اخبار ذات صلة

الخميس، 27 أغسطس 2020

ذاكرة الأمة ما زالت حية

 


خميس بن عبيد القطيطي




كتب هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق في مذكراته: (أنا أشعر بالسعادة البالغة لنبأ وفاة الرئيس عبد الناصر لأن وجوده بسياسته الراديكالية المعادية للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط كان يمثل أكبر عائق لتنفيذ الأهداف الأميركية في المنطقة الأهم للولايات المتحدة في العالم) وحلل موقفه ذلك بأن تظهر التجربة الثورية التي قادها عبد الناصر في مظهر التجربة الفاشلة، وأن لا يتماشى الشباب على نهج عبد الناصر وإلا سيظهر ناصر جديد يكون عائقا لمصالحنا. وهنري كيسنجر يعلم ما يمثله جمال عبدالناصر وتاريخه وتجربته الحية، ومنذ ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠م يوم رحيل الرئيس جمال عبدالناصر وما زالت قوى الاستعمار تغذي الإعلام العربي وبدعم من أدواتها المتواجدة في المنطقة لمحاولة تشويه تجربة هذا الزعيم، إلا أنها لم تستطع أن تسقطه من مكانته لأنه ظاهرة بيضاء في التاريخ العربي المعاصر ويمثل رمزية ثورية تحررية وحدوية للأمة والأحرار حول العالم، ويمثل القيادة المحورية للعرب في تلك المرحلة، وما كتبه كيسنجر ليس عبثيا أو أوهاما فهو عراب السياسة الخارجية الأميركية وهو يعني ما يقول، وهذه الكلمات تقدم دليلا ساطعا أن قوى الاستعمار كانت وما زالت حتى اليوم تضع هذه المنطقة العربية تحت دائرة المراقبة والتدخل في شؤونها وتعمل على إضعافها وتشرذمها وتشويه أي فكر وحدوي تضامني عربي، وقد تحقق لها مع الوقت شيء مما تسعى إليه فاستطاعت تحييد مصادر القوة والثروة العربية، وكرست سياسة التفرقة وقد تحقق لهم ذلك منذ انفراط عقد العرب بعد زيارة السادات للقدس والارتماء في أحضان الصهاينة ودخول الشركات العابرة للقارات إلى المنطقة العربية فتمت السيطرة على الاقتصادات العربية، بالإضافة إلى تدخلات البنك الدولي في شؤون الدول العربية وكما قيل: (هذا ما جناه أبي علي) فأصبحت الثروة النفطية وبالا على العرب بعدما كانت سلاحا بيدهم، فارتفعت الأسعار واستمر انخفاض قيمة العملة في مختلف البلدان العربية فأصبحنا نجتمع في جامعة العرب شكليا لنخرج من تلك الاجتماعات العربية دون أي التزامات تجاه الأمة، وأخيرا غاب ميثاق التضامن والدفاع العربي المشترك، وفقدت الثقة بين العرب وانتقصت السيادة العربية ثم أصبحت المواجهة المسلحة بين العرب أنفسهم، وفقدت مراكز الثقل العربي التي كنا نعول عليها في الصمود والمواجهة .

لكن لا يغيب عن الأذهان أن العرب تعرضوا خلال تاريخهم الطويل إلى حالات أشد وطأة ثم عادوا لاستعادة حقوقهم، وهذه طبيعة الأمم الحية، لذا نحن نعول على الوعي العربي وتحفيز الذاكرة العربية دائما بالمنبهات لتعزيز ثقافة الصمود والمقاومة، وانتهاج مواقف عربية تذكر الأمة العربية بمبادئ الوحدة والحرية ومواجهة التدخلات الخارجية. ونحن أبناء الأمة العربية نقول اليوم إن هناك حلما آخر يسيطر على قلوب ومشاعر العرب وهو أن تعود هذه الأمة لتستمد قوتها وتستعيد حقوقها وأراضيها المحتلة فتطرد الاحتلال عاجلا أو آجلا، وهذه الأهداف باقية لا مساس بها وقضية فلسطين باقية خالدة نتوارثها جيلا بعد جيل، وكل الأحداث الراهنة ما هي إلا مخاضات تبشر بميلاد جديد، لأن هذه الأمة تحتفظ بهويتها وثقافتها وعروبتها وتعرف أعداءها جيدا، وإذا استشعر متحدثو كيان الاحتلال الإسرائيلي بعض الانتصار فما هو إلا انتصار وهمي، لأن الانتصار الحقيقي الذي يبحثون عنه لم ولن يتحقق، كما أن الأمة عن بكرة أبيها داعمة للمقاومة في فلسطين وفي لبنان حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، ويفرق الله بين الحق والباطل، وهناك في فلسطين أرض الرباط الاختبار الحقيقي للاحتلال وقد فشل فيه، لأن هذه الأمة ولادة وخالدة ومنتصرة بعون الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق