ماذا يحدث في مصر الآن؟ هو السؤال الذي جاءنى عبر عشرات الرسائل من خلال كل وسائل الاتصال المتاحة هذا الأسبوع من الأصدقاء الحقيقيين والافتراضيين من كل أنحاء العالم، وذلك للاطمئنان على مصر بعد ما تم تداوله عبر إعلام الشر سواء الجزيرة القطرية أو القنوات الإخوانية التي تبث من تركيا، بالإضافة للإعلام الصهيوني الجديد المتمثل في مواقع التواصل الاجتماعي التي تعمل طوال الوقت على نشر الأكاذيب والفبركات، عبر مجموعات كبيرة من الكتائب الإلكترونية المخصصة لتزييف وعي الرأي العام بما يحدث ويدور داخل مجتمعاتنا، وفى البداية لا بد من طمأنة الجميع أن مصر بخير بفضل تماسك الغالبية العظمي من شعبها، ووحدة وصلابة وقوة وشجاعة وبسالة وعقلانية جيشها.
وقبل أن نذهب للإجابة على ماذا يحدث في مصر الآن؟ يجب أن نؤكد على أن إحدى مسلمات المنهج العلمي هي مسلمة السببية، والتي تؤكد أنه لا يمكن تفسير أي ظاهرة من ظاهرات الكون إلا من خلال التعرف على الأحداث التاريخية السابقة على حدوثها، لذلك لا يمكننا تفسير ما حدث في مصر هذا الأسبوع إلا من خلال الأحداث التاريخية التي حدثت خلال السنوات التسع الماضية منذ انطلاق أحداث انتفاضة 25 يناير وحتى الآن، هذا هو السياق الذي يمكن من خلاله تفسير ما حدث بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الأكاذيب والفبركات وتزييف الوعي.
وإذا كانت أحداث 25 يناير هي نقطة البداية فلا بد من التأكيد على أن غالبية الشعب المصري قبل بداية الأحداث كان أبعد ما يكون عن العمل الثورى، وكل الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات التي حدثت قبل ذلك بعدة سنوات ضد نظام مبارك كانت تتم عبر قوى اجتماعية وسياسية منظمة قليلة العدد ومحدودة التأثير، حتى ظهرت فجأة الدعوة للخروج في 25 يناير عبر بعض الصفحات على موقع التواصل الاجتماعى -فيس بوك- ومن بعض الشباب المجهولين في مجال العمل الاجتماعي والسياسي.
ومع انطلاق الأحداث وتصاعد المواجهات بين الشباب المجهول والأمن في يومى 25 و28 يناير بدأت الجماهير الشعبية الغاضبة من سياسات الإفقار المتعمدة من قبل حكومات مبارك في الخروج من عزلتها وتشجعت بفعل التحريض الإعلامي عبر قنوات الشر للخروج للشوارع، والانضمام لصفوف المتظاهرين وفقا لثقافة الحشد (أي خروج غير واع) معتقدين وبكل سماحة نية وسذاجة في نفس الوقت أن أوضاعهم ستتبدل فورا مع إزاحة مبارك من سدة الحكم.
وعندما اطمأنت القوى السياسية لنجاح الانتفاضة الشعبية بدأت تظهر في المشهد خاصة جماعة الإخوان الإرهابية حيث قاموا باقتحام السجون وأقسام الشرطة وحرقها، ثم توالت الأحداث بشكل سريع وكان الحل من قبل القيادة الحكيمة للجيش ألا تطلق رصاصة واحدة ضد جموع المتظاهرين ومطالبة "مبارك" بالتنحي حقنًا للدماء، وبعدها عادت الجماهير الشعبية إلى بيوتها في انتظار تحقيق أحلامها في تحسين أحوالها المعيشية وفقط.
ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، فخلال فترة حكم المجلس العسكري استمرت المؤامرات الإخوانية بدعم خارجى وتهديدات طوال الوقت بحرق مصر، ووصلوا إلى سدة الحكم، وخلال عام واحد فقط انكشفوا أمام الشعب فخرج عليهم منتفضًا في 30 يونيو 2013 ليزيحهم من سدة الحكم، ووقف الجيش للمرة الثانية في صالح الشعب الذي طالبه بإنقاذ مصر من براثن الجماعة الإرهابية، وبعدها خرجت الجماهير الشعبية مطالبة قائد الجيش بالترشح للرئاسة وقد كان.
وكالعادة عادت الجماهير الشعبية إلى بيوتها منتظرة تحسن أحوالها المعيشية وفقط، ومنذ إزاحة الجماعة الإرهابية من سدة الحكم وهى تهدد ومازالت بحرق مصر وقامت بتنفيذ عدد كبير من العمليات الإرهابية وخاضت حرب شرسة مع الجيش في سيناء على مدار الست سنوات الماضية، وبالطبع كانت ومازالت مدعومة خارجيا في إطار تنفيذها لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الصهيونية، ذلك المشروع الذي فشل بفضل وحكمة الجيش المصرى من ناحية وصمود وبسالة الجيش العربي السوري من ناحية أخرى.
وخلال المرحلة التي أعقبت 30 يونيو قام الجيش باستعادة السيطرة والقبض على زمام الأمور ونجح في تحقيق الأمن والأمان المفقود منذ 25 يناير، وتمكنت مؤسسات الدولة من إعادة الحياة إلى طبيعتها إلى حد كبير وبدأت عمليات البناء وبالفعل تم إنجاز مجموعة كبيرة من المشروعات الخاصة بالبنية الأساسية (طرق وكبارى وأنفاق وكهرباء ومياه وغاز وإسكان ومدن جديدة) هذا بخلاف قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة، وتسليح متطور ومتنوع وغير مسبوق للجيش، لكن في ظل كل ذلك ظلت الأحوال المعيشية للغالبية العظمي من الشعب لم تتحسن، بل تراجعت وتدهورت في بعض الأحيان، وهو ما تستغله الجماعة الإرهابية ومشغلوها في الخارج لتشجيع الجماهير الشعبية على الخروج ضد الدولة.
وعلى الرغم من كل عمليات التحريض على الدولة ما زال الغالبية العظمى من الشعب المصرى يرفضون الخروج عليها، وصابرين في انتظار تحسن أحوالهم المعيشية وفقط، وخلال الأيام القليلة الماضية أطلقت القوى المعادية للدولة المصرية أبواقها لتشويه الجيش بشكل مباشر ثم دعت الجماهير للخروج يوم الجمعة الماضية في نفس الوقت الذي كانت فيه جماهير الكرة تحتفل بفوز فريقها بأحد البطولات المحلية في الشوارع، فخرجت بعض عناصر الجماعة الإرهابية وبعض المواطنين الذين يشعرون بالظلم الاجتماعى وغير مقدرين لمخاطر العودة مرة أخرى للفوضى للتظاهر، وكانت أعداد قليلة للغاية، لكن قنوات الشر كانت جاهزة لتضخيم الحدث والكذب والفبركة ونشر صور وفيديوهات قديمة منذ 25 يناير وما بعدها لتصور أن ثورة جديدة قد اندلعت في مصر، وكان الجيش كعادته دائما عند حسن الظن فلم يتم التعرض للمتظاهرين وتركهم يفرغون شحنتهم الغاضبة حتى انفضوا.
هذا ما حدث ويحدث في مصر الآن، لذلك لا بد أن يعي الشعب أن هذه المخططات الداخلية والخارجية تستهدف بشكل حقيقي أمن واستقرار الدولة المصرية بمؤسساتها، وليس شخص الرئيس، ولابد من التأكيد على أن أي خروج تحت مسمى الثورة لن يفضي إلى نتائج حقيقية على مستوى تحسين أوضاعهم المعيشية، بل ما سيحدث هو مزيد من التراجع والانهيار.
لكن وفي ذات الوقت لا بد من تحرك سريع من الدولة في إطار احتواء المواطنين عبر مجموعة من السياسات الاجتماعية والاقتصادية المنحازة للغالبية العظمى من الشعب، لتحسين أحوالهم المعيشية، ومواجهة غول الأسعار وتحجيم دور التجار الجشعين ورجال الأعمال الفاسدين الذين مازالوا يتصدرون المشهد، ويعيقون كل عمليات الإصلاح والبناء، وبذلك يتم الفصل التام بين الشعب وأعداء الوطن المتربصين به، حفظ الله مصر وجيشها العظيم من كل شر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق