اخبار ذات صلة

الخميس، 21 يوليو 2022

٢٣ يوليو في ذكراها ال٧٠ ثورة غيرت مجرى التاريخ

 


تحتف الجماهير العربية من المحيط الى الخليج بالذكرى السبعين لثورة الضباط الأحرار التي قامت في ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢م ويأتي الاحتفاء بهذه الذكرى في ظل حالة تشويه واستعداء تعرضت وما زالت تتعرص له هذه الثورة العظيمة ومهندسها جمال عبدالناصر، وللأسف هناك محاولات مستميته من قبل قوى الاستعمار وأذنابه لطمس كل تجربة وطنية قومية مشرفة في الوطن العربي، وطال هذا التشويه مختلف الاجيال صاحب ذلك حاله من الجدل لم تستند على حقائق التاريخ وحقيقة التجربة بل تغلبت عليها النظرة الأيديولوجية المسبقة وارتهنت بالتوجهات والميول الشخصية وطغى نمط المحاكمة التاريخية وتصفية الحسابات بعيدا عن واقع التجربة وذلك في حالة تجاوز لمعايير التقييم، وهي للاسف قراءآت غير عادلة لتحليل هذه الثورة، لذا ينبغي التجرد من هذه التصنيفات والتوجهات في تقديم حكم عادل لثورة يوليو، بل يجب تحليل ثورة يوليو كتجربة حاكمة ما لها وما عليها في اطار سياقها الزمني والمكاني والظرفي، لذا سنحاول تسليط الضوء عليها وتقييم نتائجها بإنصاف وأمانة، وسوف نتطرق لأهم الحقائق التاريخية خاصة الايجابية والسلبية منها، وأهم منجزاتها وهل حققت مبادئها، ومقارنتها كتجربة تجاوزت الحدود الاقليمية وصولا الى التأثير العالمي، ثم قياس مستوى الأداء العربي بعدها .


قد لا يتسع السياق للحديث عما سبق ثورة يوليو والاوضاع السائدة في مصر والوطن العربي عموما ولكن سنعرج باختصار على أهم ملامح تلك المرحلة في مصر والوضع الاجتماعي والسياسي والمعيشي وهي المرتكزات الرئيسية للحكم على النظام القائم، وهنا نعود للوراء قليلا عندما وطئ الانجليز أرض مصر بعد استنجاد الخديوي توفيق بهم للقضاء على ثورة أحمد عرابي ١٨٨١م فبقي الانجليز في مصر كسلطة احتلال، وكان بامكانهم عزل الملك كما حدث مع الخديوي عباس حلمي الثاني ١٩١٤م، وتغيير الوزارات عندما حوصر الملك فاروق في قصر عابدين لتعيين مصطفى النحاس رئيسا للوزراء، وكان النظام السائد في مصر نظاما طبقيا شكله القصر وملاك الاراضي والباشوات من رجال المال الذين كانوا لا يتجاوزون ٥. % من شعب مصر، أما بقية فئات الشعب فقد كانت موزعة بين الفلاحين وفئات الشعب العامل في مجتمع يسود الغالبية منه الجهل والفقر والتخلف مع تجاهل السلطة للفئات الكادحة من أبناء الشعب، وبرزت الصراعات في الداخل بين الاخوان المسلمين وحكومة النقراشي باشا والتي انتهت بمقتله، وفي حرب فلسطين التي دخلتها مصر دون استعداد بصفقة فاسدة بينت تردي الحالة العربية وظروف الشقيقة الكبرى الواقعة تحت ظل التاج البريطاني!! فكانت هذه أبرز القضايا التي رسمت صورة النظام القائم، وحدثت أحداثا مأساوية في العام الذي سبق الثورة ١٩٥١م مثل حريق القاهرة ومذبحة الاسماعيلية على أيدي قوات الاحتلال الانجليزي ما أدى الى التعجيل بقيام الثورة، فكانت مجموعة الضباط الاحرار بقيادة جمال عبدالناصر في سباق مع الزمن لتحديد ساعة الصفر، فقامت بالفعل فجر الاربعاء الساعة الواحدة يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢م حيث تمت السيطرة على قيادة الجيش ومبنى الاذاعة وأذيع بيان الثورة الذي أعلن عن فجر جديد أطل على مصر والوطن العربي عموما وتميزت ثورة يوليو أنها لم يرق فيها قطرة دماء واحدة، كما يجدر الاشارة إلى أن تقارير الانجليز المرسلة الى لندن حول ما سمي حركة الجيش لم تمتلك الصورة الكافية لتلك الثورة فنأوا بأنفسهم عن التدخل لحماية القصر بأعتبار أن نتائج الثورة لن تصل الى مستوى التغيير الشامل لبنية النظام ولن تصل الى أبعد مما يتصور الانجليز، ويحسب لمجلس قيادة الثورة نجاحهم باخفاء نشاطها ويعود ذلك الى التخطيط السليم والأمانة الوطنية التي حملها هؤلاء الضباط، ومما ساعد في نجاح الثورة وصول البلاد الى حالة من الغليان الشعبي، لذلك استقبلت أنباء الثورة باحتفاء منقطع النظير .


قامت ثورة يوليو على ستة مبادئ وهي: القضاء على الاقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة عدالة اجتماعية، وبناء جيش وطني، وبناء حياة ديمقراطية سليمة، هذه المبادئ الوطنية كانت كفيلة للاحتفاء بها واحتضانها من قبل أبناء الشعب المصري الذي مثل غالبيته الساحقة الفلاحين وطبقات الشعب العامل، هذا الشعب الذي عانى البؤس والمرارة بسبب الفقر والمرض والأمية فكان مؤهلا لاحتضان هذه الثورة، ووفقا للارقام المسجلة قدرت البطالة في النظام الملكي بنسبة ٤٦% من أبناء الشعب، وكانت الامراض تعم قرى وأرياف مصر حيث سجلت معدلات مرض البلهارسيا وحدها نسبة ٤٥% من أبناء الشعب المصري، أما الفقر والأمية فقد بلغت ٩٠% وربما تزيد على ذلك نظرا لسيادة النظام الطبقي ومجتمع النصف في المئة التي شكلها رجال المال والاقطاع والباشوات، وسجلت أرقام التلاميذ اجمالا في مختلف المراحل الدراسية قبل الثورة مليون و٨٥٠ ألف، لكن هذا الرقم تجاوز (٥) مليون بفضل مجانية التعليم التي أنجزها نظام الثورة، بينما بلغ نسبة النمو الاقتصادي لاحقا ٧% سنويا، كما بلغ فائض الميزان التجاري عام ١٩٦٩م ٤٦ مليون رغم الظروف المحيطة بمصر، فقد امتلك مجلس قيادة الثورة الاستقلال الوطني والارادة وانطلقت التنمية في مختلف الجوانب الوطنية فصدر قانون تحديد الملكية الزراعية وقوانين الاصلاح الزراعي التي وسعت رقعة المساحة الزراعية والانتاج رافقها ثورة صناعية كبرى، فلم تكن ثورة يوليو ثورة واحدة بل كانت ثورات متعددة الاتجاهات حيث أفرزت ثورة صناعية وزراعية وتعليمية وعمرانية واجتماعية ونفذت أضخم مشروع هندسي في القرن العشرين وهو السد العالي الذي حمى مصر في فترات الجفاف، كما حققت الثورة نجاحات كبرى بتأميم قناة السويس وتوقيع اتفاقية الجلاء مع الانجليز، واسهمت في بناء جيش وطني قوي، واستقبل الازهر الشريف الآلاف من الطلبة حول العالم شاملا الدراسة والاقامة والمعيشة ومصاريف نثرية، بينما كانت القرآن الكريم تبث في مختلف الارجاء ووصل القرآن الكريم مسموعا بصوت كبار القراء الى مختلف الأرجاء، وبالتالي فقد شكلت ثورة يوليو حالة مشرفة تجاوزت الحدود العربية، كما تصدت لقوى الاستعمار حيث ساهمت في دعم حركات التحرر في الوطن العربي، وهنا نستطيع القول أن ثورة ٢٣ يوليو كانت ثورة كبرى غيرت مجرى التاريخ .


قد لا يتسع المقام لذكر ما حققته ثورة يوليو من منجزات، لكن أبرز ما حققته الثورة في النطاق الجغرافي العربي الوحدة مع سوريا، والمساهمة بشكل كبير في دعم ثورات العراق واليمن وليبيا، ومساندة حركات التحرير في الجزائر وتونس والمغرب وغيرها، فكانت القاهرة قبلة للثوار والاحرار حول العالم بل كانت مقاومة أبناء مصر في وجه الاستعمار قدوة لثوار التحرير في دول أمريكا اللاتينية، كما ذكر بن جوريون في رسالته لفرنسا قبل العدوان الثلاثي: "على أصدقائنا المخلصين في باريس أن يقدروا أن عبدالناصر الذي يهددنا في النقب وفي عمق (إسرائيل) هو نفسه الذي يواجههم في الجزائر". فشاركت فرنسا في حرب السويس أو العدوان الثلاثي بعد تأميم عبدالناصر قناة السويس، وساهم الزعيم عبدالناصر في اطلاق الدعوة لتأسيس حركة عدم الانحياز مع كلا من رئيس يوغسلافيا تيتو ورئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، وشكلت زعامة عبدالناصر شبكة من العلاقات والتحالفات الدولية ساهمت بوقوف عدد من دول العالم مع القضايا العربية وما زالت حتى اليوم تتناغم مع كل قضايانا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية .


يمكن القول أن المبدأ الاخير من مبادئ ثورة يوليو لم يتم تطبيقه بالشكل الصحيح وهو بناء حياة ديمقراطية سليمة حيث لم تتح الظروف حينها تطبيقه وربما لم تكن البلاد مؤهلة لتطبيق الديمقراطية ولعبت الظروف السائدة دورها أيضا، أما عن أخطاء تلك المرحلة فقد كان انزلاق مصر في حرب ٦٧م دون جاهزية حقيقية من الاخطاء التاريخية الكبرى التي أعلن عبدالناصر مسئوليته عنها وأعلن تنحيه بل كانت ضربة قوية تعرضت لها مصر والامة العربية، إلا أن الملفت أنها عجلت بتصحيح المسار والمعالجة وتهيئة مصر بجيشها وشعبها والامة العربية من خلفها للاعداد لمعركة الكرامة، وكان خروج الجماهير يومي ٩، و١٠ يونيو في مسيرات مليونية مطالبة عبدالناصر بالعودة الى استكمال قيادة مصر والامة العربية من خلفها تمثل أعظم استفتاء في التاريخ لم تحدث من قبل أو من بعد، وهنا بدأت بالفعل الاستعدادات لاستعادة الكرامة بحرب الاستنزاف التي تعتبر الأساس العملياتي الذي بنيت عليه معركة العبور في اكتوبر ١٩٧٣م، كما أعلنت لاءآت مؤتمر الخرطوم ووحدة الموقف العربي وتوحيد الجهود العربية في دعم جبهات القتال بوجود القيادة المحورية للرئيس جمال عبدالناصر الذي أخلص لوطنه وأمته ونجح في تلك التجربة الحاكمة وفي قيادة ثورة يوليو المجيدة وهذا النجاح هو أحد أسرار حب الملايين للزعيم الخالد جمال عبدالناصر .


وللتاريخ نسجل أن ما حققته ثورة يوليو من منجزات وترسيخها لقيم الكرامة والعزة في الوطن العربي وتأسيسها لمدرسة سياسية فكرية ما زالت خالدة حتى اليوم، رغم غياب قائدها ومفجرها جمال عبدالناصر إلا أن حضوره دائما يطغى على كل مناسبة عربية رغم مضي أكثر من نصف قرن على رحيله فهو الخالد في ذاكرة الملايين من المحيط الى الخليج، وهو الحاضر في كل قضايا الأمة وهو الوحيد الذي ترفع صوره عاليا في كل مناسبة عربية، ذلك لانه أخلص واجتهد وآمن بوطنه وأمته ومقدراتها فشكل علامة فارقة في تاريخ الوطن العربي فقد كان يمثل حجر عثرة أمام المشاريع الاستعمارية بالمنطقة التي لم تستطع اختراق المنطقة العربية طوال عهده بل سادت حالة تحررية عربية شاملة، لذلك بقي الزعيم جمال عبدالناصر خالدا في الذاكرة العربية .


اليوم نتأمل منجزاته ونستعيد ذكرى ثورته ونستأنس بتجربته كتجربة رائدة نادت بقواعدها الثلاث (حرية - اشتراكية - وحدة) وانتجت مشروعا قابلا للتحقيق متى ما توفرت الظروف الملائمة، وما جعل ثورة يوليو ١٩٥٢م من أعظم الثورات في التاريخ هو عناصر القوة التي تميز أي ثورة وطنية لا سيما وجود القيادة المحورية الجامعة والتفاف الجماهير والشعوب العربية حول قيادتها وأثبتت تلك الحالة الجماهيرية قوة الرهان عليها في عدة قضايا دولية إحداها حادثة السفينة كليوباترا الشهيرة وكانت الاداة الاعلامية "صوت العرب" هي الذراع الرابط بين القيادة والجماهير، وكذلك اتساع دائرة الوعي القومي، كما كان من أهم عناصر القوة لهذه الثورة اعتمادها على الذات الوطنية، وبالتالي فمتى ما توفرت تلك العناصر والأسباب فأمتنا العربية حية وقابلة للانطلاق مجددا رغم حالة التراجع العربي الراهنة وهيمنة قوى الاستعمار في هذا الظرف الدقيق حيث فقدت الأمة مشروعها وغاب العمل العربي المشترك، وافتقدت القضية الفلسطينية عناصر الدعم، وتم اجهاض القوة العراقية، وحشدت قوى الشر على سوريا وكبلت مصر بالقيود وانكفأت بقية الاقطار العربية على قضايا الداخل، فأصبحت الامة العربية في وضع حرج تتطلع نحو استعادة الوحدة والتحرر من جديد، لكن الامة العربية تسجل دائما لمحات فاصلة في التاريخ عندما تتوفر لها أسباب النهوض، وأملنا يتجدد أنها ستعود ذات يوم كأعظم الأمم ستعود بالتوراة والانجيل والقرآن .


إن الامة العربية من المحيط الى الخليج ترنو ببصرها نحو تلك التجربة العظيمة التي حملت من المبادئ ما جعل الملايين من العرب ينادون بها في كل ذكرى وفي كل مناسبة قومية، كما أن اللافت اليوم أن المقاومة تسجل نجاحات كبرى وتعيد تصويب بوصلة أبناء الامة نحو فلسطين ونحو التحرير، ولكن يبقى الأمل معلقا في بناء المشروع العربي، وهو أمل مشروع لهذه الجغرافيا العربية، ولا بد من خلق شراكة عربية لمجابهة مهددات الامن القومي العربي وإبراز مواقف عربية مشرفة فالامن القومي العربي واحد لا يتجزأ، وهذه الامة رغم الغياب ستظل حبلى بملاحم النصر بعون الله .



خميس بن عبيد القطيطي



khamisalqutaiti@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق