اخبار ذات صلة

الأربعاء، 20 نوفمبر 2013

مركز عدن للبحوث الاستراتيجية يكشف في دراسته أبعاد ما حدث في حرب احتلال الجنوب في 1994م ويصفها بجريمة ( إبادة جماعية)

‏ارسلان السليماني‏
أسلان السليمانى يكتب 
صوت العرب /نقلاعن الجنوبية نت /خاص
أصدر مركز عدن للدراسات والبحوث الإستراتيجية دراسة جاءت تحت عنوان «الجنوب: جريمة الإبادة الجماعية». حاولت الدراسة أن ترصد وتتعرّف على الأبعاد والمسارات المختلفة والمتصاعدة التي اتخذتها الجريمة المرتكبة في الجنوبمنذ اجتياحه في حرب صيف 1994، من حيث: طبيعة الأفعال المرتكبة، حجم التدميروغاياته، القصدية الكاملة في إحداث النتائج، ثم تبعاتها وتداعياتها المختلفة علىكافة الأصعدة؛ الفردية والجماعية، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقد حاولالباحثان، د.قاسم المحبشي وأمين اليافعي، اللذان اشتركا في إعداد هذه الدراسة إعادةقراءة أبعاد ومسارات وعواقب الجريمة في ضوء القوانين الدولية ذات الصلة، خصوصاًتلك المتعلقة بالجرائم التي تتخذ طابعاً «تدميرياً منهجياً» يسعى إلى القضاء علىحيويّة وفعاليّة أي جماعة (مميّزة بذاتها) عبر طُرق ووسائل وأفعال متعددة، بحيثيمكن من خلال ذلك الوصول، في نهاية الأمر، إلى إطلاق الوصف الأنسب لهذه الجريمة،على حسب تعبير الدراسة وقد قام الباحثان بتقسيم الدراسة إلى عدة عناوين جاءت على النحو التالي:
الإبادة الجماعية: محددات المفهوم والقانون
تحت هذاالعنوان، أشارت الدراسة إلى الالتباس الكبير الذي يثيره مفهوم"الإبادة الجماعية" عند استخدامه في توصيف حالة ما، لاسيما في سياقات ثقافية واجتماعية تفتقد إلى الثقافة الحقوقية والقانونية، فضلاً عن معناه المزدوج:الشائع والقانوني. ففي المعنى الشائع تستخدم لوصف حالة وحيدة فقط، وهي حالةالإبادة التامة لجماعة أو شعب ما، أي إزالتهم النهائية من الوجود، لذلك غالباً ماتكون هناك مهابة وتردد في استخدامها لوصف جرائم الحروب التي تتجسد فيها. أما المعنىالقانوني، فكان القانوني البولندي رافائيل ليمكين الذي له الفضل بصك هذا المفهوم، قدأشار إلى أن «الإبادة الجماعية» لا تعني بالضرورة التدمير الفوري لأمة ما، إلا فيحالة تنفيذ ذلك عن طريق القتل الجماعي لجميع أفراد تلك الأمة. إنما المقصود هو خطة منظمة، مركبة من طائفة واسعة من الأفعال المختلفة تستهدف تدمير الأسس الضرورية لحياة جماعات وطنية بهدف القضاء على الجماعة ذاتها. إن أهداف تلك الخطة عادة ماتتضمن تحطيم المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغة والمشاعرالوطنية والقيم والرموز المفضلة عند أفراد الجماعة الوطنية المحلية، وتحطيم أمانهمالشخصي وحرياتهم وصحتهم وكرامتهم ومقدراتهم وحتى حياة هؤلاء الأفراد المنتمين إلىتلك الجماعات.
وفي مسودة"اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية" التي أقرتها الأمم المتحدة بقراررقم 96 (1-د)، جاء تعريف "الإبادة الجماعية" على أنها: «الحرمان من حق الوجود لجماعة من البشر، في حين أن القتل هو إنكار حق الشخص في الحياة». وهو مايعني أن جريمة الإبادة الجماعية لا تقتصر، وكما هو شائع، على عملية المحو الكليلجماعة ما بيولوجياً، وإنما مجرد حرمان جماعة ما من الحق في الوجود كـ"جماعة" لها شخصيتها الاعتبارية المعترف بها، أي كمؤسسة سياسيةاجتماعية ثقافية ذات هوية محددة ومقدرة، يدخل في المضمون القانوني لمفهوم الإبادةالجماعية.
الجريمة في الجنوب:
إن حرب صيف 1994م ليست بأي معنى تقليدي ممارسة للسياسة بوسائل أخرى، بل إنها ليست حتى حرباً تقليدية. فمسارات الحرب وتداعياتها وتبعاتها المختلفة قد حمّل الأحداث بما لم يخطر على بال أكثرهم تشاؤماً من نتائج هذه الحرب. فقد تبين، بعد وهلةٍ قصيرةٍ من خفوتِ سعيرها؛ والذيلم يخفت إطلاقاً، أن الحرب والتخطيط لها وأهدافها ونتائجها كانت تستهدف تدمير دولةالجنوب كمؤسسة سياسية وجماعة وطنية وقوة حيوية وتاريخ وهوية وأرض وثروة ونظاماجتماعي واقتصادي مختلف عن الشمال (أو دولة الجمهورية العربية اليمنية).
لقد قضت الحرب على إنجازات ستين سنة من جهود تحديث الجنوب، فبتدمير مقومات الدولة،ومؤسساتها العسكرية والأمنية، وكياناتها الفاعلة، وتدمير البُنى التحتية الرئيسيةبما يتجاوز السعي لهزيمة طرف من الأطراف السياسية، لأنه التدمير قد شمل المدارس والجامعة والمستشفيات والمتاحف والمكاتب الحكومية؛ وبتدمير كل ذلك باتت الساحة خالية ليفعل نظام الجمهورية العربية اليمنية ما يشاء في الجنوب.
والمفارقةأن كاتباً شمالياً ـ عبدالناصر المودع، وهو بالمناسبة رجل قانوني كبير في اليمن،كتب مقالاً في الفترة الأخيرة يشرح فيه سر تفاؤله بعدمإمكانية حصول الجنوبيين على مطلبهم في الانفصال عن الشمال؛ في المدى القريب، علىالأقل، على حد تعبيره. ومن ضمن النقاط الهامة التي أوردها الكاتب واعتبرها معوقاتجوهرية أمام " الحركة الانفصالية"هو افتقارها للإمكانيات السياسية والعسكرية التي تمنحها القدرة على بسط سيطرتها المادية في المناطق الجنوبية لفرضواقع انفصالي فعلي. وقد أرجع هذا الافتقار في القدرة إلى عوامل عدّة، أهمها، هشاشةالكيان الجنوبي، خاصة بعد تدمير المؤسسات السياسية والعسكرية الجنوبية في حرب 1994.فحتىحالة التشتت والنزاع التي تعيشها حاليا "الحركة الانفصالية"؛إذ لا وجود لتنظيم سياسيأو عسكري حقيقي حتى الآن، رغم مرور ستة أعوام على بدايتها، عدّها من تبعات هذاالتدمير.
استراتيجيات الإبادة الجماعية ضد الجنوب:
أولاً: الحرب الاستعمارية بوصفها إبادة جماعية
إن جريمةالإبادة الجماعية هي غاية ونتيجة كل حرب استعمارية خارجية أم داخلية، بل أن منطقالحرب ذاته ينطوي بالضرورة على جريمة الإبادة الجماعية. فالحرب في معناها اللغوي تعني القطع، البتر، الفصل، ومن هنا اشتقت أسماء "الحربة" بمعنى الحد القاطع، والحرابة بمعنى قطع الطريق أو التقطّع. الحرب، إذن، هي قطع وقطيعة وعنف وتدمير، كره وعدوان وقتل وحرمان، حقد وقهر وثأر وانتقام.
وفي هذا الصدد، تشير الدراسة إلى مقالة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر "الإبادة الجماعية الذي ذهب إلى القول بأن الانتصار في الحروب الاستعمارية يُعادل الإبادة السياسية والثقافية والاقتصادية للشعب المحتل، في حين تطرح الهزيمة الإبادة الجماعية كحل للدولةالاستعمارية. إن منطق الإبادة الجماعية متأصل في كافة أوجه الحروب الاستعمارية، منحيث فترة استمرارها في مواجهة المقاومة الشعبية، ومن حيث إمكانية التصعيد الشديدفي مواجهة المقاومة الشعبية، ومن حيث نتيجتها في حالة الاستسلام.
أماالأشكال والسلوكيات التي عبّرت عن جريمة الإبادة الجماعية في هذه الحرب، فقد تلخصت في:
* إصدارفتوى رسمية (تكفيرية) جاء فيها: «إذا تقاتل المسلمين وغير المسلمين فإنه إذا تترسأعداء الإسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاءالمُتترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخوالأطفال».
*عدم وقفالحرب على الرغم من المناشدات الدولية وصدور قرارين من مجلس الأمن بذلك (924 و931)، خصوصاً وقف القصف على مدين عدن الآهلة بالسكان المدنيين. لكن على العكس منذلك، زاد القصف للمدينة مع حصار خانق تم منع عن قاطنيها الماء والكهرباء ووسائلالاتصالات وكافة الخدمات، في عز صيفٍ جهنمي، وكنوع من العقاب الجماعي.
ثانياً: استراتيجيات الإبادة بعد الحرب
لقد وضع نظام الجمهورية العربية اليمنيةالجنوبيين منذ اليوم الأول لانتهاء الحرب في حلقات متعددة ومتصلة وذات إستراتيجية تدميرية واضحة المعالم والقصد، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
*تفكيك وتدمير المؤسسات العسكرية والأمنية الجنوبية عن بكرة أبيها، وبما أن المؤسسات العسكرية والأمنية كانت مكان التجمع الوحيد لقوة منظمة، وينظمها تراتب إداري يجعلها قادرة على الحركة وممارسة القوة،وكذلك بما هي رمز القوة للجماعة الوطنية، واهمكيان حيوي يحافظ من خلاله المجتمع على وجوده وسيادته وشخصيته الاعتبارية المميزة،فإن تدمير هذه المؤسسات قد جعل الجنوبيين باعتبارهم جماعة سياسية في عجزٍ تامٍ عنحماية أنفسهم وكيانهم ومجالهم الحيوي، وعرّضهم لكل صنوف التهديدات منذ الحرب حتىيومنا هذا.
* نجم عن عملية تدمير المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية الجنوبية، ونهب مؤسسات القطاع العام الاقتصادية من تعاونيات ومزارع ومصانع؛ تسريح مئات آلاف من الموظفين قسرياً، كما تم إلغاء شبكة الضمان الاجتماعي والاقتصادي وحرمان الجنوبيين من الحصول على فرص الحياة في مستواها البسيط مما جعلهم يرزحون تحت وطأة أوضاعٍ معيشيةٍ صعبةٍ للغاية، فانعكس ذلك بحالةٍ مفرطةٍ من الشعور بالإحباط واليأس والحرمان.
* القتل الممنھج الذي طال الجنوبیین، وقد اتخذ ھذه الأمر مسارین: المسار الأول تم في الفترة الواقعة بین 90 م - 93 م، حیث تم اغتیال أكثر من 160 من كوادر الدولة الجنوبیة في صنعاء، أما المسار الثاني فأتخذ شكلا أكثر منهجية، وتم سن قوانین لأجل ذلك، وھو ما تنبه له تقریر منظمة هيومن الصادر في دیسمبر 2009 م، الذي كان صارما في (Human Right Watch) رایتس ووتش التشدید على أن یتم وضع حد لاستخدام الاتهامات الجنائیة المبهمة والفضفاضة، مثل المواد 125 و 612من قانون الجرائم والعقوبات لعام 1994.
* تشیر هيومن رایتس ووتش إلى أن الاحتجاجات التي تعمقت في التحقیق فیھا، انتهكت قوات الأمن الیمنیة جمیع أوجه المبادئ الأساسیة للأمم المتحدة. ففي أغلب هذه الاحتجاجات، لم یمثل المحتجون تهديداً على الشرطة أو آخرین بشكل استدعي استخدام القوة الممیتة، فأغلب المظاهرات كانت سلمیة وراح یردد فیھا مدنیون عُزل شعارات ویرفعون اللافتات. وعندما بدأت أعمال إلقاء الحجارة أو غیر ذلك من أعمال العنف، كان بإمكان قوات الأمن اللجوء إلى سبل غیر ممیتة لاحتواء ھذا العنف. وفي أغلب هذه المظاهرات، لم تبذل الشرطة محاولات جدیّة تُذكر لاستخدام سبل غیر ممیتة لتفریق الحشود. كما رصد التقریر بالإضافة إلى الاحتجاز التعسفي الجماعي بدون اتهامات وبدون سند قانوني، والمحاكمات غیر العادلة، واحتجاز الأطفال دون السن القانونیة، والتعذیب والخطف والإخفاء القسري، إصرار النظام على حرمان المصابین من الحصول على الرعایة الطبیة، حیث قام الأمن بمنع المستشفیات العامة من استقبال أو علاج المصابین جراء الاحتجاجات، ووضعت ضباط من الأمن السیاسي وأجهزة أمنیة أخرى في المستشفیات، بل ونفذت هجمات داخل المستشفیات وأخذت مرضى مصابین من على أسرتھم، ومثل هذه الأعمال تعرض حیاة المصابین لخطر جسیم، وكان كثیرون منھم قد أصیبوا بأعیرة ناریة على نحو غیر قانوني من قبل قوات الأمن.
يتضح، من خلال رصد وتحليل طبيعة وأنماط الانتهاكات والجرائم المرتكبة، أن النزوع نحو إحداث التدمير الممنهج بتحويل الجنوبكلياً أو جزئياً أو قطاع جوهري منه إلى "كيان غير حيوي" كان يجري وفقسياقٍ مرغوبٍ به سواء تم الإفصاح عنه أم لم يتم، لكن نتائجه كانت أكثر جلاء وبروز وتعاظم مع مرور الوقت، وهو الأمر الذي لامسه القانوني اليمني عبد الناصر المودع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق