اخبار ذات صلة

الأربعاء، 25 مايو 2022

*عدن في مواجهة حرب نوعية جديدة في مجالات الاقتصاد والخدمات العامة الأشد إنهاكاً وتدميراً*



لقد شكلت الإمكانات المالية نقطة ضعف في موكب الحركة الوطنية الجنوبية التي بدأت في العام 2006م بمشروع التصالح والتسامح وما تلته من امتدادات ثورية اتكأت في تمويل أنشطتها وفعالياتها على التبرعات التي تأتي من جنوبي المهجر الذين كانوا داعمين لمعظم الفعاليات والتظاهرات والمساهمين في علاج جرحى أعمال القمع التي مارستها قوى سلطة صنعاء ضد شعب الجنوب في العاصمة عدن ومدن الجنوب عسكرياً.

ولكون المال والاقتصاد يعد المحرك الرئيس لكل شيء هذا جعل صنعاء تتفوق عسكريًا وسياسيًا ضد شعب سلبت كل حقوقه المادية والعسكرية والمهنية والأكاديمية والثقافية والمدنية ولم يبق لديه غير إصراره وعزيمته وعدالة قضيته ولم تتوقف قوى الاستبداد العسكري والقبلي المتخلف عند هذا الحد بل إنها عملت على خلخلة أركان ثورة شعبنا المباركة بأموال العمالة المدنسة التي تدفقت إليها عبر أطراف يمنية وعربية وإقليمية في تقسيم الحراك وتفكيكه لكنها فشلت في القضاء على جوهر القضية الوطنية الجنوبية المحمي من قبل الشعب البعيد عن "غرف التحويلات البنكية" لذلك كان الجنوب بحاجة إلى دعائم اقتصاد وطني مستقل حتى لا يتم تفكيك الحركة الوطنية وصولا إلى طمس ملامح هويته العربية والقضية السياسية العادلة.

لقد كانت أحداث العام 2011  بين قوى سلطة صنعاء العسكرية والقبلية والمذهبية والإخوانية نقطة تحول لكل الأطراف فالجنوبيون أكدوا أن قضيتهم منفصلة عن إسقاط النظام في صنعاء وكذلك فالأطراف الإقليمية عبرت ليس فقط عن رغبتها بل بالمشاركه في منع ذهاب الجنوب نحو استعادة دولة السابقة فمولت مؤتمر حوار وطني هدفه السياسي الالتفاف على "الأهداف الحقيقية للقضية الجنوبية" من خلال إنتاج مشروع ما عرف بدولة الستة الأقاليم التي كان الهدف منها تقسيم الجنوب وضرب مشروعية القضية الوطنية الجنوبية في مقتل.

ولأن الجنوبيين يعانون الأمرين من جراء فصلهم من الوظائف العامة كان لا بد من إيجاد خديعة لتطبيق مشروع ضرب مشروعية القضية الوطنية الجنوبية من خلال مشروع التقسيم القائم على فصل عدن عن حضرموت فكان مشروع صندوق معالجة القضية الجنوبية قد افتتح بعد الانتهاء من مخرجات الحوار اليمني وتم الإعلان عن جمع نحو ثلاثة مليار دولار بهدف معالجة أوضاع الجنوبيين الذين تم تسريحهم من وظائفهم والذين يزيد عددهم عن مائة ألف موظف.

وبالتالي كان الهدف من جمع هذه الأموال الالتفاف على القضية الجنوبية غير أنه من حسن الطالع أن الأموال هذه ذهبت للاستثمار بعد أن اتفق أقطاب نظام عبدربه منصور هادي على تقاسمها وهو ما أعاد القضية إلى الواجهة مرة أخرى وتمكن الجنوب من تحقيق نتائج عسكرية تمكن من خلالها من خلق تحالفات إقليمية دفعته إلى أن يتصدر المشهد بقوة من خلال كيان سياسي(المؤتمر الجنوبي الجامع)تم تفكيكه بالمال السياسي والاستقطابات الإقليمية والدوليه لاحقا وانشى المجلس الانتقالي الجنوبي بعد ازاحة اهم قيادات الجنوب من ادارات السلطات المحليه في عدن ولحج وحضرموت واثنين من الوزراء في حكومة عبدربه منصور هادي وقتها والذي كان الهدف من تأسيسه وقف التدخلات الإقليمية الهادفة إلى تمزيق الحاضنة السياسية للقضية الجنوبية ومع ذلك ظلت الاستقطابات الإقليمية تتم وفق منهجية"مناهضة للمجلس الانتقالي الجنوبي".

*الأهمية الاقتصادية لعدن وأثرها على الاستقرار* 

فعدن العاصمة السياسية لدولة اليمن الجنوبي السابقة والعاصمة الاقتصادية لليمن الذي أقيم على أنقاض حرب صيف العام 1994م بين عدن وصنعاء ظلت منذ ثلاثة عقود في فوهةالمدفع والأسباب الظاهرة مخاوف المجتمع الاقليمي العربي الخليجي من عودة دولة اليمن الجنوبي ففي الـ22 من مايو (أيار) العام 1990م وقّعت في عدن اتفاقية وحدة (هشة) دون استفتاء وقد كانت هذه الوحدة قد سلبت عدن من صفتها كعاصمة سياسية لليمن الجنوبي لتصبح صنعاء هي العاصمةوفي العام الأول للوحدةأعلنت مدينة عدن منطقة حرة وعقبها بعامين صدرالقانون الخاص بالمناطق الحرة في العام 1993م وراءت حكومة علي عبدالله صالح المنتصرة في الحرب وقتها أن المنطقة الحرة تكمن أهميتها الاستراتيجية من ميزة الموقع الخاص لميناء عدن الجغرافي كونه يقع مباشرة على الطريق التجاري الرئيسي حول العالم ومن الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا ويتميز بإمكانية توفير خدمات الترانزيت إلى شرق أفريقيا والبحر الأحمر وشبه القارة الهندية والخليج العربي وتمثل عدن منطقة تخزين وتوزيع استراتيجية اكثر من مناسبة لأفريقيا والبحر الأحمر والخليج العربي وقبل الوحدة كانت عدن تمثل أهم منفذ طبيعي على بحر العرب والمحيط الهندي فضلاً عن تحكّمها بطريق البحر الأحمر وتشكل أنموذجاً متميزاً لتكامل النشاط الاقتصادي وتنوع البنيان الإنتاجي إذ جمعت بين الأنشطة الصناعية والسمكية والتجارية والسياحية والخدمية وتنبع أهميتها من كونها ميناءً تجاريًّا من أهم الموانئ في المنطقة ومنطقة تجارة حرة إقليمية ودولية وعانت عدن من حروب شتى وتدمير ممنهج خاصة بعد انطلاق الحركة الوطنية الجنوبية السلمية الرافضة للوجود العسكري اليمني في الجنوب وقد توعد نظام علي عبدالله صالح بتحويل عدن الى "قرية"حتى لا يساعد ازدهار المدينةمن كان يصفهم النظام بالانفصاليين على استعادة امجاد واثر دولتهم السابقة ولم يمضِ على ازدهار الحركة الوطنية الجنوبية وفي العام الثاني للحراك الجنوبي 2008م كثيرا اذ قام نظام علي عبدالله صالح بتأجير ميناء عدن لصالح شركة موانئ دبي العالمية وقد اسماه وزير النقل حينها خالد إبراهيم الوزيروهو سياسي يمني من صنعاء أن إنشاء شركة دبي وعدن لتطوير الموانئ التي سيكون مقرها العاصمة الاقتصادية والتجارية عدن اما محافظ عدن حينها وصف (التأجير) بالشراكة وهي الشراكة التي لم يستفد منها الميناء لأسباب تتعلق بالنظام اليمني في صنعاء الذي حاول الاستفادة من الأرباح المالية دون أي تطوير في الميناء كما كان مقررا ومعلنا من قبل محافظ عدن عدنان عمر الجفري وخلال ثلاثة عقود من عمر الاحتلال العسكري للجنوب سلبت عدن من صفتها كعاصمة سياسية أو اقتصادية وظل يطلق عليها في الإعلام مسمى مدينة عدن أو محافظة عدن وفي العام2011م تعرضت عدن لأبشع عملية تدمير ممنهجةفقد سقطت المدينة في أتون الفوضى على غرار سقوط مدن جنوبية أخرى كزنجبار أبين والحوطة في لحج وأسقطت في أتون تنظيم القاعدة الإرهابي ناهيك عن سقوط عدن في قبضة فوضى تنظيم الإخوان الإرهابي.

 *انقلاب الحوثي على الرئيس هادي*

وفي العام 2015م انقلب الحوثيون على نظام عبدربه منصور هادي ليفر الأخير إلى عدن التي اقترح الإخوان على هادي إعلانها عاصمة مؤقتة ولكن مع ذلك رفضت إدارة هادي الإخوانية التعامل مع عدن على أنها عاصمة ولو مؤقتة ولم يستمر احتلال الحوثيين لعدن كثيراً فقد نجحت قوات المقاومة الجنوبية الباسله مسنودة بقوات إماراتية من تحرير العاصمة بعد نحو ثلاثة أشهر من القتال ولكن عملية التحرير وطرد الحوثيين لم تكن الحرب الأخيرة فقد وجد الجنوبيون أنفسهم في مواجهة مع حرب أخرى وهذه المرة باسم داعش والقاعدة وهما تنظيمان إرهابيان نفذا عمليات انتقامية ضد القوات الجنوبية وقوات التحالف العربي الإمارتية على وجه التحديد ولم ترضَ حكومة هادي التي يهيمن عليها الإخوان اعتبار عدن عاصمة مؤقتة فالتلفزيون الذي يحمل اسم القناة بات يبث بنسختين الأولى بإدارة تنظيم الإخوان والأخرى بإدارة الحوثيين ناهيك عن الإذاعة المغلقة والصحف الرسمية التي لم تفتح إلى اليوم ويبرر الإخوان عدم عودة بث تلفزيون عدن من العاصمة إلى خشيتهم من أن يستحوذ عليه الجنوبيون ويعلنون البيان رقم واحد.

*محاربة الاستثمار الجنوبي*

لكن الحرب السياسية لم تقتصر على الإعلام ومحاربة السلطة الشرعية التي جاءت عقب تحرير محافظة عدن سلطات عيدروس الزبيدي الرئيس الحالي للمجلس الانتقالي الجنوبي فالحروب الاقتصادية والخدمات والأزمات المتلاحقة التي واجهتها عدن كان المبرر الرئيس"غياب البنك المركزي" وتحكم الحوثيين به فقام هادي بإصدار قرار جمهوري بنقل البنك المركزي إلى عدن على أمل رفع الحرب الاقتصادية عن المدينة لكن هذا القرار قوبل بالرفض من قبل سلطات الاخوان المحلية وأبرزها مأرب التي رفضت توريد الموارد إلى البنك المركزي في عدن وفضلت أن تكون مواردها لها باستثناء عدن التي كانت مواردها تذهب لدفع مرتبات موظفين في مناطق سيطرة الحوثيين وتنظيم الإخوان خاصة في مدينة تعز اليمنية وتعزيز بنك مأرب الذي يستحوذ على موارد ميناء الوديعة البري وإذا ما نظرنا إلى الحرب الاقتصادية النوعية والقاسية جدا التي تتعرض لها عدن منذ توقيع اتفاقية الوحدة الهشة في مايو (أيار) 1990م إلا إن التدمير الذي طال عدن كان كإجراء انتقامي بعد احداث ربيع اخوان اليمن في العام2011م حيث تعرضت ممتلكات الدولة في عدن للسطو من قبل قوى نفوذ سياسية وتجارية يمنية شمالية حتى إن بعض المجموعات التجارية باتت لديها مساحات شاسعة من الأراضي وكله باسم مشاريع الاستثماري(غير الموجودة) واقتصرت مشاريع الاستثمار في عدن على رؤوس أموال "يمنية شمالية" ايضا في حين حرم المستثمرين الجنوبيين الذين رفضت السلطات منحهم أي تصاريح للعمل ويمكن وضع اسم"شركة بحلس للاستثمار" في الضواحي الشمالية الشرقية للعاصمة عدن، والذي اغلقت بفعل ان السلطات اليمنية في صنعاء ارادت "النصف من الأرباح" مقابل السماح له بالعمل في عدن في حين ان هناك أراض شاسعة صرفت لنافذين موالين للنظام وابرزهم مجموعة هائل سعيد انعم التي تمتلك ميناء خاص بها ومجموعة علي درهم التجارية بالإضافة الى مستثمرين أخرين (كلهم يمنيون شماليون) في حين ان المستثمر الجنوبي ابعد الى خارج البلد منذ ما قبل الوحدة اليمنية بفعل التجربة الاشتراكية التي أتى بها الرئيس اليمني للجنوب عبدالفتاح إسماعيل لكن الأخير فضل الإبقاء على هائل سعيد أنعم وكلاهما ينتميان إلى مدينة تعز اليمنية وفي العام 1993م صدر قانون المنطقة الحرة في عدن بهدف تحقيق مركز عالمي شامل للنقل والعمل وجذب وخدمة مستثمرين إقليميين وعالميين والمساهمة بقوة في ازدهار الاقتصاد الوطني لكن بعد الحرب وانتصار النظام دمرت عدن اقتصاديا لمصلحتة حتى ان نظام علي عبدالله صالح توعد بجعل عدن "قرية" وهو ما اتضح فعليا من خلال رفض النظام تحديث الشوارع والطرق في المدينة ناهيك عن فتح الباب على مصراعيه لتغيير التخطيط العمراني في المدينة من خلال البناء العشوائي الذي ادلى الى تغيير نمط المدينة لما كانت عليه وكل ذلك خشية ان لا تكون عدن مدينة استقرار تساعد على بروز أصوات ما وصفهم النظام حينها بالانفصاليين وقد تكرر ذلك في العام 2018م حين كرر وزير الخارجية عبدالملك المخلافي أن عدم استقرار عدن هدفه عرقلة أي مساعٍ تقود الجنوبيين نحو الانفصال أي بمعنى أن استهداف عدن وتدمير البنية الاقتصادية هدفه عرقلة العودة إلى الدولة السابقة.

د. ايهاب عبدالقادر علي عبدالله

رئيس مؤتمر عدن الجامع 

رئيس مركز عدن الوطني للدراسات الاستراتيجية والبحوث الاجتماعية 

استشاري إدارة وتدريب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق