اخبار ذات صلة

الخميس، 21 مايو 2020

اللواء الركن (م) جيوسي: إتفاق أوسلو أصبح من الماضي، والشعب الفلسطينى يخوض معاركة الغاء قرار الضم الاسرائيلى


سها البغدادى 

يقول اللواء جيوسى :شعبنا الفلسطيني المسند عربياً وعالمياً يخوض معركة الغاء قرار الضم الاسرائيلي - الأمريكي

وقد ألقى الرئيس الفلسطيني مساء أمس قنبلة سياسية من الوزن الثقيل طال انتظارها، ملغياً إتفاق أوسلو الذي وقعه شخصياً بإسم منظمة التحرير الفلسطينية التي كان يشغل أمين سر لجنتها التنفيذية قبل ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، ذلك الإتفاق شكل أساساً للإعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية، وكان مقدراً له أن يفضي بعد خمس سنوات من التوقيع بالعام 1993إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب يونيو 1967. 

ماذا تعني تلك الخطوة فعلياً، وما هي الخطوات الفلسطينية القادمة لمواجهة التعنت الاسرائيلي، وما هو الموقف العربي والدولي المطلوب فلسطينياً للرد على قرار الضم الاسرائيلي؟؟ 

للأجابة على تلك الأسئلة وغيرها، كان لنا هذا الحوار مع اللواء الركن (المتقاعد) جهاد جيوسي، وهو من الخبراء الفلسطينيين بالشئون الفلسطينية والعربية، وسبق وتقلد مهاماً أمنية عدة بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وهو زميل كلية الدفاع الوطني بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بجمهورية مصر العربية.   

لماذا انتظرت القيادة الفلسطينية طويلاً لإلغاء اتفاق أوسلو رغم الخروقات الاسرائيلية المتكررة للاتفاق من جانبها؟

على امتداد الفترة منذ وصول زعيم اليمين الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للحكم سنة 2009 وتعطيله للمفاوضات بين الطرفين، اتخذت القيادة الفلسطينية عدة خطوات سياسية مدروسة بدقة حققت من خلالها مكاسب دولية هامة في إطار الصراع مع دولة الإحتلال فقام الجانب الفلسطيني بتغيير استراتيجيته لمجابهة الإحتلال بالتوجه إلى تدويل القضية الوطنية والسعي لتحقيق اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين كدولة واقعة تحت الاحتلال الاسرائيلي، مما عنى قانونياً الاعتراف بحدود دولة فلسطين لتضم كافة الأراضي التي تم احتلالها سنة 1967 بما فيها القدس الشرقية، وهذا كان من أهم المكتسبات بالحصول على عضوية الأمم المتحدة بصفة مراقب كخطوة أولى، والتي فتحت الباب أمام انضمام دولة فلسطين للمعاهدات والمواثيق الدولية بما فيها عضوية محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، وكان مؤملاً أن الضغط الدبلوماسي الفلسطيني وتصاعد الرفض الشعبي للاحتلال وتجنيد كل مفاعيل الضغط العربية والإقليمية والدولية سيتيح المجال لعقد مؤتمر دولي لحل الصراع بالشرق الأوسط، لكن الانقلاب الحاد بموقف الإدارة الأمريكية الحالية (إدارة الرئيس ترامب) ودعمها الكامل لحكومة اليمين الاسرائيلي ونقل السفارة الأمريكية للقدس وإقرارها بأنها العاصمة الموحدة لاسرائيل، ودعمها لتوجه الحكومة الاسرائيلية الجديدة التي ضمت أقطاب اليمين واليمين المتطرف (تحالف نتنياهو -غانتس) والقاضي بضم المستعمرات غير الشرعية المقامة على أراضي دولة فلسطين إضافة إلى منطقة الأغوار إليها، هذه التطورات هي التي عجلت باتخاذ القيادة الفلسطينية لهذه الخطوة المتقدمة بعد تحذيرات الرئيس الفلسطيني المتكررة للجانبين الاسرائيلي والأمريكي بما ستنطوي عليه مسألة الضم هذه من تداعيات يمكن أن تصل إلى الغاء الاتفاقيات معهما. 

ولكن الخطوة الفلسطينية يمكن أن تنطوي على مخاطر فعلية بفعل تعنت الجانب الإسرائيلي؟

نعم بلا شك وعلى الجانبين بالمناسبة، ولكن تلك الخطوة وإن كانت تحمل في طياتها خطورة فلم تكن قفزة بالهواء، فالقيادة الفلسطينية تعتبر أنه بعد مضي (18) سنة على إعادة احتلال المناطق الواقعة تحت سيطرتها منذ 2002، صبت كل اجراءات سلطات الاحتلال الاسرائيلي في تقزيم وتهميش وإضعاف السيادة والإقتصاد الفلسطيني، ومواصلة النشاط الاستيطاني بكثافة، وهدفها النهائي خلق وقائع على الأرض تمنع قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً بمحافظات الضفة وغزة، ولاعطاء الفلسطينيين &حكماً ذاتياً& ذو اقتصاد خدمي ملحق بالاقتصاد الاسرائيلي ويلبي احتياجاته.

الخطورة تكمن في هيمنة الجانب الاسرائيلي على الماء والكهرباء والوقود والطيف الكهرومغناطيسي والسيطرة على المعابر مع الخارج، وبالتالي إعاقتها لانسيابية حركة الاستيراد والتصدير الفلسطينية.

إن القرار الفلسطيني سيعني التوجه نحو ترسيم علاقة فلسطين مع اسرائيل كدولة تحت الإحتلال بدلاً من &سلطة فلسطينية& والتي تعتبر حسب توصيف إتفاق أوسلو بأنها سلطة حكم ذاتي محدود، وهو ما سترفضه الحكومة الاسرائيلية على اعتبار أنها من جانبها لم تلغ الإتفاق رسمياً، ولكن بتقديري لن تلجأ الحكومة الاسرائيلية للخيار العسكري بإعادة احتلال الضفة، وستمارس الإغلاقات على التجمعات السكانية والتضييق والقمع بحق المواطنين كردة فعل على العمليات المسلحة ولقمع المسيرات الشعبية، وسيكون هناك نشاطاً أمنياً استباقياً لتكثيف حملات اعتقال في محاولة لتقليص التهديدات بتنفيذ عمليات مسلحة أو عمليات دهس وطعن بالسكاكين، وفي الجانب الاقتصادي ستحاول إقامة علاقات مباشرة مع المصدرين والمستوردين الفلسطينيين لإضعاف سيطرة الحكومة الفلسطينية، وهذا ما جربته في السابق وفشلت فيه فشلاً ذريعاً، ولكنها ستواصل نهب الأرض وفرض وقائع استيطانية خدمة لرؤيتها النهائية لشكل الحل . 

وما هي الأوراق بتقديرك التي تمتلكها القيادة الفلسطينية للرد على قرار الضم الاسرائيلي؟

من أهم المرتكزات التي تقوي الموقف الرسمي الفلسطيني عدالة قضيتنا الوطنية والتفاف شعبنا حول قيادته ووقوفه خلف الرئيس أبو مازن في مواقفه الجريئة والمبدئية ورفضه لما سمي زوراً بصفقة العصر، وهذا الدعم الشعبي رسالة واضحة لجبهة الخصوم اسرائيل والإدارة الأمريكية ومن والاهم، بأنهم لن يجدوا فلسطينياً واحداً يقبل بالشروط المذلة الواردة بالأفكار الأمريكية لتسوية الصراع، وبالتأكيد ستتصاعد أشكال المواجهة الشعبية لذلك القرار، إضافة للجهود التي تبذلها القائمة العربية بالكنيست الاسرائيلي وقوى السلام الإسرائيلية رغم ضعفها لتعرية مواقف اليمين أمام المجتمع الإسرائيلي، وعالمياً نجد إسناداً من 138 دولة دعمت حصول فلسطين على عضوية هيئة الأمم المتحدة لن تقبل تمرير قرار الضم الجائر، وهددت دول عدة بضرورة فرض عقوبات على الحكومة الاسرائيلية، وبتقديري أن الرفض الدولي لقرار الضم الاسرائيلي سيتفاعل ويقوى بالجهود الدبلوماسية المنسقة للقيادة الفلسطينية والدول العربية لتأمين الدعم المباشر بالمحافل الدولية أو من خلال تبني الموقف الفلسطيني بجامعة الدول العربية، وكذلك الدعم المتصاعد والمتواصل من المنظمات الإقليمية والقارية والعالمية كالإتحاد الأفريقي والإتحاد من أجل المتوسط ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الإشتراكية الدولية وحركة دول عدم الانحياز، إن هذا الجهد الفلسطيني المكثف يصب كله في استنهاض وحشد كل المفاعيل الداخلية والعربية والإقليمية والدولية، ومطالبة برلمانات الدول الأوروبية أن تتخذ خطوة هامة مثل السويد بالاعتراف بفلسطين كدولة، من أجل إرغام الحكومة الاسرائيلية على التعامل معها كدولة تحتل أراضيها، وأن تتصرف اسرائيل كقوة احتلال عليها التزامات بحسب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة، وبالتالي عدم جواز إحداث تغييرات ديمغرافية أو تغيير طابع وشكل الأراضي المحتلة والمحافظة على إرثها وعدم سلبها. 

وستتيح الخطوة الفلسطينية بالتحلل من إتفاق أوسلو وما لحقه من اتفاقيات وتفاهمات بتحرير الاقتصاد الفلسطيني والذي كان مرهوناً باتفاقية باريس التي حددت سقفاً للإستيراد والتصدير الفلسطيني وحددت الدول التي يمكن التعامل اقتصادياً معها، مما سيسمح بإنهاض الاقتصاد الفلسطيني وانفتاحه على الدول العربية والعالم وبشكل حر ولتقليص نسبة الإستيراد من اسرائيل، خاصة إذا تكللت الجهود الفلسطينية بالإنضمام الكامل لمنظمة التجارة العالمية والتمتع بالمزايا والأفضليات التي تخص الدول النامية، فمنذ 2015 والسلطة الفلسطينية تقوم بموائمة قوانينها مع متطلبات ذلك الإنضمام.

كما أن تفعيل المقاطعة الشعبية الفلسطينية للمنتجات الاسرائيلية سيسبب للاقتصاد الاسرائيلي خسائر كبيرة، والمقاطعة من أقوى الأسلحة الشعبية الفلسطينية للضغط على حكومة الإحتلال.  

من المرتكزات الهامة أيضاً توفير موقف عربي موحد في إطار جامعة الدول العربية داعم لجهود القيادة الفلسطينية من أجل عقد مؤتمر لإطلاق المفاوضات برعاية دولية متعددة وبالمرجعيات الدولية من قرارات ومبادرة السلام العربية ازاء الانحياز الأمريكي الكامل للجانب الاسرائيلي، ويدعم الجهود الفلسطينية المواقف المتقدمة والحاسمة التي عبر عنها الملك الأردني عبد الله الثاني بشكل قاطع وكذلك وزير الخارجية المصري سامح شكري، كون قرار الضم يشكل خطراً على الأمن القومي للشقيقتين مصر والأردن المحاذيتين لفلسطين.

ويجب أن تصب الجهود الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والإسلامية في إطار تكتيل مواقف الدول الكبرى الفاعلة مثل روسيا والصين الشعبية والإتحاد الأوروبي ضد ذلك القرار المشئوم والذي يعرض الأمن والسلام العالميين للخطر، ويفتح الباب لاحتمالات تصعيد خطيرة في منطقة تلتقي فيها المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى والدول الصناعية، كونها الممر الأقصر لحركة التجارة والملاحة الدولية، إضافة إلى احتوائها على احتياطي كبير من النفط والغاز . 

ويتوجب أيضا على فصائل وأحزاب العمل الوطني الفلسطيني ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الشعبية والتشريعية استنهاض جبهة رفض عربية من الأحزاب والنقابات المهنية والإتحادات الشعبية والبرلمانات لتشكل رافعة جماهيرية مؤازرة للموقف الفلسطيني، ولنبذ وتعرية القلة من المهرولين المطبلين للتطبيع المجاني والتصدي للتطبيع تحت أي يافطات ثقافية وترفيهية ورياضية وإعلامية.

ولكن ما زال هناك انقساماً سياسياً بين التنظيمات الفلسطينية رغم خطورة المرحلة على القضية الفلسطينية، هل من الممكن تجاوزها برأيك؟

نعم، بلا شك، فتحلل السلطة الوطنية الفلسطينية من أية التزامات أوجبها إتفاق أوسلو وما نتج عنه لاحقاً من اتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي وفر مساحة كبيرة للالتقاء بين مكونات العمل الوطني الفلسطيني من فصائل وأحزاب داخل وخارج منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى برنامج سياسي جامع، ولكن هذا الالتقاء يلزمه عدة اشتراطات، أولها أن تخلص نوايا من هم بالمعارضة، وأن لا تبقى أسيرة لأجندات خارجية سواءً لاعتبارات عقائدية أو تمويلية، أو بفعل عامل الجغرافيا وارتهان قرارها بالتالي لبعض عواصم البلدان التي تقيم بها، وأن تغلب المصلحة الفلسطينية على أي مصلحة أخرى، فمن يدعي أن موقفه المعارض لسياسة منظمة التحرير الفلسطينية بسبب توقيعها إتفاق أوسلو مع الكيان الاسرائيلي، فإن الاتفاق برمته أصبح خلفنا، ومن ينادي بالمقاومة فشعبنا كله الآن متحشد لإلغاء قرار الضم الجائر وإسقاط تداعيات &صفقة العصر&، وهذا الحديث يقودنا إلى ضرورة الإشارة لبعض الدول في الإقليم ممن تعتبر أنها بامتلاكها أوراقاً في الحالة الفلسطينية الراهنة تقويها إقليمياً، فتساند تنظيمات وجماعات معينة بدلاً من تقديم الدعم والإسناد لقيادة الشعب الفلسطيني، فتلك المواقف لن تقويها، بل هي أسهمت وتساهم بإضعاف الموقف الفلسطيني وتطيل في عمر الإنقسام المؤلم، ولا تخدم سوى المحتل الاسرائيلي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق