة النفوس من خلال الاعتماد على الجمعيات المناهضة للعنصرية مثلنا. ثم تختتم مسعودي قائلة: "نريد عملا سياسيا حقيقيا". "شيء من أجل الاعتراف بمسؤولية فرنسا عن مداهمات فيل دو إيف. بهذه الطريقة ستهدأ النفوس”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق