اخبار ذات صلة

الأحد، 22 فبراير 2015

قصة قصيرة "فصول من الحياة " الـشيمـــاء


هناك نفوس تبكى وتتعذب فى صمت دون أن يدرى بها إلا خالقها 
قصص  من الواقع ولكنها أغرب من الخيال 

بطلة قصتى اليوم الشيماء 
الفصل الأول " حلم الطفولة البريئة "

قبل غروب الشمس وصيف مائل للحرارة أسمع ضحكات الصغار ممتزجة بصرخات عالية فهم يلهون ويلعبون ويعبثون بجريد النخل وأرى بينهم فتاة مرسوم على شفتاها ابتسامة بريئة وفى عيناها شقاوة ممزوجة باللهو والمرح أخذت بشرتها من لون القمح وسام على جبينها العرقان والضفائر مسدولة على كتفيها , ملابسها عليها ورود صغيرة وكأن الربيع يتغنى بضحك الشيماء 
مضت شهور ليست بكثيرة ومازالت شيماء تلهو مع الصديقات بعد عناء يوما طويل فى خدمة الدار فكان يوم الجمعة بمثابة العيد لانه اليوم الذى تستطيع فيه الشيماء اللهو مع صديقتها لانها يومياً فى رحلة شاقة من المدرسة الى خدمة الدار وتلبية رغبات الجدة وأخيراً تلتقط أنفسها وتهدىء لتذاكر دروسها 
وكانت الجدة هى الأمر الناهى فى الدار والأم لها دور ثانوى وخصوصا بعد ذهاب الأب الى العالم الاخر الاكثر عدلاً
وفى يوم استيقظت الشيماء على أصوات الزغاريد فى البيت تتصاعد الى عنان السماء ,ففرحت وانطلقت نحو أمها وجدتها لتسئلهن ماذا حدث فقالا لها أن أختك الكبرى بدور ستتزوج من بن خالتكى بالقاهرة ويجب علينا أن نستعد بجهازعروس مشرف لها وبالفعل تم الاعداد الى الفرح لتنتقل بدور الى القاهرة تاركة القرية الصغيرة فودعت الشيماء أختها بدموع ممزوجة بالفرح لانها ستفارق أقرب أخوتها اليها 
فكان زواج بدور يعد زواج اول طفلة قاصر فى عائلة الشيماء وكان بعقد عرفى طبقا لعادات وتقاليد القرية التى ترى ان زواج الطفلات ستر لهن خوفا عليهن من تلاعب الشباب وكانت القرية بمثابة سلخانة يتم فيها ذبح الطفولة معنوياً تحت مظلة الشرع والعرف والتقاليد فى غياب كامل لدور وسائل الاعلام وأصبح دور الحكومة دور سلبى يرضخ لعادات وتقاليد القرية بعد فشل محاولات الحكومة فى تعديل قانون زواج القاصر 
ولم تمضى سنوات كثيرة  حتى تسلمت الشيماء راية العادات والتقاليد فالتكوين النفسى والعمرى  تكوين طفلة والتكوين الجسدى بمظاهر شابة تخطت العشرين من عمرها ومن هذا المنطلق توجهت أعين الجدة الحاكمة الأمرة الى الشيماء ومنعتها من الخروج للهو مع صديقتها وأغلقت عليها أبواب ونوافذ الحياة وفى يوم سمعت الشيماء تكرار الزغاريد ولما انطلقت كعادتها لتسئل أمها وجدت ملامح أمها تتكرر والجدة تطالبها بأن تعد الشربات وتقدمه فدخلت بصنية  نحاسية تحمل أكواب يتراقص بداخلها الشربات من رعشة اليدين وارتجاف الجسد فكانت تمشى نحو محمود خطوات بطيئة ومهتزة فهو بن خالتها وشقيق زوج أختها بدور ولكن العادات والتقاليد لن يسمحا لها ان تتعرف عليه من قبل والان القدر يحمله لها زوجاً وليس حبيباً لان قلبها الصغير لا يملك أن يعشق أو يحب لانه عالق بعالم الطفولة البريئة وتمت الخطبة وتصاعدت اصوات الزغاريد للمرة الثانية فى نفس الدار مع نفس النسب وما كان احد يعرف ما ستحمله الايام للشيماء فقد حكم الكبار العقل وتوقعوا النتائج لصالح هذه الزيجة المخالفة للقانون والشرع ولكنها تتوافق مع عادات وتقاليد كفر أبو جبل والكل كان ينظر الى السعادة التى ستنتظر الشيماء وخصوصاً انها ستذهب لتعيش بجوار محبوبتها بدور وأخذ الجميع يعد العدة من أجل شراء جهاز يفتخرون به أمام الاهل بالقاهرة وبالرغم من ضيق الحال ومرار الفقر الا ان الاسرة ذهبت للاستدانة وشراء الاجهزة الفاخرة بالاقساط وفى وسط هذه الاحداث السريعة منعت الجدة الحاكم الشيماء من اخر امل لها فى حياة الطفولة فقد منعتها من الذهاب الى المدرسة ولم تستطيع الشيماء الدفاع عن اخر حق لها فى الحياة ولكنها كانت متشبسة بكتبها فأخذت تذاكر فى السر دون ان يدرى بها أحد وذهبت امتحان الاعدادية وظهرت النتيجة --- الشيماء نجحت بتفوق , فتعالت صرخاتها فرحاً ولكن لم يسمح لها احد ان تستكمل فرحتها وظن الجميع ان الفرحة الحقيقية هى فرحة الزواج والستر ومضت أيام قليلة وسيدات القرية يعدون الشيماء للعرس فكانوا يرسمون لها الحناء ويقلمون لها الاظافر ويرسمون لها الحواجب فارحين بما أتاهم من ستر لطفلتهم دون أن يدرى أحد ما بداخلها ودون أن يسئل أحد هل هى مستعدة لخوض التجربة ام لا ؟ وبالطبع لم يسئل أحد نفسه ولو سؤال لان التيجة لديهم محسومة بعد نجاح تجربة زواج اختها الكبرى بدور كما كانوا يظنون 
أصوات المزمار والطبل تتعالى والخيل العربية ترقص فرحا بقدوم العروس من محل التصوير فقد التقط لها المصور الكثير من الصور هى ومحمود وكانت الصور تحمل معانى كثيرة متناقضة حيث كانت تعكس حالة من انعدام الرضا من جانب الشيماء والعكس لحالة محمود الشاب الثلاثينى صاحب التجارب الذى اراد ان يفوز بأبنة خالته الطفلة الخام التى لم تتخطى حدود الدار منذ ظهور بعض علامات الانوثة عليها 
الشيماء تغادر كفر أبو جبل وهى تودع احلام صباها ولا تعلم ماذا كان يخبىء لها القدر وكل ظنها أنها ستعيش بجوار حبيبتها وشقيقتها بدور وهذا ما جعلها تفرح 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق