اخبار ذات صلة

الاثنين، 8 مارس 2021

داعش رأس الحربة الأمريكية فى المنطقة حوار مع المفكر السياسي أيمن فايد نقلا عن الاهرام

 

رئيس مجلس الادارة

أحمد السيد النجار

رئيس التحرير

محمد عبد الهادي علام

AdTech Ad

داعش..رأس الحربة الأمريكية فى المنطقة

ملف يكتبه: محـــمد حبــوشة
AdTech Ad
نحن بحاجة لعلم جديد، فلم نعد نحيا نوعا من المشاكل التقليدية بحسب المفاهيم القديمة، وفى ظل مايسمى بالفوضى الخلاقة الداعية إلى التقسيم وتفتيت أواصر دولنا العربية وتعقد المشكلات عبر إحداث أكبر حالة من الارتباك فى التاريخ بفعل استراتيجية "الشىء ونقيضه"

 أصبح محتما علينا فى اللحظة الراهنة إيجاد حلول غير تقليدية، بل حلول أكثر عبقرية، بمعنى وجود منهج وميزان يكفلان لنا صناعة استراتيجية جديدة تقوى على مجابهة الأفعى الأمريكية التى تتمدد يوما تلو الآخر فى محاولة لبسط نفوذها على جناح "داعش"، ذلك الوهم الذى صنعته الولايات المتحدة، ومن هنا فلا يفل الوهم إلا الوهم.

وليس ضروريا هنا أن يكون ذلك الوهم بنفس المسمى، فبعدما اشتغلت أمريكا على4 سنن كونية ممثلة فى: " العامل الجغرافى – العامل الاقتصادى – العامل الاجتماعى – العامل العسكري" لم يعد أمام العرب الآن سوى السنة الكونية الخامسة وهى صناعة "البطولة" سواء كانت ممثلة فى شكل "بطولة الأمة" التى تسمى "إرادة"، أو تلك النابعة من "بطولة الفرد البطل" أو "المعجزة"، وهذا لا يتأتى إلا بالوحدة بين أبناء أمة تربطها وشائج القربى والدين والوطن، وربما كانت مصر على وجه الخصوص هى النقطة المضيئة والمؤهلة بطبيعة الحال للعب هذا الدور، عندما بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسى بتحديد ملامح هذا الخط فى القمة العربية الأخيرة بإطلاق مبادرة قوة عربية مشتركة تقوى على مواجهة رأس الحربة الأمريكية فى المنطقة، الأمر الذى رفع سقف طموحات الشعوب العربية للخروج من المأزق التاريخى قبل أن تجرفنا "داعش" وغيرها نحو حافة الهاوية.

وهذا ما يؤكد ضرورة أن نسعى لإيجاد رؤية للحل، ووجود استراتيجية نعمل عليها، خاصة أن الأمريكان لديهم استراتيجية "الشىء ونقيضه"، وهم يكسبون بها، فلو نعتناهم بالشعر أو قدحناهم به فهم الكاسبون فى النهاية، وهذا ما يطلق عليه "استراتيجية تعدد الوسائل أو البدائل"، ولعلنا الآن بحاجة إلى استراتيجية الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما قال "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إذا أصابته سراء شكر، فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"، ولأن أمريكا آمنت منذ البداية باستراتيجية تعدد الوسائل، أو استراتيجية "الشيء ونقيضه"، فمن ثم يلزمنا استراتيجية عربية من صنع أيدينا، تماما كما فعل الرسول الكريم فى مثل تلك المواقف.

قديما قال الحكيم الصينى وقائد المعارك المشهور "زانتزون" عندما سألوه: كيف ننتصر على جيش "شويجان"؟ فقال لهم : أولا اعرفوا معنى كلمة "شويجان"، ولماذا لقب بـ "الثعبان الجبلي"، فسكتوا ، فقال لهم : إذا ذهبت وضربت الثعبان فى الرأس لسعك الذيل، وإذا ذهبت لتضربه فى الذيل التهمك الرأس ، وإذا ذهبت لتضربه فى الوسط اجتمع عليك الذيل والرأس، فأغلقت الدائرة فمن الذى يستطيع فصلها".

وفى إطار الحاجة لعلم جديد أو حلول غير تقليدية تصل إلى حد العبقرية، يلزمنا فى هذا الملف لمواجهة رأس الحربة الأمريكية فى المنطقة التى تسمى مجازا "داعش" أن نعرف كل شىء عن طبيعة نشأتها وتكوينها من الجذور، مرورا بطرق تناميها، وانتهاء بأهدافها المعلنة وغير المعلنة فإلى التفاصيل التى يستعرضها معى الدكتور أيمن فايد، المستشار الإعلامى السابق لأسامة بن لادن، والأمين العام للجنة الشعبية لتوحيد الأمة حاليا..


النشأة الأولى

كانت نقطة الانطلاق الأولى لما يسمى "داعش" من قلب أتون المعارك فى أفغانستان نهاية ثمانينيات القرن الماضي، باعتبارها البؤرة الأساسية التى صنعت أمريكا على أرضها كل الجيوش من جماعات العنف والإرهاب التى نراها الآن، وربما قامت "هيلارى كلينتون" بعمل قفزة فى الظلام فى محاولة لتضليلنا فى كتاب مذكراتها "خيارات صعبة" والذى صدر في 9 أغسطس 2014 "عندما قالت "إن الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام –داعش - بالاتفاق مع الإخوان المسلمين لتقسيم منطقة الشرق الأوسط"، لكن يبدو لنا أن الموضوع أقدم بكثير، وبالتالى فإن كلام "كلينتون" الذى لا يقبله العقل والمنطق يأتى على سبيل التمويه ليس إلا ، لإن الإخوان كانوا مجرد أحذية فى قدم أمريكا، وهم فى النهاية حكام ولا يحكمون، وقادة ولا يقودون، هى إذن مجرد محاولات لإبعادنا عن الجذر الحقيقى للأزمة الداعشية، حتى نتوه ولا نعرف كيف نزن الأمور بميزانها الصحيح وصولا للحقيقة.

نعم الموضوع قديم جدا، فهناك شخص يدعى"مايكل فيجرز" كانت له اليد الطولى فى هذه النشأة - وهذا سبق نكشف عنه لأول مرة بحسب الدكتور أيمن فايد- وهو تلميذ وابن نجيب لـ"زبغنيو بريجينسكى مفكر استراتيجى ومستشار للأمن القومى لدى الرئيس الأمريكى جيمى كارتر بين عامى 1977 و1981، وهو يعمل حاليًا مستشارًا فى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وأستاذًا بمادة السياسة الخارجية الأميركية فى كلية بول نيتز للدراسات الدولي" ، وبالمناسبة يطلق على فيجرز نفسه "صقر أوذئب المخابرات الأمريكية" ، والذى عين فى مناصب كثيرة من عام 1973، وظل لمدة 13 سنة يعمل على الملف الأفغاني، وعلى الجماعات والتنظيمات التى تكونت هناك سواء " الجهاد أو الجماعة الإسلامية أو تنظيمات الإخوان المسلمين" أو حتى تلك التابعة لعبد المجيد الزندانى و الدكتور عبد الله عزام ولعب على الانشاقات الموجودة بين القيادات الأفغانية السبعة - آنذاك - التى كانت تحارب روسيا فى الأوقات الأساسية بسلاح أقل من ذلك الذى تحارب بعضها البعض فى أوقات أخرى.

هذا الرجل ظل من "1976 – 1986" فى حالة بحث ودراسة متأنية لتلك الجماعات، وقد تخفى بعد ذلك فى أعمال إدارية، إلى أن ظهر مؤخرا يقود "داعش" فى العراق وسوريا وفى ليبيا، وقد ولاه أوباما منصب وكيل وزارة الدفاع الأمريكية، وهذا يشير إلى أنه استفاد من تجربة أفغانستان بحكم وجوده فى هذا مطبخ صناعة العنف، ولأن أستاذه اليهودى "بريجينسكي" الذى غرس فى عقيدته من البداية فكرة أن المسلمين الذين جندناهم لمقارعة الروس سيخرجون لمحاربة الغرب الكافرفقد بدأ عمله الأساسى انطلاقا من أفغانستان، ولعل فيلمى "رامبو 1 ورامبو2" اللذين صنعامن وحىأحداث أفغانستان كان مقصودا بها تمجيد بطولة "مايكل فيجرز"، وأساسا هذان الفيلمان لم يتم تصويرهما فى أفغانستان، بل فى صحراء النقب فى إسرائيل.

"فيجرز" اتخذ من تحذير أستاذه "بريجينسكي" قاعدة يعمل عليها، فهؤلاء الأفغان والعرب سيخرجون من الحرب الروسية منتصرين، وبالتالى كيف نوظفهم لمصلحتنا؟، إذن علينا أن نشكل جماعات منهم ونستخدمهم ضد أنفسهم وضد أوطانهم فيما بعد, وهذا يدلك على أنه لم يكن مختفيا طوال 20 عاما، بل كان يصنع تلك الخميرة الإرهابية ونواتها "البلاك ووتر" ، وهو اختصار للجيش السرى الأمريكى وقوامه " 250 -35- ألف مقاتل"، وكل هؤلاء مرتزقة مخطوفون من الملاجئ "عربا ومسلمين" عندما كانوا أطفالا عمرهم (سنة وسنتين)، حيث يوفرون لهم الطعام والسلاح، والصبى مهنم لايعرف أهله،بل يصبح معلمه هو كل أهله فى الحياة، ولا يعى أى شىء سوى عقيدة القتل التى يظل طوال الوقت يتعلمها مقابل المال ليس إلا، ولعل شيئا من هذا تم استغلاله فى قلب ثورات الربيع العربى بحسب ماتردد عن "البلاك ووتر" وغيرهم من عناصر مسلحة وجدت من قبيل الصدفة فى ساحات هذا الربيع العاصف بمقدراتنا.


التنظيم الكارثة

فى قلب الساحة الأفغانية كان لـ "تنظيم القاعدة" وجود قوى رأت فيه أمريكا كارثة عليها ، فكيف نتصرف مع الأفغان العرب الذين ستسيطر عليهم القاعدة بعد خروج الروس، وبعد سلسلة من عمليات القمع والإكراه من اغتيالات وتصفيات جسدية ومنع الإقامة، فضلا عن تسليمهم لبلدانهم ليكون مصيرهم السجون والمعتقلات، أو عبر وسائل ضغط أخرى بالقبض على ذويهم فى تلك البلدان لم يعد هناك غير وسيلة الترغيب بعد فشل الترهيب، ورغم الدخول فى معارك "جلال آباد" الطاحنة بهدف تصفية الأفغان العرب والقاعدة معا، فقد فشلوا فى القضاء على 30 ألفا من هؤلاء، لكن "مايكل فيجرز" استطاع عن طريق عميل مخابراتى فرنسى عرض مشروع مغر على الأفغان العرب من الذين تتعقبهم حكوماتهم بمنحهم جزيرة معزولة فى فرنسا، تتوافر فيها وسائل الحياة الكريمة من مأكل ومشرب ورواتب واستكمال دراسة، أو جلب أهل من يرغب منهم للعيش معهم، وبدأ الأمر ذلك ينتشر فى المعسكرات والجبهات فى باكستان وأفغانستان، لكن "القاعدة" تلقفت هذا الأمر وأدركت أن أمريكا بذلك تريد ضمان حل مشكلة البلدان الشرق أوسطية التى تتضرر من عودة الأفغان العرب إليها من ناحية، ومن ناحية أخرى تكوين "قاعدة موازية" تكون جاهزة للجهاد فى أى مكان من العالم، ولذا فإن الشيخ أسامة بن لادن تأكد من صحة ماقلته قبل سنة من تلك الصفقة - يقول فايد - عن أهداف أمريكا من كل تلك اللعبة، وكانت تلك ذريعة لمحاولة أو تصفية لى عن طريق المخابرات الأمريكية وعن طريق بعض القيادات الأفغانية ومنهم الشيخ " عبد الرب سياف" صاحب أطول لحية فى العالم، والذى دخل قدس الأقداس فى السعودية وسط القاعدة وصلى ركعتين فى قلب الكعبة حتى تكون له القيادة.

كانت تلك المفاجأة كبيرة لأسامة بن لادن بعدما كشفت له أسباب فشل القاعدة طوال سنة كاملة فى ضم مالايزيد عن 50 فقط ضمن صفوفها، ومن ثم رصد أموالا كبيرة لكيفية إنقاذ الذين يمكن أن يذهبوا للجزيرة الفرنسية طبقا للمخطط الأمريكى، وبالفعل أفشل المخطط " الأمريكي- الفرنسى – الأوروبي" تماما، ولكن بعد أن وصل عدد المنضمين للقاعدة حوالى ستة آلاف فيما بعد (بالمناسبة لم يدخل القاعدة سوى خمسة مصريين فقط من ضمن52 مصريا فقط كانوا موجودين)، وهذا يشير إلى أن الإعلام المصرى روج كثيرا لأكاذيب حول من شارك فى تأسيس القاعدة من المصريين الذين نسجوا أساطير كثيرة وانتصارات وهمية لاتمت للواقع بصلة، ومن ضمنها محادثة تليفونية بين المعزول محمد مرسى وأيمن الظواهرى تدعى بأن يأخذ الظواهرى مجاهدى القاعدة فى أفغانستان وقت انسحاب الأمريكان، وألا يتعرضوا لهم بأذى فى سبيل أن يأتى هؤلاء لسيناء، وعلى أثرها بدأت وسائل الإعلام والتكهنات تتفاعل مع هذا الأمر رغم أنه عمل مخابراتى أمريكى ليس أكثر لإحداث نوع من اللغط.


القاعدة الوهمية

حاولت أمريكا طوال الوقت الاستفادة من أى موقف وقلب الحقائق لصالح مخططاتها فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، تماشيا مع مخطط "فيجرز" الذى وضع أسسه مبكرا لتكوين "داعش" وجعلها رأس الحربة فى المنطقة، وأن تكون شوكة فى ظهر المسلمين تمهيدا لاستكمال مخططات السيطرة ، فالثابت أن القاعدة فى أفغانستان كانت العدو الأكبر لأمريكا، ولعل عمليات التصفية وضربها للقاعدة بطائرات بدون طيار وأسامة بن لادن وغيره ما يؤكد تلك العداوة ، وبالتالى يصبح من العبث القول بأن أمريكا أنشأت القاعدة، أو أن ثمة علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين "داعش والقاعدة" ، والأخيرة هى العدو الأكبر لأمريكا منذ البداية ، كما أن هناك اعتبارات لابد أن تؤخذ فى الحسبان، فليس من المنطقى أن ترسل عناصر القاعدة من أفغانستان لتكون بالقرب من إسرائيل الحليف الاستراتيجى لأمريكا، ناهيك عن وجود قوات متعددة الجنسيات، والمجرى الملاحى الدولى "قناة السويس" وبالتالى هذا كلام لايقبله عقل أو منطق.

ويوضح مستشار بن لادن أن المشير عبد الفتاح السيسي، كان فطنا لتلك النقطة – وقت حكم الإخوان – وقد ذكرت ذلك فى عدة لقاءات تليفزيونية مؤكدا أنه لا وجود للقاعدة فى مصر، حيث أشار "السيسي" وقتها إلى خطورة هذا الكلام ، خاصة فى ظل وجود تسريبات إسرائيلية تقول إن القاعدة موجودة فى سيناء، وهو مايضع مبررا منطقيا لهم ولأمريكا بالتدخل فى سيناء، وفقا للقرارات الدولية التى تلاحق القاعدة، مرة أخرى فإن كلام المحللين والخبراء عندما لا يستند إلى معلومات وأدلة أو حقائق مثبتة، وهو ربما ما يضعنا فى دائرة الخطر والملاحقة، بفضل ثرثرة لاتغدو إلا أن تضعنا فى المحظورمن ناحية ، ومن ناحية أخرى تخدم أهداف خطة "مايكل فيجرز" ، خاصة بعدما فلت منهم الأفغان العرب بسبب إثناء القاعدة لهم عن الذهاب للجزيرة الفرنسية، ومن ثم قام بتأسيس مايسمى بـ"القاعدة الوهمية".

ودعنا نتوقف قليلا أمام تلك "القاعدة الوهمية" ونوضح أنها جاءت كنوع من تمهيد الأجواء قبل الترويج لما يسمى "دولة العراق الإسلامية"، وقبلها الترويج لـ"مقاتلى الجزائر، والقاعدة فى شمال المغرب، وبوكوحرام"، ثم تتويج كل ذلك بإنشاء "داعش" على وضعها الحالي، وكل تلك الكيانات لم تكن سوى نتاج الجيش السرى للمخابرات الأمريكية على غرار "البلاك ووتر وفرسان مالطا"، وليس كل هذا سوى أنه يمثل "القاعدة المزيفة"، وبالمناسبة هناك ثلاثة أنواع من القاعدة المزيفة، أولها "القاعدة الأمريكية" وهى الأكبرعددا وعدة وإمكانات وتسليحا وخطورة وفكرا إرهابيا عنيفا، والثانية "القاعدة الإيرانية" ، وفى المرتبة الثالثة والأخيرة "القاعدة الإسرائيلية".

ولتأكيد ذلك أكثر عليناأن ننظر بعين الاعتبار إلى أن "داعش" فى سوريا هى من نوع "القاعدة الأمريكية والقاعدة الإسرائيلية" معا، فقد كانت التوقعات الأمريكية تشير إلى أن بشار الأسد وهو يحارب "الجيش الحر"فى البداية سيتم سقوطه بعد يوم أو 48 ساعة، ثم بعد أسبوع، وتوالت الأيام والشهور والسنون وعلى أثرها تلاشى الجيش الحر ولم يسقط بشار، ومن ثم ابتكر الأمريكان من يقوم بأعمال عدائية وأكثر دموية لا يقوى عليها، فاجتمعت عناصر الشر"أمريكا وقطر وتركيا" على إنشاء مايسمى "جبهة النصرة" لكى تقوم بالأعمال القذرة التى كان يفترض أن يقوم بها الجيش الحر، ورغم فشله فى المهمة فبمساعدة "جبهة النصرة" استطاع السيطرة على أماكن متعددة، وهو ما جعل بشار ينتبه إلى ضرورة ضم "القاعدة الإيرانية" له فى حربه ، وبالتالى بدلا من أن تكون "دولة العراق الإسلامية" ، أصبح هناك امتداد طبيعى لـ " الدولة الإسلامية فى العراق والشام" والتى يطلق عليها اختصارا "داعش".


دروس الماضي

وحتى تثبت أمريكا أقدامها بقوة أكثر فى هذه المنطقة فقد ذهب صانعو استراتيجياتها التوسعية للتقليب فى كتب آبائهم وأجدادهم للاستفادة من دروس الماضى فى وضع خطط تبنى بالأساس على الثغرات التى أدت إلى انتصارات العرب والمسلمين، وربما يدعونا هذا نحن العرب الآن إلى فتح كتب آبائنا وأجدادنا أيضا، لنرى كيف تصدوا لهذه الحملات، بدلا من الذهاب للتشكيك فى البخارى ، والتشكيك فى سنة الرسول، والتشكيك فى الفقه، وبالتالى التشكيك فى الاستدلالات، أو ما يعنى التشكيك فى القرآن - والعياذ بالله -بعدما وصل هؤلاء للتشكيك فى المولى عز وجل ، فى ظل المسعى الأمريكى للتمهيد لسيادة الديانة البوذية على الـ 7 مليارات نسمة، هم سكان الكرة الأرضية، وهو ما يدفع للقول بأننا نواجه أخطر حملة صليبية عرفها التاريخ فى الشرق الأوسط يواجهها الرئيس السيسى والجيش المصري، بحكم "أنهم خير أجناد الأرض"، وبالمناسبة هؤلاء يرفضون المناظرة فى هذه الأمور التشكيكية، وكأننا نعيش أجواء الفتنة الكبرى ، حين قالوا إن الخليفة عثمان بن عفان – رضى الله عنه – وقع فى 12 خطأ ، وتم دفعها جميعا ، لكن لا أحد يجيب.

أمريكا الآن تسحب منا الوقت فى مهاترات حتى تكتمل أركان مؤامرة العدو– يؤكد الدكتور أيمن فايد الأمين العام للجنة الشعبية لتوحيد الأمة - ، وإذا نجحت فى التشكيك فى الدين - فبها ونعمة وكفى الله المؤمنين القتال، ولنا درس تاريخى مهم فى فيلم "لورانس العرب" ، ففى عام 2006 وتحديدا 14 قبراير 2006، كان هناك كاتب إسرائيلى يدعى "عامير أرون" كتب مقالا فى "هاآرتس" مفاده: "لقد اجتمع السادة الضيوف والمضيفون فى صقلية، وعلى رأسهم "رامسفيلد"- أقدم وزير دفاع مكث فى هذا المنصب فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية - مع وزراء حلف الناتو، يتدارسون فقط مذكرات "لورانس العرب"، وعكفوا على أوراقه ومذكراته ليدققوا فيها كى يعرفوا كيف كان دور "الثورة العربية الكبرى" فى مواجهة طموحات الأوربيين فى المنطقة، وكيف انتقلت تجربة الدولة العثمانية المريضة إلى العالم العربى لتصبح دولة قوية، وأضاف: إن الجيش الأمريكى يعكف حاليا وعلى وجه الخصوص على دراسة مقولة "لورانس العرب" عندما بعث للأوروبيين قائلا: لاتحتسوا الشوربة بالشوكة، فالثورة قادمة لا محالة، ولكن يمكن جعلها تنحرف عن مسارها الطبيعى أو المعتاد، محذرا: "فبدلا من أن تكون ضدنا كثورة وحدة تصبح فى صالحنا" تماما كما حدث فى ثورات الربيع العربى الحالية، وهى فى الحقيقة ثورة كذابين يصدقها الجهلاء.

رامسفيلد وقتها قال : سنظل ندخل هذه المنظومة لمدة 4 سنوات فى أتون حرب يعقبها حرب طويلة المدى ، وهو ما نعيشه الآن، وبدأوا العمل منذ تلك اللحظة، ودعنا هنا نسمى هذا بـ (المشهد 1)، أما فى (المشهد 2) : الملك سعود بن عبد العزيز صديق صدوق للرئيس الأمريكى "دوايت أيزنهاور"، وهو الرئيس الوحيد الذى اجتمعت له جيوش لم تجمع لغيره من قبل مثل " نابليون أو هتلر" أو حتى خطرت على عقل مفكر استراتيجى عظيم مثل "كارل فونت" صاحب كتاب "الوجيز فى الحرب"، وهنا قال الملك سعود لأيزنهاور: خرجتم من الحرب فى الحرب العالمية الثانية منتصرين بدعم جيش الحلفاء - وهو حشد لم يتكرر كما ذكرنا مسبقا - مشيرا إلى أنه آن الأوان لعودة فكرة القومية العربية ووحدة العرب، فهب "أيزنهاور" منتفضا وكأن عقربا قد لسعه لتوه، رافضا الفكرة شكلا وموضوعا، قائلا : " إلا الوحدة .. إلا الوحدة .. إلا الوحدة"، وهذا يدعو للتساؤل المنطقى: هل تعجز أمة منتصرة بهذا الشكل أن تحقق فكرة الوحدة العربية، حيث الاتصال الجغرافى والتواصل التاريخى والمخزون الثقافى الواحد النابع من لغة واحدة ودين واحد وشريعة واحدة وهموم واحدة، فليس خافيا أن الهموم فى "مصر – السعودية – ليبيا" وحدة واحدة لا تتجزأ.


تحطيم الرموز

إذن الغرب يخاف من الثورة الحقيقية عند لورانس العرب فى المشهد الأول ومن الوحدة عند أيزنهاور فى المشهد الثانى، وهو ما يوضح أن الغرب يخاف منا بسبب الثورة والوحدة الدينية والعرقية، ومن هنا غدا يضرب كل ما يتعلق بحرب 1973 باعتبارها رمزا كبيرا للانتصار العربى، وبالتالى ليس غريبا أن يكون قرار 1973 ضد ليبيا بحظر الضرب بالطيران حاملا لنفس الرقم الصعب فى حياة أمة العرب، أيضا انظر إلى مصير جميع الرؤساء والجيوش التى اشتركت فى حرب 73، فما الذى حدث لكل من شاه إيران "محمد رضا بهلوي، الملك فيصل، السادات، القذافى، حتى محاولات ضرب حافظ الأسد"، نفس لعبة الانتقام منك فى كل شىء.

هم لم ينسوا أعظم ثورة فى التاريخ حدثت بعد ثورة الرسول "صلى الله عليه وسلم"، لأن الثورة تنبع من أعظم علم وهو "علم الحرب"، وعلم الثورة مشتق من علم الحرب، والثورة اجتمع لها علمان، وليس علما واحدا، وهما "علم طبيعة تكوينها، وعلم طريقة توصيلها"، ومنذ الإنسان الحجرى الأول ليس للثورة إلا نوعان، أولهما: ثورة معرفية خلقية، والثانى ثورة العدد والضخامة، أى ثورة الوحدة، أليس ذلك هو مافعله الرسول "صلى الله عليه وسلم"، فقد كانت العرب 365 قبيلة متنازعين ومتفرقين، وبينهم بحور من الدم مثل "حرب داعس والغبراء، وحرب الباسوس"وغيرهما مما كان ينشأ على أتفه الأسباب، وكانت الـ 365 قبيلة بعدد أيام السنة وبـ 365 إله يحلقون حول بيت الله الحرام فى الكعبة، فهل هناك فساد فى الأرض أكبر من ذلك على مستوى الربا والخمر وأصحاب الرايات الحمر" وغير ذلك من مظاهر عرفت بالجاهلية.

ومن هنا جاء سيدنا محمد ليوحد هؤلاء جميعا على كلمة سواء، وحطم الأصنام، وأحدث ثورة معرفية وخلقية ، وانظر هنا إلى سورة "ن والقلم ومايسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون" ثم ذكر المولى عز وجل "وإنك لعلى خلق عظيم" ففى الآية الأولى تتجسد الثورة المعرفية وفى الآية الأخيرة تبدو الثورة الخلقية، حتى إنك تلحظ أن السورة كلها عبارة عن وحدة، وهو ما فعله الرسول "صلى الله عليه وسلم"، وبغض النظر عن الثورات "الفرنسية – الروسية" والتى تعد ثورات مزيفة، لأن شبهة التعامل مع الخارج كانت قائمة فيها، أما حرب 73 فقد حدث فيها النوعان من الثورة المعرفية والخلقية، فلم يسجل حادث سرقة واحد وقتها أو جريمة صغيرة أوكبيرة، وجاءت المعارك لتحطم أسطورة خط باريف بفكرة لضابط مسيحى "باقى ذكي" الذى ابتكر فكرة خراطيم المياه، وهذه الحرب هى التى وحدت العرب على هدف واحد " ليبيا – العراق السودان الجزائر وحتى إندونيسيا وإيران".


خلافة داعش

المهم فى الأمر هنا أنهم بعدما فتحوا كتب آبائهم، تزامنا مع حملات تشكيكية لكتب آبائنا وتشويه سنة الرسول "صلى الله عليه وسلم، أصبح ضروريا أن نتسلح بالعلم وأن نفتح من جانبنا كتاب "صلاح الدين – قطز – وبيبرس وغيرهم " لمعرفة كيف حقق هؤلاء القادة العظام الانتصار على أعدائهم، ولكن كيف يمكن أن نتحد الآن؟، الإجابة المنطقية – على حد قول فايد - لايمكن أن يحدث ذلك إلا بوجود قيادة حكيمة، ولذلك فهم يقومون بضرب وحدتك بابتداع مايسمى الخلافة على جناح "داعش" بحيث يتم تشويه فكرة الخلافة ذاتها بإلصاقهابالعنف الأعمى وسفك الدماء بأسلوب همجى لاينتمى للإنسانية، بقيادة "أبو بكر البغدادي"، وما أدراك ما البغدادى هذا، ذلك اليهودى الإسرائيلى "شمعون أليوت" بغض النظر عن كون اسمه "إبراهيم عواد البدري" من العراق ، والذى يعد دربا من العبث الذى يحدث الارتباك واللغط.

والحقائق المرة فى مسألة نشأة "داعش" تؤكد أنه سبق البغدادى مقاولون من الباطن، مثل " فتاة تدعى "ريتا كاتز" ، وهى فى الأساس يهودية بصراوية من العراق، وكان أبوها ضمن يهود العراق الذين اتهموا - قبل تولى صدام حسين والبعث مقاليد الحكم فى – بمساعدة الكيان الصهيونى ودعم دولة إسرائيل ، كما بدا من خلال تحقيقات أجريت معهم، وبينهم من حكم عليه بالإعدام مثل أبو "ريتا"، ومن ثم فقد أخذت الأم ثلاثة أبناء لها كانت أكبرهم "ريتا" وأخت وسطى وأخ أصغر، وهربت بهم إلى إيران ومنها إلى إسرائيل، وكبر الأبناء ودخلت "كاتز" جيش الدفاع الإسرائيلى بعد حصولها على ليسانس فى الآداب، وبدأت تحضر للماجستير، وبالطبع كانت تتوفر عناصر الذكاء ومهارات الكذب إلى جانب الحقد الأعمى ضد المسلمين والعرب على وجه التحديد، وهو ما أهلها لدخول الموساد، ورأى الأمريكان فيها نبوغا يؤهلها للتعاون مع المخابرات الأمريكية فى آن واحد، وتم تدريبها على فن حياكة الأكاذيب والحقد على المسلمين والعرب.

ودشنت ريتا عملها بنشاط بالغ فى الذهاب إلى قلب التجمعات الإسلامية فى أوروبا، وبرعت فى نسج الأكاذيب عن المسلمين حتى عام 2003 عندما بدأت أمريكا فى غزو العراق لتعود إلى مسقط رأسها الأصلى بالبصرة من جديد، لتأسيس "دولة العراق الإسلامية" بقيادة العميل الأمريكى "أبو عمر البغدادي" الذى تم استبداله بـ"أبو بكر البغدادي" الذى يسمونه "إبراهيم عواد إبراهيم البدري"، وبعد ذلك تم الكشف عن هوية "ريتا كاتز" عن طريق الموقع الذى تكتب فيه ويسمى "سات انتليجانس"، من خلال البيانات التى تنشرتها والتسجيلات التى ترسلها عن القاعدة بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية، وكانت بالمصادفة قامت بتنزيل تسجيل للقاعدة على الموقع قبل أن ترسله لقناة الجزيرة، وبالمقارنة بالتورايخ تم كشف الأمر، لكنها أدركت وبسرعة قامت بحذفه وادعت بانه قد سرب إليها.

ومعروف أن "دولة العراق الإسلامية" موجودةبالمثلث السنيفى الجزيرة الخضراء، ولا يمكن أن تتحرك نملة أو تطير ذبابة هناك من شدة التأمين على الأرض أو فى الجو، والأمريكان لم يكن لديهم رغبة فى ترشح السنة فى الانتخابات حتى تذهب الغالبية للشيعة الذين ينتمى إليهم رجل أمريكا وإيران "المالكي"، وكان الطيران يقوم بتوزيع منشورات فوق هذه المنطقة باسم "دولة العراق الإسلامية"، وفيما بعد بحثنا وراء "ريتا" اتضح أن لها كتابا حول فترة انخراطها داخل التجمعات الإسلامية، وهو ما كشف عن هويتها بعدما أعلنت إسلامها، بعد أن ظلت طويلا تخفى قصة تعاونها مع الموساد والمخابرات الأمريكية فى إطار مخطط زرع "داعش" فى العراق، ومن ثم ظهرت علاقتها بالبغدادى الذى صنعه "فيجرز".

وتبقى الحقيقة الجلية هى أن نعرف: كيف حدث كل ذلك؟، وكيف تم عمل هذا المخطط؟، وكيف درسوا كتب أبائهم وآبائنا قبلنا؟ وكيف شوهوا أهم نقطتين هما أساس خروجنا من تلك المؤامرة " الوحدة – القوة العسكرية المشتركة" اللتين فطن إليهما الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ عدة أيام بإشارته إلى قوة العرب الموحدة.

استراتيجية المتاهة

كما أوضحنا سابقا يبقى العقل المدبر لظهور "داعش" وعمليات زرعها فى المنطقة هو "مايكل فيجرز" طبقا لمخطط بريجينسكى الأساسى للسيطرة على المنطقة عن طريق توظيف الأفغان العرب والذى أفسدت خططه القاعدة - كما ذكرنا قبل ذلك - فى إشارة لقدم المخطط وتجديده كما حدث بدخول "برنارد ليفي" عراب الثورات العربية على الخط فيما بعد، والذى ظهر فى قلب ساحات الثورات فى تونس والقاهرة وطرابلس، وهو أحد تلاميذ "فيجرز" الذى مازال يعمل وكيلا لوزارة الدفاع الأمريكية حتى يومنا الحالى وأحد مخططى الجيل الرابع من الحرب.

وقد تجلى المخطط فى إطار استراتيجية المتاهة ضمن ما يسمى بـ"الجيل الرابع للحرب" حيث استعان "فيجرز" بمقولة نابليون بونابرت العظيمة: " إذا رأيت عدوك يحارب نفسه فدعه ينتحر"، كما استند أيضا لمقولة أخرى له عندما كان منفيا فى جزيرة القديسة هيلانة: "ليس أحد سواى عدو لنفسي، لقد كنت أكبر عدو لنفسي" واستغل كذلك نفس الاعتراف الناتج عن لجنة "أجرناد" التى تشكلت عقب هزيمة الكيان الصهيونى عام 1973، عندما خرجت "جولدا مائير" رئيسة الوزراء الإسرائيلية لتقول: "حاكمونى أنا أولا، فأنا المسئولة عن الهزيمة، لقد وصلتنا كل المعلومات التى تقول أن مصر ستحارب، ولكن تحليلاتنا كانت خاطئة ، فالسادات فعلها فينا عشرين مرة سابقة"، هذا هو الاعتراف الذى يفضى للمتاهة، مع أن الاعتراف بالحق فضيلة - كما علمنا ديننا الحنيف - لذا يبدو مصطلح "حرب الجيل الرابع" لا محل له من الإعراب، فالحرب هى الحرب منذ الإنسان الحجرى وحتى الآن، بغض النظر عن انتمائها أو عدم انتمائها لجيل دون آخر، فأقل كلماتها " الموت"، رحاها تطحن، والدمار هو النتيجة الطبيعية،

ألم يسع العدو فى حربه معنا منذ القدم بمحاولات هزيمتنا معنويا ونفسيا ويصل بنا لقتال بعضنا البعض؟، وبغض النظر عن جيل أول و ثانى و ثالث ورابع وخامس من الحروب فليس ذلك سوى مبرر للحكام بأن هذا نوع جديد من الحرب لم نعيشه من قبل، مع أن الحرب كما قلنا هى الحرب، وهنا يحضرنى قول شارل ديجول: "إنئوا بأنفسكم عن منطقة الشرق الأوسط ، فإنها منطقة معقدة مركبة، فإذا كنتم فاعلين فعليكم أن تتخلوا عن أفكاركم التقليدية، وتبدعون أفكارا جديدة، وهذا الكلام على ذكر أنه منذ شهرين تقريبا تحركت حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول" نحو مياه الخليج عند سلطة عمان ، ليس لمحاربة دولة الإسلام فى العراق كما قيل، ولكن لحرب اليمن لأن استثمارات فرنسا فى منطقة "شبوة وأبين" فى الغاز أعلى استثمارت فى العالم.

إذن ذهبت حاملة الطائرات "شارل ديجول" قبل اندلاع "عاصفة الحزم" وعلى متنها 12 طائرة "رافال" ، و9 طائرات من نوع آخر، فضلا عن المعدات والذخائر، رغم تحذير"ديجول" القديم من نزول المنطقة، ولكنهم أتوا لغيهم، وكما نرى الآن فإنهم قد أبدعوا أفكارا جديدة على جناح استراتيجية المتاهة، ومن هنا نرى المقدمات والنتائج التى توصلو إليها فى التعامل مع هذه المنطقة من العالم تؤدى إلى بعضها البعض فى النهاية بحسب معادلة "ابن رشد" أن المقدمات تؤدى للنتائج، لكنهم عكسوا النظرية وابتكروا ما يطلق عليه "استراتيجية المتاهة" بحيث يكون لديك مقدمة ونتيجة يصعب عليك حلها، ويعنى ذلك أن الذين درسوا قول شارل ديجول فى التحرك نحونا قد اشتغلوا على المنطقة الوسطى أو "الانفيبمية" أو "المنطقة الارتطامية"، على حد تعبير أستاذجمال حمدان "هاريفورد ماكندر" صاحب نظرية الحرب، ولايستعبد أبدا – داخل الإطار- تدبير قصة "شارل إبدو" لوجود زريعة أو مبرر للتحرك ، تماما كما فعلت أمريكا فى 11 سبتمبر 2011، ولذلك قالوا أن "داعش" هى التى نفذت عملية "شارل إبدو" ، وهو ما انطلى على الكثيرين منا، ثم كانت الفكرة الشيطانية بأن القاعدة فى اليمن هى التى نفذت العملية حتى يخلق سببا لتحرك حاملة الطائرات الفرنسية نحو الشواطئ اليمنية،بينما تبدو حاملة الطائرات التى اعتلاها "أولاند"بمثابة محكى مزيفا، لأن الحاملة الحقيقية كانت قد وصلت سواحل سلطنة عمان قبل حادث "شارل إبدو" بأسبوع.

ونظرا لأن لديهم دراسات مستفيضة للشخصية الإسلامية فأن الأمريكان قد وضعوا الخطط والأساليب الداعشية، على عكس حقيقة أن الإسلام فى حروبه فيه قدر من الأخلاقية، بينما أفعال "داعش" كما نرى ينافى تماما هذه الفكرة، ولأن السينما الأمريكية دائما ما تلعب دور التميهد لأفكار المستقبل، فإن سلسلة الأفلام الهوليودية "saw" ، منذ 15 سنة تقريبا ، كلها كانت عبارها عن مشاهد من القتل والذبح ومص دماء ، وهو نفس ما يحدث الآن، بدليل خروج أوباما قائلا: "أدمجوها فى العملية السياسية"، حتى نقر نحن العرب بوجود داعش فى "ليبيا – سيناء" بالتالى يحق لأمريكا أن تدخل فى إطار حملتها على الإرهاب، ولا سيما أن مساعدة مجانية يقدمها إعلامنا ومفكرونا ومحللونا الذين يلوون عنق الحقيقة طوال الوقت لإثبات وجود القاعدة فى سيناء زورا وبهتانا، رغم أن هذا غير حقيقي، ورغم تأكيدنا السابق بأنها نفس فكر "بلاك ووتر - فرسان مالطا" بهدف إحداث الصدمة والرعب ، مثلما فعل "هولاكو وجنكيز خان" من أساليب الذبح فى العراق إلى حد أن لون مياه دجلة يوما يصبح أحمرا بلون الدم، ويوم آخر أزرق بلون حبر ورق الكتب، وطبعا الهدف من استخدام الذبح هنا هو نوع من الحرب النفسية.

 

الصدمة والرعب

أضف إلى كل ذلك أن هناك تطابقا بين فكر "اليهود والفرس والصليبية الدولية" فى إحداث الصدمة والرعب لشعوب المنطقة، وهؤلا الثلاثة يستخدمون الأرقام (21- 13) بحسب المعتقدات المستمدة من "التلمود" ولذلك رد الرئيس السيسى على داعش بإعلانه ضرب 13 موقعا فى سرت، كى يوضح لهم معرفته بدلالة أن مصر هى الدولة رقم 13 على أجندة دخول داعش، وكأنه يقول لهم أن ألعاب الصبية التى تقومون بها أعرفها جيدا، بحكم أنه رجل مخابرات من طراز رفيع، وأن اللعبة مكشوفة أمامى وبوضوح، وكما يقول الصوفيون "الوعى قبل السعي".

وفى سياق هذا الوعى قبل السعى أدركت أمريكا الآن بأن الشعوب العربية المستهدفة من جانبها بدأت تستيقظ، والشعوب نفسها - إن لم يتوحد القادة - سوف تتوحد هى من تلقاء نفسها ، ولكى تضرب تلك الفكرة ، فقد قامت "داعش" بإيعاز أمريكى بخطف "21 مسيحيا مصريا" لوضع بذور الفتنة، فضلا عن ظهور عرقيات أخرى مثل "الأمازيغ - النوبة"، ولا نستبعد أن يكون هناك ارتباط كبير بين كل ذلك فى سبيل تحقيق الهدف الأكبر من كل تلك المخططات التى ترسخ فى الذاكرة العربية أن "داعش" هى مصدر الرعب والصدمة وصناعة القلق، وهى زريعة أيضا لوضعك أنت بين الشىء ونقيضه، فإما أن تذهب معه لمحاربة "داعش" فى إطار الحلف الذى كونته أمريكا وإسرائيل أصلا، أو ترفض ذلك ويأتى لك به تدريجيا حتى باب بيتك، تماما كما هو الحال فى اليمن، إذن أنت الآن بين فكى رحى، أو فى ما يسمى بـ"استراتيجية المتاهة"، وتبقى فى حيرة من أمرك وتظل تدور كبندول الساعة فى ظل حرب نفسية، فى حين أنه صنع "داعش" ليس بهدف إحتلال الأوطان، بل لضرب الجيوش، وهو نوع من الحرب النفسية لتفتيت الهمم والعزائم كى نظل فى حالة من الإحباط والتيه والقنوط واليأس، باعتباره يضرب القوة الشعبية الممثلة فى الجبهة الداخلية.

ويبقى الهدف البعيد لأمريكاوالذى ربما لا ينتبه له كثيرون، هو السيطرة على قارة المستقبل" أفريقيا" تأسيسا على مقولة أن "المستقبل أسود"، لأنه حتى تستعيد أمريكا قوتها وعصرها الرأسمالى للمرة الثالثةباستخدام العامل الجغرافى كسنة كونية، وأفريقيا هى القارة القديمة الجديدة بحكم أنها غنية بالموارد الطبيعية الموجودة فى باطنها، ونظرا لأن أفريقيا تحتوى على 52 دولة، وحتى تتمكن أمريكا من الدخول إلى أفريقيا يلزمها جيش مكون من خمسة ملايين مقاتل ، وهذا لا يمكن حدوثه، وهى تعتمد قوتها فقط على "بلاك ووتر" وهم فى أعلى تقدير لهم "من 250 – 300 ألف مقاتل"، لذا تسعى لسحب الدول بالتهديد بـ"داعش" فى سيناء، وفى ليبيا وغيرها، وبالتالى تسعى إلى تكسير جيوش المنطقة العربية، أو تستميلك للمشاركة فى تحالفها، رغم أنها أدانت رد الفعل المصرى ضد "داعش" فى ليبيا عبر منظمة العفو الدولية فى ليبيا، بل شكل ضغوطا على مجلس التعاون الخليجى لإصدار قرار ضد مصر.

أضف إلى ذلك أنه ليس هناك من أحد مؤهل للدخول لعمق قارة المستقبل الأمريكى سوى العرب والمسلمين أولا، ثم الصين وروسيا ثانيا، والعرب لماذا؟، لأن 10 دول من إجمالى 22 دولة هم أفارقة بالأساس، وأيضا لماذا المسلمون؟، لأن 74% سكان القارة الأفريقية مسلمين، وفى ذات المسعى ليس للروس والصينيين ميراث استعمارى بغيض فى قارة أفريقيا مثل " انجلترا – فرنسا – إيطاليا – أسبانيا – البرتغال"، ولعل التجربة القاسية من جانب أتباع " كيلفن كلاين" من "البوير" عندما نزلوا جنوب أفريقيا وأقاموا معازل " الترانسفير" من "التيفال – الأورانج – والكيب تاون – والنتال" يظل لها أثر سيئ فى التاريخ،بما له من انعاكس على الرق" كينتا كونتي"، وتجارة المثلث الذهبى وغير ذلك من مآسى ذلك الاستعمار القديم، ومن هنا يبقىعلى الصينيين والعرب والروس أن يذهبوا للقارة السوداء، ويعملون فى أقسى الظروف دون تعال وبنوع من العدالة فى دفع المستحقات.

اللعبة الآن وبعد 25 سنة من الخطط والمؤامرات، لم تترك من بديل أمام الأمريكان والأوربيين سوى دخول أفريقيا عن طريق استخدام الجيوش العربية بالضغط عليك دائما بزريعة وجود "داعش" أو القاعدة على أرضك فى حال رفضك التحالف معهم وتحويلك لجيوش مرتزقة لاحتلال أفريقيا، وهذا ما فطن إليه الرئيس عبد الفتاح السيسى مبكرا.

 

بطولة السيسي

يقول الموسيقيون: يكمن الإبداع فى التوقيت "، هكذا يشير - فايد -ولذلك لم يكن من بديل أمام الرئيس السيسى فى وقتنا الحالى سوى الدعوة لوحدة عربية، وبالطبع تخشى أمريكا من بطولة السيسى فى هذا الوقت العصيب من التوازنات الدولية، مستندة إلى ما قاله " ساليزار" دكتاتور البرتغال: "أخشى ما نخشاه أن يظهر فى العالم العربى محمد جديد" كناية عن البطل والرمز والقدوة، وكذلك "بن جوريون" مؤسس دولة إسرائيل قالها ذات يوم "أخشى ما نخشاه أن يظهر فى العالم العربى من يوجهه خلافتهم إلينا"، و"لورانس براون" صاحب كتاب " التبشير والاستعمار" فى صفحة 187 يقول جملة خطيرة : "يجب علينا أن نحافظ على تفرق العرب حتى يظلوا هكذا بلا قوة أو تأثير"، فضلا عن فحوى قول "بريجنسكي" لـ "مناحم بيجن" فى أثناء توقيع اتفاقية كامب ديفيد: "الآن نسلمك أمة نائمة، ولكن حذارى إذا استيقظت استردت ما أخذ منها فى قرون فى سنين، فهذه الأمة تنام ولا تموت"، لذلك فهو دائما على زرع بذور التفرقة بين العرب والمسلمين بحيث يكونوا شراذم كما نرى الآن.

يقول أحد المستشرقين البريطانيين فى صحيفة "التايمز اللندنية" حول القائد الضرورة : "إذا وجد القائد المناسب الذى يتكلم عن الإسلام الكلام المناسب ، فإن هذا الدين يمكنه أن يرجع قوة عظمى، أو من القوى العظمى كما كان فى السابق"، هم دائما لديهم هاجس من أن تتوحد الأمة، ومن ظهور قائد أو بطل حقيقى، والرسول صلى الله عليه وسلم أكد "الخير فى وفى أمتى إلى يوم الدين"، وهذا ما تخشاه أمريكا، لذلك تسعى دائما لتشويه مساعى الرئيس السيسي.

وفى سعيهم لتشويه هذا القائد العربى الواعد يحاولون وبأساليب شيطانية استدعاء ما كتبه "هاريفورد ماكيندار" صاحب "نظرية الحرب" فى بحث له تلقفه أحد النازيين، وهو الجنرال "كارل هاوس هوفر" مدير "الجيوبولتيك الألمانية"وأعطى بدوره هذه الدراسة لصديق هتلر الجنرال "إدوارد فيهس" وبناء عليه وصلت لهتلر، وكانت معدة قبل قدوم هتلر بسنين طويلة - وقت أن كان "شاويشا فى الجيش الألمانى - يقول فيها: "إن السيادة ستكون للدول الأكثر قاريا من الأكثر بحريا" فى تحذير للبريطانيين أنكم ستنهارون بسرعة فتعالوا كى تنموا أنفسكم بقوة جديدة، فالتقطها النازيون بعد وصولهم للحكم وبنوا عليها الحرب العالمية الثانية، ومن ثم اتهم هذا الرجل "ماكيندار" بأنه مؤسس النازية ومهندس الحرب العالمية لهتلر، وتم اعتقاله وحبسه، وبعد حين تم كشف النقاب عن أن الدراسة كانت قبل هتلر، وحتى فى ظل وجوده لم يكن فى الحسبان ومن ثم خرج من السجن.

ولعل هناك عبرة أخرى فى قصة أبو العلاقات العامة "بيتر إيفرلي" مع روتشيلد الثرى اليهودى المعروف، والذى كان ينفق كثيرا فى سبيل الناس، ولم يكن يجيد الترويج لنفسه، بل كانت الصورة النمطية السائدة عنه سلبية باعتباره يهوديا حاقدا، ومن ثم بدأ يحسن من صورته، ومن بعدها سادت أفكار هذا الرجل كنموذج للعلاقات العامة التى تسير عليها أمريكا حتى الآن، وهى نفسها التى اتخذ منها "جوبلز" مدير دعاية هتلر النازى ، مقولاته الشهيرة ، فاتهم "إيفرلي" بأنه صانع دعاية النازي.

 

إجهاض السيناريو

حتى نتفادى سيناريوهات التشويه المتعمدة للرئيس السيسي، خاصة فى ظل دعواه فى القمة العربية الأخيرة بتوحيد الأمة و مشروعه الطموح نحو إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، يقول الدكور أيمن فايد: دعنا نفترض أسوأ الاحتمالات، وأولها أن الوحدة أو القوة العسكرية المشتركة لن تتم ، فماذا سيحدث؟ بالطبع سيحدث نوع من الإحباط العام، وهزيمة الشعب المصرى هى بالأساس هزيمة نفسية، وأمريكا هزمت ليبيا لأن شعبها لايزيد على سبعة ملايين ، ومنهم 1,5 مليون مابين قتيل ومشرد، وهذا أمر هنا مع شعب صغير، وكذلك الحال فى هزيمة سوريا التى هجر نصف شعبها تقريبا والنصف الآخر يعيش تحت نير الحرب والفقر، أما الشعب المصرى فتعداده 100 مليون إنسان ، فلو هجر نصفه فسوف تكتظ به كل من ليبيا وسوريا، وهو ما يؤكد استحالة ضرب الشعب المصرى عسكريا، كما أنه لايمكن تدمير جيشه كما حدث فى سوريا وليبيا، ومن هنا لاتقوىأمريكا على ضرب الشعب نفسه، فالشعب المصرى لايمكن ضربه إلا بهزيمة نفسية، وهو ما يعيه الرئيس السيسي،ومن ثم يحسب له ولأول مرة كرئيس مصرى أن يلمس استراتيجية تعدد الوسائل والبدائل معولا على الشعب العربي، لذا أطلق فكرة "القوة العربية المشتركة"، ولو لم يحدث ذلك - لاقدر الله – فأصبحت الكرة الآن فى حضن الشارع المصري، وبالتالى لو ضغطت أمريكا على الأنظمة فإن سقف وطموحات وأحلام الناس ومعنوياتهم قد ارتفعت بهذه القوة هو ما تلازم مع حديثه عن تجديد الخطاب الدينى الذى يستهدف تنقية الأجواء والعودة لصحيح الدين دون هدم الثوابت التى تمس النص، وربما ينقص المسلمون الآن دين بدون شريعة حقة أو جهاد بمنهج يغايرالشكل المظهرى للدين الحالي، مصداقا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام "إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظر قيام الساعة"، ولهذا ليس لم يعد كافيا أن يعمل الرئيس وحده، بل لابد له من معاونين على نفس القدر من الجدية، والفيلسوف المصرى الدكتور زكى نجيب محمود له مقولة رائعة تقول " إذا أردت سماع نغم جديد فعليك بتغيير أوتار القيثارة".

ومن حسن الحظ الرئيس السيسى يدرك جيدا أن الإنسان بطبعة كائن اجتماعى يصعب عليه أن يعيش بمعزل عن الآخرين، ولذا يبدو حديثه عن القوة العربية المشتركة كنواة للوحدة لرفع سقف طموحات الناس،وهى من صحيح الدين، لذا لزم تجديد الخطاب الدينى من ناحية ، ومن ناحية أخرى أن نكون فى تفاعل قوى مع ما صنعته أمريكا من ذرائع مثل : "داعش – جبهة النصرة – الشيعة- الحوثيون أوغيرها" ، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه فى مواجهة الفتنة هناك نسبة خسارة وتضحية فى الاختيار مابين شرين ، ولنا فى مقولة سيدنا عمر – رضى الله عنه – "ليس العاقل الذى يختار مابين الخير والشر، لكن العاقل من يختار مابين الشرين أيهما أخف ضررا"، وعندما نرى جورج واشنطن الرئيس الأمريكى الأسبق، يقول " إسألنى ما العمل؟، فالمستقبل هو الذى أولى بالرعاية "، يأتى المغنى الشهير إلفيس بريسلى فى مقطع من أغنية له يقول " كيف يمكننا أن نبنى أحلامنا وعقولنا تشك؟"، وبالتالى لابد أن نخرج من استراتيجة المتاهة التى نعيشها. لقد لخص الفنان العبقرى "آل باتشينو" من قبل فى فيلم "سيمون" المشهد الحالى برمته قائلا: " قدرتنا على صنع الاحتيال فاقت قدرتنا على كشفه ، ولنتأمل مليا أفعال " كونداليزا – كيسنجر – فيجرز – بريجينسكي"، ومن مصلحة أمريكا كما نعلم عدم كشف هذا الوهم لأنه من صنعهم، والضرر يقع علينا نحن العرب والمسلمين، وبالتالى ليس من بديل كما قلنا وكررنا ونزيد فى التكرار بأنه علينا العودة لكتب أبائنا وأجدادنا، وتجديد الخطاب الديني، وضحد القول بأن الرئيس السيسى يرضخ للغرب فى عملية تجديد الخطابة الدينى بذهابه للأزهر ومطالبه بثورة دينية، على الرغم من أن التجديد فى اللغة يعنى العودة لأصل الشىء، وليس الإتيان بجديد عليه بحكم القاموس، فعلى سبيل المثال إذا كنت تملك قطعة ذهب عليها بعض الغبار وتريد تجديدها فهذا يستلزم إزالة العالق بها، وإعادتها لسيرتها الأولى.

 

دولة العراق الإسلامية

العلامة أحمد أمين فى "فجر الإسلام، وضحى الإسلام"، قبل 60 عاما قال إننا نعيش دين صناعى ومظهرى ، وهذا يعنى العودة إلى أصل الإسلام، ولعل الإخوان هم أكثر من ضرب الدين الإسلامي، ونقطة أخرى جديرة بالاهتمام وهى ألايخطئ بعض رجال الأزهر والإعلام بالاستشهاد فى أحاديثهم عما يسمى بـ"دولة العراق الإسلامية أو دولة الخلافة" لأن هذا صنع أمريكا وإسرائيل، ومنذ سنتين تقريبا بدأ بعض رجال الأزهر والمفتى ومستشاره ووزير الأوقاف يحثون على عدم ذكر تلك المقولات، بل لنقل "داعش"، ولعل هذا كان مطلوبا فى بداية الفتنة، وأن نبقى على الصيغة الأولى لمايسمى بـ"دولة العراق الإسلامية" حتى تتم المحاسبة الحقيقية على أساس التفكيك الأولى ومؤاده : أننا لو تناولنا مقولة "تنظيم الدولة الإسلامية" لوجدنا أنه مخالف تماما لفكرة "دولة" بحسب المطلح السياسي، ثم إن كلمة "دولة منافية تماما فى العلوم السياسية لكلمة "خلافة"، وأيضا منافية لكلمة "إسلامية"، لأن مصطلح الدولة لم تعرفه البشرية إلا فى منتصف القرن السادس عشر كدولة مدنية حديثة ، طبقا لنظريات "ماكس فيبر، وبراون لي"، والإسلام لم يعرف على الإطلاق كلمة دولة بل يعرف كلمة "أمة – خلافة – سلطنة – مملكة – إمارة – مشيخة" لكن لايعرف دولة لأنه مصطلح عرفه الغرب منتصف القرن السادس عشر.

أما التفكيك الثانى فهو: عندما ننظر لكلمة "دولة الخلافة" فتخبرنا العلوم السياسية بأن السلطان السياسى لابد أن يكون له بعدان "روحى – مادي"، وهذان البعدان يظهران على دربين، الأول وهو الذى يقدم الوجه الروحى "الديني" على الوجه المادي، مالم يصل إلى السلطان الفعلى، أما الدرب المادى يقدم الوجه المادى على الوجه الروحى كلما طال أمد سلطانه الفعلي، والأول سلطانه على النفوس، والثانى سلطانه على الأبدان، ونظم الحكم فى العالم منذ الإنسان الحجرى الأول وحتى الآن مبنية على ركيزتين، حيث هناك نموذج حكم فرعونى طردي، ونموذج حكم فرعونى عكسي، والطردى يعنى "الدولة المعبد"،أو الدولة الكنسية، أو الدولة الجامع، وهو ذكاه الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أسس حكما على أساس الحكم الفرعونى الطردى وليس العكسي، لأن العكسى يعنى الكنيسة الدولة "سلطة سيروقراطية"، أو المعبد الدولة " الكهنوت" والفرعون الإله وكلمته لاترد، وهذا منتشر عند الشيعة، وتحديداعند الطائفة الإسماعيلية، حيث يقدم المعتقد الدينى "الروحي" على "المادي"، والرسول جاء ليهدم نموذج الحكم الفرعونى العكسى أو "الدولة الجامع أو الكنيسة أو المعبد" ، وهو ما لاتفهمه معظم الجماعات الإسلامية الحالية.

ولاننسى أنه عندما كان "الإخوان المسلمين للحكم فى إطار إنشاء دولة الخلافة وكذلك داعش" فهم بذلك قد تحزبوا ، وهذا يعنى العصبية القبلية، بدليل أن عصام العريان قال "أن الإخوانية لاتتزوج إلا إخواني"، وصبحى صالح قال أثناء مشاركته فى جنازة أحد الإخوان: "اللهم أمتنى إخوانيا"، وأيضا أليست "داعش" تلك جماعة أى عصبية، فكيف يمكن لهم القول بأنهم دولة الخلافة الإسلامية، بمفهوم العصبة، وهو لايصح لهم الإعلان عنها، لأن دولة الإسلام للناس جميعا وليست لفئة أو جماعة بعينها، وهى معنية فكريا بمحاربة التطرف والإرهاب، ولكن إذا حاربنا هذا التطرف خطأ فإننا نكون مثل سيدة تحاول إسكات طفلها من دون أن تعرف السبب، وعندما نخاف التطرف كفكر فإننا نضرب فى أصول الإسلام لأننا سننكر الخلافة وغيرها، تماما كما حدث فى المؤتمرات التى عقدت لمحاربة التطرف والإرهاب، ولو حاربنا الشق الثانى وهو الإرهاب خطأ ستزيد حدته وهنا نضرب المسلمين، والغرب يعى لذلك فأحكموا المؤامرة وبنوا على تناقضاتنا التى تؤدى لفرقة المسلمين، فضلا عن خيانة "داعش" وعمالتها الأمريكية. ولعل فى محاولات "داعش" الكارثة بعينهاعندماتعمل كمغناطيس لجذب الشباب المسلم نحو دولة الخلافة المزعومة، وهذا ينبهنا إلى أن أى دولة محترمة لابد أن يكون لديها ركيزتين "العمل الصالح، والأمل الفسيح، وكما قال المولى عز وجل: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، ليس إيمانا فقط بل مقرون بعمل صالح، والأمل الفسيح يعنى الهدف والحلم، إذن أين دولة الخلافة المزعومة التى هى من صنع أمريكا من هاتين الركيزتين، إن أمريكا فى الأساس لا تملك إلا إدارة التوحش، وداعش تعى ذلك جيدا، وفى سبيل إبعاد الدول الإسلامية عن تلك الركيزتين، كان لابد من طمس العمل الصحيح الممثل فى المنهج بضربه عن طريق فتاوى الإعلام التى تهدم صحيح الدين من خلال بعض أبنائه، وعمل حملات مكثفة على الدين نفسه وأحيانا يتطاول على ذات الله عز وجل، وهنا لابد من الأمل الفسيح فى وحدة المسلمين ، والسعى إلى الخير الذى بشر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا وليس آخرا: هل يعقل أن يكون أبو بكر البغدادى هذا خليفة المسلمين؟، فى ظل إيهام الناس بتحطيم التماثيل مع أنهم يستحلون تجارتها، وما تلك إلا مظاهر شكلية، ولعل السرقات الإسرائيلية لفترة "الأسر البابلي" خير دليل على تعاون مشترك مع "داعش" وغيرها فى ظل تبادل التجارة بينهما، ومن هنا قام الرئيس السيسى بقفزة كبرى فى الظلام ضد تلك المخططات عندما تحدث فى مسألة تجديد الخطاب الدينى وتشكيل قوة عربية مشتركة لصد تلك المحاولات فى المستقبل المنظور عندما تحين لحظة المواجهة، لكن هذا يتطلب من العلماء توضيح ذلك "العمل الصحيح والأمل الفسيح" فى إطار استراتيجية المواجهة والتصدى مع الأمة العربية والإسلامية، وذلك حتى لايتسنى لهؤلاء الشباب المغرر به الذهاب إلى "داعش" وغيرها من جماعات تدعى تطبيق الدين وشرع الله فى الأرض، اعتمادا على تفسيراتهم المريضة للأحاديث والسنة فى مسألة الجهاد فى سبيل الله، ودولة الخلافة، ووحدة المسلمين المزعومة على جناح الذبح والتفجيرات ومظاهر العنف التى تبعد عن روح الإسلام الصحيح.

ومن أجل كل مامضى أصبحنا بحاجة لعلم جديد، فلم نعد نحيا نوعا من المشاكل التقليدية بحسب المفاهيم القديمة، وفى ظل مايسمى بالفوضى الخلاقة الداعية إلى التقسيم وتفتيت أواصر دولنا العربية عبر إحداث أكبر حالة من الارتباك فى التاريخ بفعل استراتيجية "الشيئ ونقيضه"، أصبح محتم علينا فى اللحظة الراهنة إيجاد حلول غير تقليدية، بل حلول أكثر عبقرية، بمعنى وجود منهج وميزان يكفلان لنا صناعة استراتيجية جديدة تقوى على مجابهة رأس الحربة الأمريكية فى المنطقة بحلول غير تقليدية أو عبقرية بعد تمددها يوما تلو الآخر فى محاولة لبسط نفوذها على جناح "داعش"، ذلك الوهم الذى صنعته الولايات المتحدة، وجعلته رأس حربتها ضد المنطقة بأثرها.

رابط دائم: 
AdTech Ad
 
 
 
 
 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق
  • 2
    محمد نعيم
    2015/04/13 11:04
    0-
    0+

    كلمة اسلاميه تزعج الغرب
    انا لي راي في مسألة داعش - اولا ما سبب ظهورها؟ هو الظلم الواقع علي المسلميين وليس تنفيذا لسياسة امركا في العالم - ممكن حل اشكال الجهاديين واسكاتهم بمنع المسبب الذي اظهرهم وهو ظلم المسلميين فنحن نري المسلميين يقتلون في سوريا والعراق وبورما ووسط افريقيا لمجرد انهم مسلميين - اذا طالبت الدول الاسلاميه رسميا وعمليا بوقف الظلم ستتلاشي الحركات الجهاديه لان سبب ظهورها وحججها هي رفع الظلم عن المسلميين - اضرب لذلك مثال العراق - الجماعات الشيعيه منذ ان تولي الشيعة الحكم بالعراق بعد احتلال اميركا ومساعدة اميركاللشيعة بطرق ملتويه لسيطرة الشيعة بابعاد الاكراد من اللعبه السياسيه بالانتخابات وهم اهل سنه مما جعل الاغلبيه للشيعة الاماميه واميركا تعلم جبيدا ما في نية الشيعة من كره وحقد عقائدي ضدد اهل السنه لدرجة ان قتل اهل السنه عند الشيعة تعبد لله فاميركا تخطط في الخفاء لتضعيف والحد من قوة اهل السنه وخاصة لو كانوا علي حق او يطبقوا شرع الله - عند الغرب منذ زمن بعيد ان العدو الال لهم هو الاسلام الصحيح وانهم موقنون ان لو دوله طبقت الاسلام بشرعة الصحيح لطبقت جميع الدول الاسلام ولو طبقوا الاسلام لاتحدوا وهذ
    • يوسف ألدجاني
      2015/04/13 13:07
      0-
      0+

      يا سيد نعيم أن داعش وألقاعدة وأنصار بيت ألمقدس وألأخوان وحماس وحزب ألشيطان ( أشد ظلما وطغيانا من ألشيطان نفسه
      ألا ترى بأنهم يقتلون بألمسلمون وغير ألمسلمون ويدفنونهم أحياء ويقطعون رؤوسهم ؟ أنهم ألمفسدون في ألأرض تحت مسمى ألأسلام وهو بريئئ منهم .
  • 1
    يوسف ألدجاني
    2015/04/13 01:13
    2-
    0+

    أنني أتذكر بأنني قرأت أعلانا ( بأن ألجيش ألأمريكي يطلب متطوعين يجيدون أللغة ألعربية .. وهذا يعني عربا
    وبرواتب شهرية تصل ألي ( 10 ألأف دولار ) وهذا ألأعلان لا أذكر أن كان قبل أو بعد أحتلال ألعراق / وألكل يعرف ( ألبلاك ووتر جيش ألمرتزقة من جميع ألجنسيات وأعمالهم ألأجرامية ألتي تساوي أعمال مرتزقة داعش ) ألحقيقة أنني ومنذ سننين كنت أحذر وأنبه ( أن ألأخوان ألمسلمون ومعهم أمريكا وأسرائيل وأيران يحاولون صناعة وبناء دولة ألخلافة ألأسلامية .. لتكون بديلة عن ألأتحاد ألعربي ألذين يخافون منه ) ولذلك أرادوا ضرب ألأتحاد ألخليجي بدولة قطر وتمردها بل وطلب أعفائها من ألأتحاد / حتى أن هيكل يقلل من ألقوات ألعربية ألمشتركة ويقول ( أين ألجبهة ألتي تريدون محاربتها ؟ وأين ؟ وأين ؟ ) ولذلك زرعوا على أرضنا ألجماعات ألأرهابية بمسمى ألأسلام ودولة ألخلافه .. ليوقفوا مسيرة ألأتحاد ألعربي ألذي يخاف منه ألجميع / فلنسرع بأعلان ألأتحاد وبدايتها أل 10 دول ألمشتركة في ( عاصفة ألحزم ) وأوباما أراد 3 سنوات للخلاص من داعش وألأن ألحوثيين ولا نعرف غذا من يكون ألجديد / أنه تح
    • يوسف الدجاني
      2015/04/13 14:33
      0-
      0+

      الحقيقة ان ندائي ألي ألقادة ألعرب كان ألمفروض أن يصدر من ألأمين ألعام للجامعة ألعربية قبل أن أنادي به لأنه يعيش ألكارثة من جميع جوانبها ...
      دولة ألخلافة ألدراويشية ألفاشية ألنازية أم دولة ألأتحاد ألعربي ألقومي ؟؟ فهل يتم بحث هذا ألنداء ألمصيري ؟؟
    • يوسف الدجاني
      2015/04/13 12:58
      0-
      0+

      هذا نداء ألي ألقادة ألعرب وحان وقت بيانه .. ماذا تفضلون لشعوبكم ألعربية ( دولة ألخلافة ألأسلامية ألدراويشية أم دولة ألأتحاد ألعربي ؟؟ )
      ألجواب لا يحتاج أجتماعات ولجان ومشاورات وتفكير .. لأن ألوقت في صالح دولة ألخلافة ألدراويشة ألفاشية ألنازية / ونحن في حرب معها / منذ زمن وألحرب قائمه لضرب وهزيمة أي أتحاد عربي / فهل قررتم وبدون تردد ؟ 5000 ألأف طيار , وسلاح طيران من 15000 طيارة .. و 5 مليون جندي .. وسلاح بحرية .. سماء وأرض وبحار متحدة .. وهذا ما يخافون منه .. مع أقتصاد واحد / فماذا تنتظرون ؟؟؟؟؟ في تعلقي ألأول قلت ( متطوعين يجيدون أللغة ألعربية وألصحيح يجيدون أللغة ألأنكليزية ) وشكرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق