اخبار ذات صلة

الأحد، 22 يناير 2023

لماذا لم تحسم الحرب في اليمن؟



تقرير .. سها البغدادي 

ملحوظة تم نشره فى سما نيوز الورقية عام ٢٠٢١


إلى حد كبير تتحكم الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف اليمني بمسار الأزمة العميقة التي تعيشها البلاد منذ إستيلاء المليشيات الحوثية على السلطة ومؤسسات الدولة بعد سيطرتهم المسلحة على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات اليمنية أواخر العام ٢٠١٤م


من ذلك التاريخ فُتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارحية بكل أشكالها وأنواعها إبتداءً بالتدخلات الأممية وما صدر عنها من قرارات دولية كان يفترض أن تبقى مرجعيات لإدارة الأزمة، ثم التدخلات العسكرية والأمنية وما تشكل نتيجتها من خارطة ميدانية جديدة ومعقدة، وليس انتهاءً بالتدخلات الدبلوماسية والسياسية وما يتبلور عنها من حين لآخر من مواقف ورؤى وتصورات، وفي بعض الأحيان مبادرات للحل سرعان ما يتوقف الحديث عنها.


هذه التدخلات تأتي على مستويين:

الأول: إقليمي يحضر فيه المتصارعين في المنطقة وبالتحديد إيران من جهة والسعودية ومعها الإمارات من جهة ثانيه، وهذه الدول الثلاث ينظر إليها بإعتبارها من تقود الصراع اليمني، وتدير بشكل مباشر القوى المحلية النشطة على الأرض.

إضافة إليها هناك أطراف إقليمية أخرى تنشط في اليمن غير أن نشاطها هذا يبقى نشاطا غير مباشر ومحدود التأثير، كما هو حال مصر وسلطنة عُمان، وغيرهما مثل قطر التي تحضر بشكل أقل من الجميع وفي جوانب محدودة.


المستوى الثاني هو التدخل الدولي وهو الأكثر فاعلية كونه يمسك بخيوط المشكلة كلها، ويقوم برسم خارطة الأزمة وتوجيه مسارها من خلال التحكم بعدد من المفاعيل المؤثرة في الصراع

وتعد أمريكا وبريطانيا هما اللاعبان الأقوى في هذا المستوى 

ومن بعدهما يحضر بدرجات تأثير أقل كل من الاتحاد الأوربي وروسيا والصين.


كما أن هناك أطرافاً أخرى تستطيع التأثير عن بُعد كإسرائيل مثلاً، وهي الطرف الذي يمكن تسميته بالغايب عن الفعل المباشر الحاضر في حسابات الجميع، وعلى وجه الخصوص حسابات الجزر والبحر وباب المندب.


مع هذه التدخلات تفاءل كثير من اليمنيين ببعضها إعتقاداً بقدرتها على الحل ووقف الحرب، لكنه وبعد ثمان سنوات نكتشف أنها لم تسهم في حل المشكلة اليمنية واستعادة الدولة  المختطفة من الجماعة الحوثية المسلحة، 

ولم ينتج عن تلك التدخلات على كثرتها وتنوعها سوى استعادة القليل من المحافظات التي كانت سقطت بيد الحوثيين وما تزال تسيطر على العاصمة صنعاء وأكثر من نصف المحافظات بما تمثله من أهمية استراتيجية كونها تعد مركز الثقل الاجتماعي في البلاد؛ إذ يبلغ سكانها ما يزيد عن ٧٠% من سكان الجمهورية تمثل المجال الحيوي للنشاط الاقتصادي في اليمن نتيجة هذا التركز البشري والكثافة السكانية.


اليوم لم يعد سراً القول أن الصراع في اليمن هو في الدرجة الأولى صراع إقليمي بين السعودية وإيران يتم على أكثر من ساحة، تعد اليمن الساحة الأكثر سخونة من بينها. ورغم كونه إقليمي إلا أنه خاضع لتأثير التحولات التي يمر بها العالم،  وهذه الحقيقة لا تلغي حقيقتان أخريتان:

الأولى: أن اليمنيين لديهم قضية والحرب في نظرهم هي من أجل مقاومة الكهنوت والحكم السلالي الماضوي الذي يمثله الحوثي ويسعى لإخضاعهم بالقوة واجبارهم  على قبوله، ومن هذا المنطلق ينخرط أغلبهم في الحرب، غير أنهم باتوا على قناعة تامة بضياع القضية اليمنية في زحمة المشاريع القادمة من وراء الحدود، انحسر أمامها تأثير القوى المحلية اليمنية وتضآءل لصالح تأثير القوى الإقليمية والدولية التي تحكم قبضتها على خيوط الصراع وتوجه مساراته بما يتناسب وأهدافها الضامنة لمصالحها.

الحقيقة الثانية: أن الحوثي مشروع قائم بذاته يستفيد من الأجندة الإيرانية الداعمة كما هي تستفيد منه، ومقارنة بالقوى اليمنية التي تواجهه لا زال أفضل من غيره، يحتفظ لنفسه بتأثير خاص ومستقل عن التأثير الإيراني، خصوصاً فيما يتعلق  بترتيب وضعه وتثبيت قوته على الأرض، وفي علاقته بالمشروع  الإيراني يمكن القول أن هذا الأخير حفز المشروع الحوثي على النشاط السريع؛ وقدم له التسهيلات والدعم اللازمين للتحرك بفاعيلة دون أن يلغيه كمشروع محلي مستقل.


وفي وضع معقد تختلف نوايا كل طرف، تبدو النتيجة التي وصلت إليها الأزمة اليمنية بعيدة كل البعد عن ما أعلن من أهداف للتدخلات بداية الحرب، وحتى لا تكون النتيجة مستغربة؛ أحاول في هذا العرض الإجابة على سؤال لطالما ردده اليمنيون: لماذا لم تحسم الحرب؟

وللإجابة عليه يقتضي الأمر قراءة الدوافع الحقيقية لكل طرف من تدخله في اليمن، والبداية من التدخلات الدولية باعتبارها الأكثر تأثيرا:


أمريكا:

على نطاق واسع يعتقد أن الدور الأمريكي هو الأكثر حسما في مسار القضية اليمنية بما تمتلكه من أدوات ضغط على الجميع بما فيهم إيران والحوثي رغم ما يعلنانه من مواقف عدائية تجاهها؛ لكنها في الأخير تستطيع التأثير عليهما بطرق وأساليب متعددة، وهُما أيضا يحسبان حسابها في كل خطوة يقدمان عليها تقريباً، ومن الضروري هنا التأكيد على أن التعامل الأمريكي مع الحوثي في الغالب هو في سياق العلاقة الأمريكية السعودية اللتان ترتبطان باتقاقيات كثيرة؛ على رأسها الاتفاقيات الأمنية والدفاعية وما يترتب عليها من إلتزام أمريكي بأمن السعودية والمنطقة عموماً، غير أن هذه العلاقة تشهد في الفترات الأخيرة ما يمكن وصفه بالإضطراب وعدم الإستقرار نتيجة تباينات وفي بعض الأحيان خلافات عميقة في ملفات عديدة، وهو ما ينعكس على موقف البيت الأبيض الذي تحتاجه الرياض كثيراً، ويجعل النظرة الأمريكية للحرب في اليمن باعتبارها فرصة يمكن من خلالها الضغط على السعودية لمساومتها في تسوية ملفات عالقة، وأحياناً إبتزازها في قضايا حساسة كالطاقة والأمن.


يتمحور الإهتمام الأمريكي باليمن وفق محددات رئيسية أهمها:


- الصراع مع إيران، وفي هذا تنظر أمريكا للحوثي باعتباره ذراع إيرانية وبالتالي كلما تأزم الموقف معها كلما تعاونت مع السعودية في الحرب عليه، لكنه تعاون يبقى محدود بما لا يخل بفاعلية التأثير المتعلق بحالة العلاقة السعودية الأمريكية.


- التوازنات الإقليمية والدولية وإدارتها وتوظيفها لصالح السياسة والمصالح الأمريكية تأتي كمحدد آخر ضمن النشاط الأمريكي في اليمن، ما يعني الإبقاء على بؤر التوتر قائمة في المنطقة والمحافظة على أسباب الصراع دون معالجتها، وكذلك المحافظة على أدواته بقدر معين من القوة، الأمر الذي يبقي كل الصراعات مفتوحة بدون حل، يكون الجميع معها في حاجة للموقف الأمريكي والدعم الذي تقدمه لحلفاءها، وأيضا يبقي الباب مفتوح لتدخلاتها في المنطقة لضمان تأمين أكبر قدر من المصالح.


- الصراع مع روسيا والصين والتنافس على المنطقة لا يمكن إغفاله من قائمة المحددات التي تتحرك أمريكا في إطارها، وفي هذا تحضر وتعمل لقطع الطريق على أي دور قد تلعبه روسيا أو الصين في الحرب اليمنية، ما يعني بالنسبة لواشنطن خسارة جزئية أو كلية لحلفائها التاريخين ومناطق ظلت لفترات طويلة ضمن نفوذها الدولي.


- التعامل مع اليمن من زواية الأهمية الجيوساسية والإهتمام به كمنطقة مفيدة للتمركز العسكري الذي يحقق مصالحها الأمنية؛ بما يمثله باب المندب والجزر اليمنية في البحرين العربي والأحمر  القريبة من ممرات الملاحة الدولية من أهمية في هذا الجانب، بالإضافة إلى الحرب على الإرهاب؛ وما لهذا الملف من أهمية لدى كل الإدارات الأمريكية، التي لا تتقيد بأي قيود في الغالب إذا ما تعلق الأمر بهذه القضية.


- مصالح إقتصادية غير مباشرة تستفيد منها واشنطن خاصة في قطاعي النفط والغاز، وإن لم تكن فائدة مباشرة فهي تستفيد منها على الأقل في توزانات وأسعار سوق الطاقة العالمي. 


بريطانيا:


لا تختلف كثيراً المحددات التي تنشط في إطارها السياسة البريطانية بخصوص اليمن عن المحددات الأمريكية وتكاد تكون متوافقة معها في أغلبها، بيد أن هناك ما يميزها وتجعلها أكثر اهتماماً وقرباً من تفاصيل الصراع اليمني 

وينفرد التاج البريطاني عن الحليف الأمريكي في قضية وحدة اليمن فعلى ما يبدو أن الموقف البريطاني يميل أكثر لصالح المشاريع التي تعمل لتفتيت المجتمع، وهي فكرة جيدة في نظر العقل البريطاني تجعل من الصعب إعادة المجتمع إلى وحدته السابقة إذا لم يكن هناك إنفصال رسمي، وهذه الرؤية تقريباً هي نسخة مطورة من الرؤية الأمريكية الخاصة بإبقاء بؤر التوتر والصراع قائمة بأسبابها وأدواتها الفارق بين الرؤيتين أن الأمريكية تخص الصراعات الإقليمية والبريطانية تتعمق إلى مستوى الصراعات المحلية

فيما عدا ذلك يعتقد أن السياسات الأمريكية والبريطانية منسجمة إلى حدٍ كبير ومتوافقة في أغلب التفاصيل.


الإتحاد الأوربي:


يحضر الإتحاد الأوروبي بشكل جماعي في القضية اليمنية، وبإستثناء فرنسا تبدو الاهتمامات الأوربية في الجانب الناعم من التدخلات.

أما فرنسا فإلى جانب الاهتمامات الأوربية العامة فلها إهتمامات خاصة ومصالح إقتصادية من شراكتها مع الحكومة في قطاعات نفطية، بالإضافة إلى شراكتها في مشروع تصدير الغاز المسال من بلحاف، وتتعزز الأهمية لهذه المصالح في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا وما نتج عنها من حرب وأزمة طاقة وغاز في أوروبا.


روسيا :

خلال الثلاث السنوات الأولى من الحرب حافظت روسيا على علاقة متوازنة مع الحكومة الشرعية اليمنية والإنقلابيين في صنعاء، وأبقت على سفارتها هناك، وشارك سفيرها في فعاليات حوثية واستقبل والتقى عدد من قياديها وقيادات من حزب المؤتمر بما فيهم صالح المشمول بالعقوبات والقرارات الدولية، وبعد مقتله أغلقت موسكو سفارتها في صنعاء.

وبالإجمال يتحدد الموقف الروسي في اليمن تبعاً لعلاقتها مع إيران والسعودية والمصالح المشتركة مع الدولتين

فإيران ترتبط معها بما يشبه الحلف المشترك في مواجهة أمريكا

والسعودية لديها مصالح مشتركة معها تتعلق بانتاج وعرض الطاقة.

وعلى هذا يظهر الموقف الروسي متحفظاً بعض الشيء، كما أنه لا يعني عدم وجود رغبة روسية للعودة إلى اليمن، وإيجاد موطئ قدم لها بالقرب من الممرات المائية الدولية في بحر العرب والأحمر.


الصين:


 تشهد السياسة الخارجية الصينية في العقد الأخير من بعد وصول الرئيس شي جين بينغ في 2012 إلى رئاسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وإنتخابه رئيساً للدولة، تشهد إنفتاحاً ورغبة في توسيع العلاقات مع الدول التي تقيم معها علاقات قديمة وإن كانت محدودة في المجال الإقتصادي والتبادل التجاري، وهذا الإنفتاح الصيني هو ناتج عن توجه للدخول إلى عالم التأثير السياسي والتواجد الأمني في المناطق الحيوية من العالم، وتتميز الصين في إهتمامها باليمن بإنفتاحها على جميع الأطراف المحلية المتحالفة مع الحكومة الشرعية التي تؤيدها الصين من بداية الأزمة، ومن بعد القمم الصينية الثلاث التي عقدت في الرياض، سعودية/ خليجية/ عربية تكون المؤشرات قوية على الرغبة الصينية لتوسيع دورها في المنطقة - واليمن من ضمنها - وأن العمل على تحقيقها دخل طور جديد من الناحية العملية، لكن العلاقة الصينية اليمنية كما يرى البعض وبحسب المعطيات الراهنة ستظل متأثرة بعلاقتها مع السعودية خصوصا في ظل الوضع الذي تمر به اليمن.


اللاعبون الإقليميون


السعودية:

من حيث الفعل على الأرض والمواقف المعلنة تعد السعودية اللاعب الأكبر في اليمن بحكم الجوار والعلاقات التاريخية بين البلدين وما يمثله كل بلد من عمق استراتيجي وأمن قومي للاخر، بالإضافة إلى كون اليمن في التاريخ السياسي الحديث منطقة النفوذ الأوسع للسعودية خارج حدودها.

هذه العوامل هيأت السعودية للعب الدور الأهم في الازمة اليمنية، ومكنها من قيادة عملية عسكرية ضد الإنقلاب الحوثي في ٢٠١٥، غير أن هذا الدور ليس حراً بالمطلق فهناك إعتبارات دولية تقيدها بل وتجعلها مضطرة لتكييف سياساتها في اليمن مع سياسات الأطراف الدولية الأقوى منها.

وهذا لا يعني عدم وجود محددات خاصة بالسعودية تنفرد بها وتستطيع اللعب في إطارها

لكن قبل إستعراض المحددات يجب أن ندرك أن الحوثي مهدد وجودي في تقييمها؛ وعدو يتمركز في حدها الجنوبي تزداد خطورته مع ارتباطه بإيران التي تنظر إليها كعدو أكبر يسعى لتطويقها من كل الاتجاهات، وهي في الوقت ذاته تشتبك معها في صراعات متعددة في المنطقة، وبالتالي فالقضية تندرج في إطار الأمن القومي الذي يترتب عليه مصير الدولة السعودية.

أما بالنسبة للمحددات التي تشتغل عليها في اليمن فيمكن تلخيصها في الآتي:


- القضاء على الحوثي أو إضعاف قدراته العسكرية وتحجيم دوره في الساحة اليمنية، ولا تمانع السعودية من قبوله إن هو قبل بفكرة فك الارتباط مع المشروع الإيراني، وهي بالفعل تبذل جهودا في هذا الجانب، لكنها تدرك أنه لن يفعل ذلك.


- إزاحة الخطر الحوثي عن مناطق التماس مع الأراضي السعودية، وتأمين حدودها الجنوبية من خلال إنشاء منطقة آمنة على عمق معين، ولهذا نلحظ حجم التجنيد الكبير من بداية الحرب في جبهات الحدود؛ وعدد التشكيلات العسكرية الواسعة التي أنشئت هناك ووصلت تقريبا إلى ما يزيد عن عشرة محاور تضم أكثر من ٣٠ لواء عسكري بقوة بشرية تصل إلى ٥٠ ألف مجند يتلقون دعما ماليا ولوجستيا سخيا؛ ويخضعون لقيادة مباشرة من مراكز عمليات سعودية أنشئت لهذا الغرض في نجران وظهران الجنوب وجازان.


- السيطرة على مضيق باب المندب والجزر اليمنية في البحرين الأحمر والعربي بما يحقق لها وجوداً أمنياً في طرق الملاحة والممرات الممائية المهمة في العالم، وهذا بدوره يحقق لها عدة أمور منها:

١) تحييد مخاطر تواجد أعداءها ومنافسيها الإقليمين في تلك المناطق كإيران وتركيا

٢) تأمين مجالها الحيوي وأمنها القومي البحري

٣) الإستفادة من تواجدها لتقوية موقفها في تنسيقات إقليمية برعاية دولية تشمل هذه التنسيقات إسرائيل ودول أخرى في المنطقة.

٤) الإستفادة من تواجدها الأمني في علاقتها مع أمريكا وبريطانيا من جانب وأيضاً الصين وروسيا من جانب آخر.

غير أن تواجدها في المضيق والجزر والمياه اليمنية لا يزال محل نزاع مع الحليف الإماراتي الذي يتواجد أكثر منها وفي مناطق أكثر أهمية ولا يعرف إن كان هذا النزاع صراعا حقيقيا ام تبادل أدوار بين الحليفين.


- إعادة ترتيب وتشكيل المشهد اليمني وبناء نظام كامل تحت عين وسمع أجهزتها الأمنية، ابتداءً بسلطة تخضع كليةً للنفوذ السعودي، ثم قوى سياسية واجتماعية موالية لها، من خلال إزاحة من لا تتوافق معهم وإحلال قوى جديدة تكون أكثر ولاءً من القوى السابقة، على أن ما يحسب لها في هذه النقطة أنها لم تقصي أياً من القوى السابقة حتى الآن وتعمل على ضمان هيكلتهم في توجهها الجديد.


- إضعاف القدرات العسكرية اليمنية الرسمية وإنشاء تشكيلات غير نظامية في الداخل اليمني إلى جانب تشكيلات الحدود، جميعها تخصع لقيادة سعودية مباشرة لضمان السيطرة عليها والتحكم في قراراتها ومواقفها واستخدامها في أي مكان وتحت أي ظرف، بما يؤمن المصالح السعودية، حتى وإن كانت خارج الغرض الذي أنشئت من أجله، ودافع هذا التفكير ناتج عن مخاوف من تشكُل جيش نظامي قوي وسقوطه مجدداً بيد جماعات على خلاف معها؛ كما حصل للجيش السابق الذي سيطر عليه الحوثيون.


- تأمين مصالح إقتصادية وحيوية منها ما هو قائم بالفعل ومنها ما تسعى لتحقيقه مثل شق قناة مائية من المنطقة الشرقية السعودية إلى بحر العرب مروراً بالأراضي اليمنية في محافظتي حضرموت والمهرة.


- تستفيد السعودية من نفوذها في اليمن وتستخدمه ورقة في علاقاتها مع أطراف إقليمية ودولية وصراعاتها أيضا، بالإضافة إلى حاجتها لإثبات قدرتها على لعب أدوار كبيرة ومؤثرة في المنطقة، وعرقلة مشاريع الآخرين إذا لم تتفق معها.


- وإلى ما سبق فقد احتاجت السعودية في فترة معينة للحرب في اليمن لظروف ترتيب البيت الداخلي.


إيران:

تستثمر إيران في الحوثي وتجير الحرب اليمنية لصالحها في صراعاتها الإقليمية والدولية وقبل ذلك في مشروعها التوسعي الذي تعمل عليه تحت شعار المقاومة والممانعة التي تستثمر فيها هي الأخرى وتجني من وراءها الكثير مقابل القليل من الدعم المالي والسلاح، وكل هذا العمل يتم وفق مبدأ تصدير الثورة المنصوص عليه في دستور الثورة الإيرانية ووفق أجندات وأبعاد طائفية لم تجني منها المنطقة غير الحروب والدمار منذ بروزها كمشروع إقليمي منافس

وبناءً على هذا يأتي الحضور الإيراني في اليمن الذي يتلخص أهميته في الآتي:


- بناء جماعة وجيش ودولة يعملون في إطار مشروعها التوسعي، لتستفيد منهم لاحقاً في صراعاتها مع عدد من القوى في المنطقة وفي المقدمة السعودية، وبواسطتهم تستطيع ضرب أهداف في أي مكان دون أن تتحمل تبعاتها أو المسؤولية عنها.


- تنظر لليمن والحرب فيها باعتبارها جبهة متقدمة في صراعها مع السعودية وقضية مفتوحة تستطيع في المستقبل استغلالها لمهاجمتها، وتجييش اليمنيين للقتال معها تحت مبرر الانتقام من العدوان السعودي عليهم.


- السيطرة على مناطق حيوية ومهمة في العالم مثل باب المندب، وهو ما يرجح ميزان القوة في المنطقة لصالحها، بل ويضع لها إعتبارات وحسابات على المستوى الدولي، فهي بذلك تكون مسيطرة على ممرين دوليين تمر عبرهما ٤٠% من حاجة العالم من الطاقة.


- تستفيد من نفوذها في اليمن كورقة في صراعها مع القوى الدولية الكبرى بخصوص برنامجها النووي والصاروخي وفي مقدمتها أمريكا، وتستغل الحوثيين كمهدد عسكري من أجل المساومة في هذا الملف. 


- ورقة في صراعها مع إسرائيل خصوصاً فيما يتعلق بالوجود في البحر الأحمر. 


تطمح مستقبلاً للإستفادة الإقتصادية من نفوذها في اليمن، كما حققت فوائد كبيرة أغلبها غير مشروعة من نفوذها في العراق


الامارات:


على عكس السعودية التي يكتنف الغموض أهدافها رغم حجم تدخلها الكبير، تبدو الأهداف الإماراتية من تدخلها في اليمن واضحة بعض الشيء؛ باستطاعة المراقب العادي قراءتها، وإضافة إلى ما تتشاركه مع السعودية من أهداف تتعلق بالصراع مع إيران؛ لها أيضاً أجندتها الخاصة التي تشتغل على تحقيقها في الساحة اليمنية، ومن بداية التدخل نلاحظ أنها اتجهت للإشتغال على:


- إنشاء جماعات مسلحة تديرها وتتحكم بها، تستخدمها لتحقيق أهدافها وتأمين مصالحها في اليمن، ولا يستبعد الاستفادة منها في دول أخرى.


- التواجد العسكري في باب المندب والتمركز في الجزر اليمنية القريبة منه في البحر الأحمر وغرب بحر عدن، وكذلك جزيرة سقطرى، وإنشاء قواعد عسكرية دائمة لهذا الغرض، وهذا يحقق لها وجوداً قوياً في منطقة حيوية مهمة للعالم، إذا عرفنا أن لها وجود عسكري دائم في قاعدة عصب الارتيرية وجيبوتي، ولها تواجد آخر في جمهورية أرض الصومال الإنفصالية القريبة من المنطقة.


- إعادة حلفاءها للحكم أو إنتاج سلطة تستوعب جميع حلفاءها بما فيهم عائلة الرئيس الأسبق صالح، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وبعض الحلفاء غير المؤطرين في كيانات سياسية.


- الإستثمار في ملف محاربة الإرهاب والإستفادة منه في علاقتها بحلفاءها الدوليين الذين يديرون هذا الملف عالمياً، وله أهمية كبيرة في سياساتهم.

 

- إزاحة خصومها الإسلاميين ممن تبذل جهوداً كبيرة لمحاربتهم في المنطقة.


- الحصول على مكاسب إقتصادية  

من خلال السيطرة على منابع النفط في المحافظات الشرقية والجنوبية وكذلك الموانئ التجارية في حضرموت وشبوة وعدن والمخا، وفي هذا الجانب قد تستفيد من هذه السيطرة بشكل مباشر أو عن طريق رشوة أطراف دولية مؤثرة بتأمين مصالحهم كما هو الحال مع شركة توتال الفرنسية المشغلة لبعض القطاعات النفطية وعملية تصدير الغاز، إلى جانب الإستثمار في قطاع الاتصالات ومؤخراً أعلنت الحكومة اليمنية عن إتقاقية شراكة مع أبو ظبي لتأسيس شركات في هذا القطاع. 


الإستفادة من تواجدها في اليمن من أجل تقوية مركزها في المنطقة وتقديم أوراق اعتمادها كلاعب إقليمي يعتمد عليه في قضايا حساسة وخطيرة، وكذلك إستثمار نفوذها وتواجدها العسكري في المياه الإقليمية اليمنية في إطار علاقتها مع أمريكا وبريطانيا، وكذلك روسيا والصين، بالإضافة إلى علاقتها الجديدة مع إسرائيل التي من الواضح أنها تتطور لتصبح شراكة واسعة في أكثر من مجال.


عُمان:


تشتغل السلطنة العمانية في اليمن داخل ثلاث دوائر تتفاوت من حيث الأهمية بالنسبة لها والتأثير على الأرض:

الأولى: تأمين حدودها الغربية وضمان عدم سيطرة مليشيات أو قوى لا تنسجم معها على المحافظات القريبة منها، ولضمان هذا الأمر تدعم تشكيلات سياسية حديثة وقبائل مسلحة لمنع سقوط تلك المناطق بيدها، وتدعم أيضاً أي جهود لمنع سيطرة الانتقالي الحليف للإمارات على المحافظات الجنوبية بشكل كامل وما قد يترتب على ذلك من وضع جديد - الإنفصال أحد احتمالاته - وهنا لا يمكن إغفال البعد الخاص بعلاقتها شبه المتوترة مع الإمارات، وإن كانت في الفترة الأخيرة تشهد هدوءاً، وكذلك عدم توافقها مع أغلب السياسات السعودية.


الدائرة الثانية: تختص بعلاقتها الجيدة مع إيران، وبموجبها كان موقفها من الحوثي، وما يقدم له من تسهيلات خاصة بالتنسيق مع إيران، كماتحدث بذلك تقرير لفريق الخبراء أمام مجلس الأمن في ٢٠١٩.


الثالثة: في إطار علاقتها مع بريطانيا وأمريكا، وما تقتضي هذه العلاقات من تنفيذ مهام يمكن إدراجها تحت مسمى ( مقاولات الباطن) أو في بند تبادل الأدوار والمنافع.


مصر:


تركز مصر حضورها في الحرب اليمنية على جانب واحد وتبذل فيه جهداً أكبر، ويبرز إهتمامها في قضية أمن البحر الأحمر وباب المندب والتواجد العسكري في جنوبه بما له من أهمية مباشرة على حركة الملاحة ونشاطها في قناة السويس، وما تشكله القناة من أهمية للأمن القومي والاقتصاد المصري خصوصا إذا عرفنا أنها تدر على الخزينة المصرية  قرابة ١٠% من حجم الميزانية، وتتضاعف الأهمية هنا مع حالة الإنكماش التي يمر بها الإقتصاد المصري.

وفي غير هذا تحضر القاهرة في جوانب أخرى من الأزمة لكنه حضور محدود لا يرقى إلى مستوى التأثير.


ويعتقد الكثير أن الأطراف الإقليمية المنخرطة مباشرة في الصراع اليمني هي نفسها أصبحت عاجزة عن التحكم بمساره، ولا تستطيع اللعب إلا في حدود ما ينسجم مع رغبات الأطراف الدولية الأكثر تأثيراً.

وبقدر مسؤوليتها على رهن القضية اليمنية في هذه الحسابات والتجاذبات التي تعجز عن اللعب المؤثر فيها، هي أيضاً مسؤولة عن تقييد حركة اليمنيين وعدم منحهم حرية أكبر للبحث عن مخارج وحلول لقضيتهم التي يتضرر منها الجميع.


ٌختاماً: يتضح من هذا العرض  أن التدخل في اليمن قد انقسم إلى قسمين:

الأول: يهتم بالسواحل والجزر والبحر توليه الأطراف الدولية اهتماماً أكثر، ويكاد ينحصر اهتمام بعضها عليه، ويُعتقد أن الإمارات كطرف إقليمي تعمل أيضا لصالح هذه الأطراف  -  على وجه التحديد بريطانيا وأمريكا - وفي الوقت ذاته هي تحقق مصالحها من خلال هذا العمل.

الثاني: يهتم بأمن الحدود مع المملكة، وتظهر السعودية وحيدة من تهتم بهذا الأمر، وهو بالنسبة لها هدف مركزي من التدخل.

أما القضية اليمنية فيظهر أنها تركت لمصيرها، ولم تعد تحضر إلا كورقة في إطار الحسابات الكبيرة هذه التي تحيط بها وتطوق عنقها.

ــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق